تراث طرابلس

Categories
الصفحة الرئيسية دراسات في تاريخ طرابلس وحاضرها شريط آخر المقالات

أكبر خانات طرابلس عرضة للإهمال

بقلم رحاب نصر

   خان التماثيلي، الشاهد على دور طرابلس في التجارة الدولية، هو في حالة مزرية. فالمبنى التاريخي تسكنه أكثر من 40 أسرة فقيرة جداً حوّلت غرفه وباحته إلى مكان إقامتها الذي لا يملك أي مقومات الحياة الكريمة.

   تحفة مملوكية غدر بها الزمان وتآمر عليها الإنسان. هذا تعريف بسيط عن خان التماثيلي الشاهد الحي على التجارة الدولية في ميناء طرابلس. عمره سبعة قرون ويتميّز بخصائص معمارية اشتهر بها بانوه: المماليك. مقرنصات وتجويفات تعلو الزوايا الأربع في الأروقة العليا. لكن رؤية هذه التحف الفنية تطلب مجهوداً كبيراً، فالخان مقرّ لأسر فقيرة منذ عقود.
هندسة خان التماثيلي لا تختلف عن غيرها، فهو مؤلف من طبقتين: الأولى كانت مستودع البضائع ومسرج الخيول ومعلف الماشية ومخازن للبيع والشراء، والثانية كانت مكاتب التجار وغرف النوم. لكن، تغيرت جهة استعمال الخان. فالمستودعات باتت محالّ لإصلاح السيارات، ومناشر للخشب… أما الباحة، فهي مملوءة بالنفايات وبعض هياكل السيارات المعطلة. وبركة المياه باتت اليوم ممتلئة بالمياه المبتذلة التي تأتي من الطبقة الثانية التي تسكنها الأهالي.
45 غرفة واسعة متجاورة تؤلف الطبقة العلوية من خان التماثيلي الذي تزين 34 قنطرة ممره الأساسي. غرفه تطل كلها على الشارع العام، فهي كانت مقر الوكالات الأجنبية، من هولندية ويونانية وغيرها. كان القناصل يجلسون فيها لاستقبال بواخرهم إلى جانب التجار. لكنها اليوم باتت منازل لتلك الأسر. سكان الخان يعيشون في ظروف صعبة جداً، فالمبنى لا تتوافر فيه أي شروط صحية للعيش مع غياب البنى التحتية من مياه الصرف الصحي واستفحال الرطوبة والنش داخل الجدران. وقد عمل بعض الأهالي على تحسين ظروف إقامتهم باستحداث غرفة ومطبخ وحمام داخل حصتهم من الغرف، ومن مالهم الخاص. وقام البعض الآخر بـ«توريق» الجدران بالباطون ودهنها من جديد، ما شوّه منظر الخان وأفقده طابعه الأثري. هذا، بالإضافة إلى الملابس المتدلية عن الشرفات فتحجب المنظر العام للباحة الواسعة التي تتوسطها بركة ماء كانت تستعمل لري الحيوانات وباتت ممتلئة بالمياه المبتذلة بعدما حول الأهالي مصارفهم الصحية إليها.

