الشيخ محمد رشيد رضا العالم الثائر والمفكر الإصلاحي الرائد
يمثل الشيخ محمد رشيد رضا نموذجاً للشخصية الإسلامية القلقة، فقد عاش نحو سبعين عاماً، أغلبها عامراً بالحركة والنشاط والعمل، يقرأ ويبحث ويكتب ويؤلف ويخطب ويعظ، ويحاور ويراسل، ويطبع وينشر، ويسافر ويرحل، ويشارك بنشاطه في الجمعيات والهيئات ويشتغل بالسياسة وقضايا العروبة والإسلام فضلاً عن الصحافة، ويصدر من مجلة المنار وثلاثين مجلداً، فضلاً عن إشتغاله بتفسير القرآن يطبع منه إثني عشر مجلداً، شخصية حركية لا تهدأ ولا تمل الإتصال بالكثير من الإعلام والزعماء والأدباء والعلماء، فترك أثراً لا يمحى في حياة جيله والأجيال التي أعقبت.
عاش الشيخ الإمام محمد رشيد رضا مرحلة من أكثر المراحل خطورة في تاريخ أمتنا والتي شهدت تحولات هائلة، فقد عاصر المرحلة التي تدهور فيها حال الدولة العثمانية وساد فيها الفساد رغم كل المحاولات الإصلاحية التي جرت للنهوض بحالها، وعاصر مرحلة الإنقلاب العثماني وسيطرت ما عرف بجماعة الإتحاد والترقي على الأستانة، كما عاصر الحرب العالمية الأولى ونتاجها بدءاً بسقوط البلاد العربية والإسلامية تحت الإنتداب والإحتلال الأجنبي وإنتهاءً بإلغاء الخلافة عام 1924 إلى ثورة الشريف حسين والثورة السورية الكبرى، وصولاً إلى بدايات الهجرة اليهودية الصهيونية التي نبه مبكراً إلى خطورتها.
في مقال له بعنوان “الجنسية والدين الإسلامي” نشرها عام 1317/ 1899، قال إن الجماعة الإسلامية لها طرفان الأول يضم المعتقدين بالدين الإسلامي ويربطهم برباط الأخوة الإيمانية حتى يكونوا جسماً واحداً، وقد إنحلّت هذا الرابطة، ولكنها ما زالت ولن تزول، ويجب توثيقها من خلال التعاون والتضامن بين البلاد الإسلامية على قضايا التربية والتعليم والإجتماع وغيرها، والثاني فهو الذي يربط المسلم وغيره من أرباب الملل برابطة الشريعة العادلة التي يحكمون بها جميعاً بالمساواة. وهذه الرابطة أيضاً طرأ عليها تعديل بتخلي الكثير من الحكومات عنها، فصار من الواجب تقديره على المسلمين في كل عصر ” أن يسعوا بالإشتراك مع مواطنيهم الذين يحكمون معهم بحكومة واحدة، إلى كل ما يعود على وطنهم وبلادهم بالعمران ويفجر فيهم ينابيع الثروة من أجل مزيد من المنعة والقوة والإستعداد”. ومع ذلك، لم يكن هذا يعني تخليه عن المضمون السياسي للجامعة الإسلامية. فهو إعتقد بأن العمل السياسي من أجلها هو أمر ينطوي على محاذير كثيرة، إلاّ أنه إعتقد أيضاً أن هذا المضمون يمكن أن يتحقق بطريق آخر هو طريق “الإصلاح الديني” و “الإصلاح التربوي”، وذلك لأن الإصلاح الديني لا بد أن يلازم “الإصلاح السياسي المدني”، وهذا الإصلاح لا يتحقق، كما عبّر عنه حين كان لا يزال مؤيداً للسلطان عبد الحميد، لا يتحقق بعمارة المساجد والتكايا ولا بالإنعام على بعض الشيوخ بالرتب والرواتب، بل يجمع كلمة المسلمين على عقيدة واحدة وأصول أدبية واحدة وقانون شرعي واحد ولغة واحدة هي اللغة العربية لا التركية. وهذا الإصلاح يتوقف على تأليف جمعية إسلامية تحت الحماية الخليفة يكون لها شُعَب في كل قطر إسلامي وتكون عظمى شُعبَها في مكة المكرمة التي يؤمها المسلمين من جميع الأقطار، تأخذ على عاتقها محاربة البدع وإصلاح الخطابة والدعوة إلى الدين والتغريب بين الحكومات الإسلامية، والإتحاد بهدف صد الهجمات الأوروبية. أما غاية هذا الإتحاد الذي يدعو له فهي “أن تكون هذه الدول كالدولة المتحالفة بالنسبة للأمور الخارجية وكالولايات المتحدة في الإصلاحات الداخلية كالتربية والتعليم ووحدة الإحكام والآداب واللغة”.