عمره سبعة قرون ويتميّز بخصائص معمارية اشتهر بها المماليك

أما البوابة الضخمة للخان، المصنوعة من الخشب المصفح بالحديد، فيصل ارتفاعها إلى ستة أمتار، ويعلوها عقد متسع الدائرة تتوسطه سنجات متعاشقة متناسقة التصميم والألوان. لكن لم يبق اليوم من البوابة الضخمة إلا بعض ألواح خشبية مهترئة آيلة للسقوط.
ما كان عليه خان التماثيلي لا يشبه أبداً ما آل إليه، بعدما استوطنت الأسر غرفه وأفسد فيه الدهر والإنسان معاً. لم يعد هذا المعلم الأثري يحتفظ بشكله الأصلي، فلم يبقَ من خصائصه المميزة الفريدة سوى هياكل تعيسة بعدما طالتها عملية تشويه من الأهالي عبر ترميمهم الغرف على طريقتهم الخاصة. فتبدلت معالم الغرف بحسب الحاجة التي استعملت لها. فهنا باب حديدي كبير إلى جانب باب خشبي، وحتى النوافذ لم تسلم من الأهمال، فكل نافذة اتخذت شكلاً مختلفاً عن الأخرى، لتؤلف لوحة لا تعرف التناسق والانسجام، وتغطي الأعشاب البرية الجدران، وبعضها وصل إلى الطابق العلوي.
رغم هذه الصورة، إلا أن محاولات عدة قد جرت لانتشال هذا الخان الأثري من براثن الأهمال، لكن المشكلة التي تبرز مع كل حديث عن ترميم الخان وتأهيله ليؤدي دوره الأثري في هذه المدينة في عملية التأهيل، هي وضع السكان القاطنين. فالخان ملك لعائلة الخانجي التي باعت وأجرت العديد من الغرف للقاطنين في الخان. وهنا، بدأت عملية الشد والجذب بين السكان وبلدية طرابلس.
يقول إبراهيم حبيب: «وعدتنا البلدية بأنها ستوفر لنا مبالغ من المال لإخلاء الخان، لكننا ما زلنا ننتظر منذ سنوات». صرخة إبراهيم تلقى قبولاً عند مروان مصطفى الذي يخبر عن الوضع المزري الذي يعيشونه من إهمال وغياب النظافة، لكن لا بديل من هذه الغرف المتواضعة. أما محمد صالح، فقد ملّ ـــــ كما يقول ـــــ من «تقديم الأوراق الثبوتية لملكيتنا للمنازل إلى البلدية، واستدعينا مرات عدة، وتفاوضنا مع البلدية، ولم نصل إلى حل حتى اليوم».
في انتظار الحل الذي سينقذ المبنى من براثن الدمار، لا بدّ من الإشارة إلى أهميته التاريخية والهندسية في هذه الواجهة البحرية. فيقول رئيس لجنة التراث والآثار في بلدية طرابلس، الدكتور خالد تدمري: «خان التماثيلي في طرابلس يوازي خان الإفرنج في صيدا، حتى إن التماثيلي أكبر من الإفرنج من حيث المساحة. لذا، فهذا المبنى مؤهل لأن يمثّل بعد الترميم مشروعاً سياحياً أو مركزاً ثقافياً ينبض بالحياة».

نشر في جريدة الأخبار بتاريخ ٢٣ تموز ٢٠١٠

Categories
دراسات في تاريخ طرابلس وحاضرها

بن الطرابلسي

بن الطرابلسي / حكاية مدينة

 

تأليف : محمد السويسي

28 كانون الأول 2012

السيد فؤاد طرابلسي

 

كانت القهوة لدى معظم  سكان طرابلس في القرن الماضي كما هي اليوم، السائل المفضل لاحتسائه صباح كل يوم ومسائه وبعد الغداء. إلا أن محلات بيع القهوة المطحونة لم تكن متوفرة كما هي اليوم في مخازن المواد الغذائية والبقالين والسوبرماركت في كل حي وشارع، بل كانت هناك محلات متخصصة لبيعها موزعة في مختلف أحياء المدينة حيث كانت تعمد إلى تحميص حبوب القهوة الخضراء أمام وداخل محلاتها ضمن أوعية إسطوانية كبيرة من الحديد مثبتة على موقد من نار الفحم يقلبها صاحبها دائرياً ببرمها من مسكة متصلة بها لفترة من الوقت إلى أن تنضج وتصبح بلون بني قاتم أقرب إلى السواد، ثم يفرغها في وعاء معدني إلى أن تبرد ليعمد بعدها إلى طحن قسم منها في مطحنة كهربائية بعلو متر تقريباً عن الأرض مع فوهة واسعة مخروطية الشكل يضع فيها حبوب القهوة المحمصة لتخرج مطحونة من طرفها، ضمن وعاء نحاسي يضعه أمامه على الطاولة ليبيع منه للزبائن حاجتها التي تتراوح في أغلب الأحيان بين ربع أوقية وأوقية. وكان سعر الكيلوغرام من البن وقتذاك هو خمس ليرات لبنانية كحد أقصى.

إلا أن العديد من العائلات كن يفضلن شراء حبوب القهوة الخضراء أو المحمصة لتصنيعها وطحنها في بيوتهن خوفاً من الغش وللتأكد من سلامة القهوة،  ولم يكن ليفعل ذلك إلا الذواقة للبن.

 

Categories
دراسات في تاريخ طرابلس وحاضرها

أوقاف طرابلس وغاياتها الإنسانية (جديد)



أوقاف طرابلس وغاياتها الإنسانية

الدكتور عمر تدمري

 

تمثل مدينة طرابلس واحدةً من مدن بلاد الشام التي كثرت فيها الأوقاف الإسلامية على اختلاف أنواعها ووظائفها وغاياتها الانسانية السامية، من أوقاف ذرية وخاصة، وأوقاف خيرية عامة، تعود منافعها على المجتمع المدني بمختلف النواحي التي تعزز وحدته وألفته وتماسكه، إذ يبتغي الواقفون، كل حسب نواياه، تحقيق غاية نبيلة نحو أهل مدينته الذين هم حلقة في مجموع الأمة.

وتظهر وظائف الأوقاف في النواحي الداعمة للجهاد، ببناء القلاع والحصون والأبراج والأسوار، وشحنها بالمجاهدين والمرابطين، وتوفير أنواع السلاح للدفاع ومقاومة الغزاة، وهذا ما نجده في الأراضي والبساتين والعقارات، ودُور الصناعة، من معاصر الزيت، والمصابن، والطواحين، وغيرها من الموقوفات العمرانية لصالح قلعة طرابلس، والأبراج الدفاعية التي كانت تنتشر على ساحل البحر بين رأس الميناء ومصب نهر أبي علي، وهي ستة أبراج والبرج القائم خارج الباب الغربي للجامع المنصوري الكبير.

Categories
دراسات في تاريخ طرابلس وحاضرها

المقاهي بين الماضي والحاضر

 



 

المقاهي بين الماضي والحاضر

الدكتور حازم فنج

 

من الأخطاء الشائعة لغوياً تسمية المقهى “قهوة” بين عامة الناس، والسؤال: هل لأن الشراب الأساسي الذي كان يقدَّم فيها هو القهوة؟

كانت المقاهي في القرن الماضي، وفي طرابلس خاصةً محصورة بين مقاهٍ داخل المدينة القديمة وبين مقاهٍ خارجها. اشتهرت طرابلس داخلياً بعدة مقاهٍ أهمها “مقهى موسى” والمقاهي المجاورة له، وكانت بالماضي على حدود البلد الخارجية قرب باب الحدادين ولا تزال مشهورة، يؤمها أهل المنطقة ويأتيها شباب البلد من حين لآخر، خصوصاً في شهر رمضان حيث يقدم إلى جانب الشاي والقهوة الكعك الآتي من الأفران المجاورة. وكان لمقهى “العيوني” داخل الأسواق بداية شارع العطارين، شهرته الخاصة، ففيه كانت تقام مزادات الضمان لحدائق طرابلس التي كان يديرها أبو حازم المطرجي المشهور “بقمبازه” الفضي وطربوشه القصير، وكانت القهوة والشاي والأركيلة أهم ما كان يقدَّم في تلك المقاهي.

 

Categories
دراسات في تاريخ طرابلس وحاضرها

رمضان عبر السنين

رمضان عبر السنين

إعداد معتز مطرجي

رمضان الشهر التاسع من شهور السنة، وفق التقويم الهجري، سمِّي بهذا الإسم عام 412م على وجه التقريب، وذلك في عهد كلاب بن مرّة، الجدّ الخامس للرسول عليه الصلاة والسلام، واشتق اسمه من الرمض، وهو حر الحجارة من شدة حر الشمس، ويقول بعض العلماء: ان شهر رمضان مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حرّ جوفه من شدة العطش، وقد فُرض الصوم المسلمين في السنة الثانية من الهجرة وكان الرسول يتعبد فيه بغار حراء حتى قبل البعثة الشريفة.
وكان المشهد الرمضاني في طرابلس خلال منتصف القرن الماضي ينبض بالتقوى ويشرق بالبهجة ويعكس تراث المجتمع الطرابلسي، وهو مشهد يجمع بين الصوم والصلاة وحلقات الدرس والذكر وقراءة القرآن، وكانت المساجد تعمر بالوعّاظ منذ صلاة الظهر لا سيما في الجامع المنصوري الكبير مع العلماء الشيخ عبد الكريم عويضة والشيخ صلاح الدين أبو علي مبعوث الأزهر الشريف، ثم بعد العصر مع الشيخ فؤاد اشراقية ومع حفظة القرآن الكريم في غرفة الأثر الشريف للتلاوة والختمية. ولا أدري ماذا أصاب الدنيا وماذا دهى الناس في هذه الأيام، فلم تعد الاحتفالات بمقدم رمضان كما كانت تشيع فيها الفرحة المشوبة بالحنين الى عصور الورع، كما عرفناها ونحن في سن مبكرة، وقليل من الناس استطاع ان يحتفظ بعادة الاحتفالات القديمة… فأين ما نصنعه اليوم مما شهدناه ونحن صغار…
ومن ناحية أخرى ارتبط شهر رمضان عند الكثير من الناس بموائد الطعام الدسمة الفاخرة المتنوعة التي جذبت انتباه من خالَطَ أهل المدينة أو جاورهم. وقد ينطبق هذا على أكثر المدن العربية والاسلامية، واللافت عند بعض الرحالة ان اليونانيين حتى وقت قريب كانوا يطلقون على موائدهم الفخمة اسم رمضان.
وفي كتب المؤرخين نصوص تفصيلية عن الاحتفالات بشهر رمضان في العصور السابقة والتواصل بين الحكام والناس، ففي الدولة الفاطمية كانت الاحتفالات من أهم دعائم سياسة السلطة تجاه المصريين، ربما كان القصد منها المبالغة في في إظهار عظمة الدولة الشيعية في عيون رعاياها السنّة، وربما كانت الدولة الفاطمية تتصرف بمنطق حكومات الاقلية على حد تعبيرنا المعاصر.
وكان للخليفة في مصر عدة مواكب دينية عظيمة في رمضان منها موكب رؤية الهلال والذي ألغاه القائد العسكري جوهر الصقلي المرسل من قبل المعز بدين الله من تونس لاحتلال مصر، لأن الفاطميين كانوا يعتمدون على حساب شهر رمضان ثلاثين يوماً، وكان لإلغاء الصقلي موكب الاستطلاع أن أغضب أهل مصر لأن لموكب رؤية الهلال ترتيبات كبيرة معقدة ألفها المصريون، ففيه يخرج الخليفة بثيابه الفخمة المزركشة، وعلى رأسه التاج الشريف، والدرة اليتيمة على جبهته، متقلداً بالسيف العربي، وقضيب الملك بيده ومعه الوزراء وكبار رجال حاشيته وعسكره، وفي أوائل العسكر ومتقدميه والي القاهرة ذاهباً وعائداً لفسح الطريق وتسيير من يقف… ويسير الموكب بصحبة الموسيقى من باب القصر، ويدور ول جزء من سور القاهرة، كما كان خلفاء الدولة الفاطمية يخرجون بمواكب أيام الجمع، فالجمعة الثالثة بالجامع الأزهر، في حين كانت الجمعة الرابعة بالفسطاط العاصمة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في ذلك الزمان، والتي كان أهلها يكرهون الفاطميين.
شهر رمضان المبارك أيام نادرة ومتكررة في حساب السنين، وهو شهر لا مثيل له في أي تقويم لأية أمة من أمم الارض، يجيء كل سنة في موعد مختلف عن الموعد السابق أو اللاحق، لكنه يجيء. وشهر رمضان مدهش حقاً فقد يأتي في قيظ الصيف أو في برد الشتاء أو في أيام الربيع أو الخريف. وكل عام وأنتم ورمضان بخير.

نشرت في جريدة البيان بتاريخ 25 تموز 2012

Categories
دراسات في تاريخ طرابلس وحاضرها

الشيخ محيي الدين الخطيب

 

الشيخ محيي الدين الخطيب

الأستاذ معتز مطرجي

 

مصباح إسلامي طرابلسي أنار طريق التائهين الضالين، أنار عقولهم وفتّح بصائرهم وأنعش قلوبهم، وصفه الاستاذ الدكتور عمر تدمري في موسوعته الإسلامية بالشيخ الفاضل، العالم، المدرّس، الفقيه، المحدث.

الشيخ محيي الدين الخطيب سار على درب أستاذه علامة الفيحاء ابن المحاسن القاوقجي، وأخذ عنه وعن العلماء عبد الحميد الخطيب ومحمود نشابه ودرويش التدمري وغيرهم علومه الأولى، ولما كان لديه شغف كبير للحصول على المزيد من العلوم، سافر الى أرض الكنانة لينهل من شيوخ الأزهر الشريف ما يطيب له من علوم الدين واللغة ويتزود بالثقافة العامة، ولم تكن عيناه مبهورتين بأضواء القاهرة ولا بقشور الحياة، وهو الذي نما وترعرع في بيئة دينية محافظة، إنما كان يشغل فكره وعقله المعرفة والثقافة والتقرب من العمل بأوامر الله واجتناب نواهيه، ليعود الى أهله وبلده حاملاً معه كل ما يستطيع أن يختزنه في ذاكرته ووجدانه من حسن تنفيذ الشريعة السمحاء، ليعم الوئام والعدل بين الخلق، فدُعي لاستلام مديرية المدرسة الحميدية في مشحة عكار، تم تولى التدريس في الجمعية الخيرية الاسلامية، كما في عدد من مساجد طرابلس، وعيِّن مدرساً وخطيباً في جامع الاويسية القريب من قلعة طرابلس، وقد أظهر في كل هذه المهام التي أسندت إليه الاسلوب السلس والاطلاع الواسع في العلوم الفقهية والأحاديث وتفسير القرآن الكريم وآداب اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة ونظم وكتب الصوفية، لاسيما حكم ابن عطاء الله الاسكندراني صاحب الطريقة الشاذلية.

وخلال فترة التدريس تتلمذ على يديه عدد وافر من المشايخ الذين أصبحوا فيما بعد من أعلام المدينه منهم: الشيخ عبد القادر الشلبي المجاور في المدينة المنورة ونزيل مقبرة بقيع الفرقد، والشيخ محمد أمين عز الدين، والشيخ عارف المولوي، ومفتي اللاذقية نور الدين الامام، ومفتي عكار خالد الكيلاني، ومفتي طرابلس رامز الملك وغيرهم كثير.

ترك مترجمنا في أصول الفقه كتاباً مطولاً وعدة رسائل صغيرة في الفرائض والتوحيد والوقف وغير ذلك.

والشيخ محيي الدين بن يوسف بن اسماعيل الخطيب هو من مواليد طرابلس سنة 1865 وينتمي الى أسرة معروفة اشتهر منها رجال عُرِفوا بالبراعة ورسوخ القدم في العلم منهم الشيخ عبد القادر نزيل المدينة المنورة والشيخ عبد الحميد الاديب العالم والمربي الفاضل، والقاضي رشاد الخطيب.

انتقل الشيخ محيي الدين الى جوار ربه سنة 1954 بعد حياة حافلة بالتقى والورع وخدمة الدين، وقد تيسّر له أداء فريضة الحج مرتين، وشيّعته طرابلس بمأتم مهيب مشى خلف نعشه كبار العلماء والمشايخ ورجالات الفيحاء، وقد رثاه مؤرِّخاً وفاته سماحة الشيخ عبد الكريم عويضة بهذه الأبيات:

مأتمٌ في الأرض عرسٌ في السماء

خطب محيي الدين قُطب الاتقياءِ

فجع الدهر به دين الهدى

فجرت عيناه سُحُباً بالدماءِ

وعليه ذابت الأرواح من

أمة الهادي إمام الأنبياءِ

نشر العلم بفيحاء الحمى

عاطر النشر خليقاً بالثناءِ

ولذا الاملاك نادت أرّحوا

مرحباً أهلاً بشيخ العلماءِ

رحمه الله وأجزل ثوابه.

Categories
دراسات في تاريخ طرابلس وحاضرها

26 نيسان يوم أغّر في تاريخ طرابلس الفيحاء 2/2



26 نيسان يوم أغّر في تاريخ طرابلس الفيحاء 2/2

بقلم الدكتور عمر تدمري

وإذا كان قد قُدِّر لإمارة الرّها أن تتحرر على يد الملك الشهيد نور الدين زنكي، وأن ينتصر الناصر صلاح الدين الأيوبي على جيوش ملوك أوروبا في موقعة حطّين ويحرر بيت المقدس، وأن يقوم الملك الظاهر بيبرس باسترداد انطاكية وفتح البلاد التابعة لها، فإن طرابلس ظلت عاصية أمام هجمات المسلمين، فقاومت عماد الدين زنكي، وابنه الشهيد نور الدين، والناصر صلاح الدين، وأخاه الملك العادل الأيوبي، والظاهر بيبرس، حتى قيّض الله لها السلطان المنصور قلاوون، سلطان دولة المماليك، فكان موعد تحريرها معه وعلى يديه، حيث خرج بجيشه من القاهرة إلى دمشق، وبها تجمعت الجيوش من مختلف أنحاء بلاد الشام، وانضم الى جيشه النظامي آلاف المتطوعة المغاربة النازحين من الأندلس. خرج من دمشق الى طرابلس في فصل الشتاء، والثلوج تكسو الجبال المشرفة على المدينة، ففاجأ الصليبيين ورابط عند مرتفع القبة، التي عُرفت بقبة النصر منذ ذلك التاريخ تمجيداً للفاتح العظيم، وضرب حصاره على الفرنج مدة 33 يوماً، وقذف الفرنج بالمنجنيقات، ونقب الجُدر والأسوار واقتحمها تحت غطاء من عشرات آلاف السهام والدبابات الخشبية الثقيلة والأنابيب التي تقذف النار الملتهبة، الى أن فرّ بعض القادة الفرنج في البحر إلى الجزر أمام الميناء، وقُتل بعضهم، وأُسر آخرون، وخاض المماليك عباب البحر بخيولهم وبعضهم سباحةً إلى جزيرة البقر، حيث فرّ الصليبيون إليها، وتّم دحر الفرنج في يوم 26 نيسان سنة 1289، وسقطت في هذا اليوم قاعدة الإمارة الفرنجية التي أقيمت على أرض مدينتنا العربية الإسلامية بغياً وعدواناً، وعادت طرابلس منذ ذلك التاريخ ثغراً ورباطاً للعرب والمسلمين، وكان يوم 26 نيسان يوم تحرير طرابلس من الاحتلال الفرنجي الأوروبي، ويوم تأسيس المدينة المملوكية التي تفخر بمساجدها ومدارسها وحمّاماتها وخاناتها وأبراجها وسُبُل مياهها وقصورها وأسواقها وساحاتها ونقوشها وزخارفها. وقد خفقت قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فرحاً وابتهاحاً بفتح طرابلس وعودتها إلى المسلمين، فأقيمت الاحتفالات والزينات في كل بلاد المسلمين.

وبفتح طرابلس تيسّر فتح آخر معاقل الغزاة الفرنج في عكا وصور وصيدا وبيروت، وتم طردهم من ديار الشام بعد سنتين 1291م.

وكان من حق الفاتح العظيم القائد المجاهد المنصور قلاوون أن يخلَّد اسمه على أهم معالم طرابلس المملوكية، فكان أن أطلق ابنه على الجامع الكبير الذي أمر ببنائه، لقب أبيه الذي اشتهر به، وأصبح (الجامع المنصوري الكبير) وتمجيداً لجهاده ودوره في تحرير طرابلس. وحريّ بنا ونحن نستقرئ هذا التاريخ المجيد ونستعيد ذكرى هذه الموقعة الحاسمة، أن نتذكّرها ونرّسخ قيمها في نفوس أبنائنا وأجيالنا، ليقرأوا تاريخ مدينتهم العريق بالنضال والجهاد والحضارة.

وكما تحررت طرابلس الحبيبة من الغزاة بعد أكثر من 180 عاماً من الاحتلال الآثم، وكما تطهرت الرّها وبيت المقدس من الفرنج بعد احتلال دام نحو مئتي عام. فإن الله تعالى سينصر جنده المجاهدين أبطال الحجارة والمقاومة الإسلامية، ويحقق الله على أيديهم النصر بتحرير فلسطين وتطهير بيت المقدس والحرم القدسي الشريف، وليس ذلك على الله بعزيز “ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ألا إن نصر الله قريب”.

إن أهم درس يمكن أن يستفاد من الذكرى – الحدث هو أن الحق في النهاية لا بد ان ينتصر، وان فترات القهر في حياة الأمم والشعوب لا بد أن تنتهي، وان اليأس ينبغي أن لا يدخل القلوب المؤمنة. فها هي انتفاضة الأقصى في فلسطين المحتلة تقضّ مضاجع الصهاينة وأعوانهم، ولا بد أن تعود فلسطين عربية كما أعادها صلاح الدين، وكما تحررت طرابلس فستتحرر القدس بإذن الله ولو بعد حين.

نُشرت في جريدة البيان بتاريخ 25 نيسان 2012

Categories
دراسات في تاريخ طرابلس وحاضرها

26 نيسان يوم أغرّ في تاريخ طرابلس الفيحاء


26 نيسان يوم أغرّ في تاريخ طرابلس الفيحاء
بقلم الدكتور عمر تدمري

يصادف يوم الخميس الواقع في 26 نيسان من هذا العام، يوم تحرير مدينة طرابلس من الغزاة الإفرنج واستردادها، وإعادة بناء المدينة المملوكية بآثارها الإسلامية التي لا يزال أكثرها قائماً حتى الآن، عنواناً لحضارة الأمة الإسلامية وتراثها العمراني العريق. وبهذه المناسبة المجيدة، يجدر بأبناء الفيحاء ان يتوقفوا قليلاً أمام هذا الحدث التاريخي الجليل في مسيرة مدينتهم، ويستقرئوا وقائع النضال والصمود والجهاد التي خاضها أجدادُهم، ورابطوا وجاهدوا في الله حق جهاده، ليرفعوا كلمة الحق والدين، ويذودوا عن ديارهم ضد المستعمر الأجنبي الغاصب.
لقد جاءت الحملات – المعروفة في الكتب بالحملات الصليبية – من كافة أنحاء أوروبا والعالم الغربي في القرن الخامس الهجري – الحادي عشر الميلادي، تحت ستار من الدين وحماية الأماكن المقدّسة، ولكنها في حقيقة الأمر كانت تخفي أطباع ملوك الإفرنج في استعمار بلاد المشرق العربي الإسلامي، والسيطرة على خيراته، والتحكم في موقعه الإستراتيجي، واستغل الإفرنج إنشقاق العالم الإسلامي في ذلك الوقت بين السلاجقة الأتراك في العراق، والفاطميين في مصر، وقيام إمارات صغيرة في أنحاء بلاد الشام، فقام ملوك أوروبا كلهم بحملاتهم الصليبية، براً وبحراً، واحتلوا سواحل بلاد الشام كلها، وأقاموا إمارات لاتينية تخضع لهم من إنطاكية والرّها شمالاً، حتى بيت المقدس وأراضي مصر والأردن جنوباً، أي ما يزيد على مساحة فلسطين المحتلة الآن من الصهاينة عشرات المرات. وكانت طرابلس في ظل أمرائها من بني عمار قاعدة إمارةٍ مستقلة على هذا الساحل تمتد من نواحي اللاذقية شمالاً، حتى جونية وجسر المعاملتين، جنوباً، وتنعم بخيراتٍ اقتصادية، وازدهار في التجارة والصناعة والزراعة والعمران، وحياة ثقافية وفكرية وعلمية قلّ نظيرها في التاريخ، حتى أشاد المؤرخون الثقات بعظيم ثروتها فقالوا إنها من أعظم البلاد تجارة وأغناها ثروة، وهي تفخر بدار العلم ومكتبتها الكبرى التي كانت تحتوي على ثلاثة ملايين مخطوطة، وهي تفوق مكتبات الخلفاء في بغداد والقاهرة وقرطبة مجتمعة. ولقد وقفت طرابلس صامدة في وجه الغزاة عشر سنوات (492 – 502هـ/1099-1109م) وعانى أهلها من الحصار الطويل حتى افتقر الأغنياء، وأكل الناس الجيف والكلاب، وتخاذل الفاطميون عن نصرتهم، وتجمعت أساطيل الفرنج لحصار المدينة من البحر، وضيّقوا الخناق عليها من البر، ومنعوا وصول الغذاء والمساعدة من البلاد القريبة، حتى سقطت المدينة بأيديهم، فدمّروا معالمها، وأحرقوا مكتبتها بأمرٍ من قائدهم (برتراند) فضاع على الإنسانية كنزٌ هائلٌ من التراث والعلوم المدونة في المخطوطات النادرة المكتوبة بماء الذهب وبخطوط مؤلفيها، ورزحت طرابلس تحت حكم الغزاة الأوروبيون أكثر من 180 عاماً، وعمل الغزاة على تغيير معالمها العربية والاسلامية، فنشروا نظمهم وقوانينهم، وعملوا على فرض لغاتهم الغربية وعاداتهم، وكذلك فعلوا في كل المدن والبلاد التي احتلوها في الشرق العربي الإسلامي.
ولأهمية موقع طرابلس الإستراتيجي، ودورها التاريخي على ساحل الشام، فقد اتخذ منها الصليبيون عاصمة لإحدى إماراتهم اللاتينية بعد إمارة إنطاكية وإمارة الرها، ومملكة بيت المقدس.
نٌشرت في جريدة البيان بتاريخ 18 نيسان 2012

Categories
دراسات في تاريخ طرابلس وحاضرها

في “جُمعاه وأحده”، في “جادات لهوه” وفي “سور مدينته الوهمي”

في “جُمعاه وأحده”، في “جادات لهوه” وفي “سور مدينته الوهمي”

د. خالد زيادة مسكونٌ بمدينةٍ عاصيةٍ على الموت!

بقلم: سحر الأسمر

مدخل/الرواية كنصٍ مفتوح!

يقول أدونيس: “كتبٌ كثيرة للقراءة. لكن أفضِّلُ أن أنام على أن أقرأ كتاباً لا يوقظني”[1]. فكل كتاب، حسب أدونيس، قراءة، وخصوصية قراءته هي وحدها التي تجعله طاقة متحركة وفعّالة. هي وحدها التي تُسافر بما تقرأه في مجهولات الوجود، فتحوّل صمت الكتاب إلى نُطق وثباته إلى أجنحةٍ تطيرُ في جميع الجهات[2]….

تجدها كاملة في مراجعات كتب ضمن خانة المركز الثقافي للحوار والدراسات

 


[1] – أدونيس/ رأس اللغة جسم الصحراء- دار الساقي- بيروت ط1، 2008، ص213.

[2] – أدونيس/ المرجع السابق ص61.

 

Categories
دراسات في تاريخ طرابلس وحاضرها

بركة السمك في البداوي (جديد)

بركة السمك في البداوي

بقلم جومانة بغدادي

    اشتهرت البداوي منذ مئات السنين، ببركتها التي كان يعيش فيها أكثر من ستة آلاف سمكة تتغذى من مياه نبع يصب فيها، ثم يسقي نحو خمسمئة فدان من بساتين الليمون المحيطة بها. وتقع بلدة البداوي، شمالي مدينة طرابلس، وهي حي من احيائها، وتكاد تندمج معها، بعدما امتدّ البناء من طرابلس إلى البداوي ومن البداوي نحو طرابلس.

ولهذه البركة أسطورة غريبة يتناقلها الناس، وهي أن السمك المقدس الذي كان موجوداً فيها، ممنوع أكله، وإن من كان يصطاده يصاب بالمرض او بالتسمم اذا أكله.

ويروى أن إحدى الفرق العسكرية الأسترالية التي خيّمت في منطقة البداوي أيّام الحرب العالمية الثانية، اصطاد بعض افرادها عدداً من هذه الأسماك وحاولوا أكلها بعد قليها، فأصيبوا جميعاً بعوارض التسمم والهستيريا!

هذه الأساطير التي كانت تروى عن السمك المقدس، حفظته طوال مئات السنين من تعدي الانسان عليه، فكانت البركة مزاراً لا يقتصر على الطرابلسيين وحسب، بل كان يفد اليها الزوار من كل المناطق اللبنانية والعربية، بحيث يتسلى الزائر برمي «القضامة» وفتات الخبز إلى السمك لمشاهدة الآلاف منها كيف تتدافع وتتصارع لتحصل على حبة قضامة او قطعة خبز.

في مطلع السبعينيات، حفرت إدارة مصفاة طرابلس المجاورة للبركة، سبع آبار بالقرب منها، لمد المصفاة بالمياه، إضافة إلى عدد من الآبار الخاصة، الأمر الذي أثر على المياه المتدفقة على البركة، والتي ما لبثت أن انكفأت نحو الآبار التي حفرتها المصفاة، فنضبت المياه في البركة، ومات جميع السمك فيها…

وانتهت بذلك أسطورة السمك المقدس…

وحرمت المنطقة من الزوار الذين كانوا يأتون لمشاهدته.

زارها علامة دمشق الشيخ عبد الغني النابلسي وذكرها في رحلته الكبرى المسماة بالحقيقة والمجاز ونظم فيها أبياتاً حيث قال:

وبركة البداوي****بمائها تداوي

يسبح فيها سمك****يصلح للتداوي

وهو كثير فيها***لسرها السماوي

مولاه قد حماه****بغر شيخ ثاوي

هناك في جامعه***مقامه العلاوي

فان من يصيده*يمرض وهو الغاوي

وجربت مرارا*جميع ذي الدعاوي

بها طرابلوس*****لجنة تساوي