تراث طرابلس

Categories
جوامع

جامع العطار

جامع العطار

 

  يقع في محلّة العدسة بين الملاحة والتربيعة (في باب الحديد اليوم) شمالي خان المصريين، وله ثلاثة أبواب، نقش بأعلى بابه الشرقي المطلّ على سوق البازركان الكتابة الآتية: “بسم الله الرحمن الرحيم، هذا الباب المبارك والمنبر عمل المعلم محمد بن إبراهيم المهتدي[1] سنة أحد وخمسين وسبعماية”. ويبدو من هذه الكتابة أنّ بناء هذا الباب والمنبر القريب منه جاء في وقتٍ لاحقٍ لبناء الجامع، مما يؤكد ما ذكره كرد علي من أن بناء هذا الجامع تداعى ثم أعيد بناؤه[2]. كما يتّضح أن القسم الذي تهدّم وتمّ تجديده، هو الجزء المحيط بهذا الباب فقط. إلا أنّ الدكتور عبد العزيز سالم، التبس عليه الأمر فرأى أن تاريخ ترميم الجامع وبناء بابه الشرقي، هو تاريخ إنشائه عام 751 هـ[3]، وعزا بناءه إلى بدر الدين بن العطار، أحد العطارين الأثرياء في طرابلس. أمّا حكمت شريف ومحمد أمين صوفي السكري فقد نسباه إلى ناصر الدين العطار المتوفى سنة 749 هـ[4] ويرجّح هذا الرأي الأخير، لأنّ بناء الجامع سابق طبعاً لتداعيه ثم ترميمه عام 751 هـ، وسابق، أيضاً لوفاة بانيه. أما الدكتور عمر تدمري فيرجع بناءه إلى ما قبل سنة 735 هـ وينسبه إلى بدر الدين أو ناصر الدين العطار، وقد ذكر  مجدداً الدكتور عمر تدمري في مرجع “الأوقاف في بلاد الشام” بأن صاحب الجامع هو محمد بن أحمد حمّال ولقبه ناصر الدين، وتاريخ بناءه يعود إلى ما قبل سنة 716هـ/1316م.[5].

  ويُعدّ هذا الجامع من أجمل جوامع طرابلس القديمة، وأجمل ما فيه بوابتاه الشرقية والغربية، ومئذنته التي تُعدُّ من أفخم مآذن طرابلس المملوكية[6]. وليس لهذا الجامع صحن، أمّا بيت الصلاة فهو عبارة عن صالة واسعة تعلوها قُبّة تختلف عن سائر قباب طرابلس، مهندسه أبو بكر ابن البُصَيص كان من كبار المهندسين في عصره ببلاد الشام.

  وقد ذكر النابلسي أن أصل هذا الجامع كنيسة: “قيل إنّ أصله كنيسة وقد عمّره رجل كان عطاراً وكان ينفق من الغيب فنسب إليه. وفي هذا الجامع أربع صفف، كل صفّة لها مدرّس له معلوم يتناوله من وقف الجامع المذكور”[7]. ويوافقه في الرأي كامل البابا الذي كتب وصف جوامع طرابلس لمحمود كرد علي، فقال: “والمشهور عند أهالي طرابلس أنه (أي جامع العطار) كان كنيسة في زمن الصليبيين، ثم تحول إلى جامع بعد الفتح الإسلامي”[8]. ورأى الدكتور عمر تدمري أنّ “سقف الجامع وخاصّة القسم القبلي منه يوحي لمن يراه بأنّه ليس بناءً إسلامياً ومن المحتمل أن هذا القسم ظلّ سليماً من الكنيسة الصليبية، ثم ألحق به القسم الشمالي حيث تقوم القبة وتنفتح بوابتا الجامع الشرقية والغربية”[9].

  وعلى يمين الباب الشرقي، نقش كتابي محفور على لوحة رخامية، وهو عبارة عن مرسوم صادر عام 821 هـ/ 1418 م عن السلطان المؤيد شيخ، يمنع فيه المتولين على وقف الجامع من تكليف المستأجرين للأراضي والمساكن التابعة له أعباء إضافية على بدل الإيجار المتّفق عليه. وهذا نصّه: “لما كان بتاريخ العشر الأول من ربيع الأول سنة أحد وعشرين وثمان مائة ورد المرسوم الشريف من السلطان المؤيد أبو النصر شيخ بأن لا يؤخذ من سكان وقف جامع العطار للمحتسبين من قدوم شهر ولا أذاً مكروه، إستجلاب أدعية المصلين ومن عمل به له أجره ومن خالف عليه غضب الله ولعنة الملائكة والناس أجمعين آمين”.


[1]  – كتبها سوبر نهايم المهندس وأيضاً عبد العزيز سالم: طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي، الإسكندرية، 1967، ص 414.

[2]  – محمد كرد علي: خطط الشام، ج6، ص 54.

[3]  – عبد العزيز سالم: مرجع سابق، ص413.

[4]  – محمد أمين الصوفي السكري: سمير الليالي، مطبعة الحضارة، طرابلس، 1327هـ، ج1، ص 103؛ انظر أيضاً حكمت شريف: مخطوط تاريخ طرابلس الشام، 1332هـ، ص 150.

[5]  – عمر عبد السلام تدمري: – تاريخ طرابلس السياسي والحضاري عبر العصور، دار البلاد، طرابلس، 1978، ج2، ص 291؛

                                  – تاريخ وآثار مساجد طرابلس، ص 190- 191.

                                   – الأوقاف في بلاد الشام منذ الفتح العربي الإسلامي إلى نهاية القرن العشرين، م4، تحرير محمد عدنان البخيت، منشورات لجنة تاريخ بلاد الشام – الجامعة الأردنية، عمان ، 1431هـ/2010م، ص22.
[6]  – عبد العزيز سالم، مرجع سابق، ص 414.

[7]  – عبد الغني النابلسي: التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، مخطوط، ص 75.

[8]  – محمد كرد علي: خطط الشام، ج6، ص 54.

[9]  – عمر عبد السلام تدمري: تاريخ طرابلس..، ج2، ص 291؛ وتاريخ وآثار…ص 194.

Categories
جوامع

جامع التوبة

جامع التوبة

 

  يقع في الدبّاغة قرب خان العسكر، عرّفه التميمي باسم جامع الطوبا[1]، وذكره معظم الرحالة العرب الذين زاروا طرابلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر[2]. وهو لا يحمل كتابة تبيّن تاريخ بنائه، لذلك اكتفى معظم المؤرخين بإرجاعه إلى عهد المماليك[3] لأن هندسته تشبه هندسة الجامع الكبير، وإن كان أصغر منه مساحة، ولأنه يحمل كتابة مملوكية تعود إلى عام 817 هـ في عهد دولة السلطان المؤيد أبي النصر شيخ وأرجع بعضهم تاريخ بنائه إلى ما بين (709- 741 هـ) في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وذكر أنّه كان يعرف بالجامع الناصري نسبة إلى بانيه[4]، والدكتور عمر تدمري يرجح تاريخ بنائه إلى فترة حكم السلطان الناصر المذكور للمرة الثانية أي بين (698ه/1299م – 708هـ/1308م).
 
وفي أقصى الجهة الشرقية من صحن الجامع نجد الكتابة الآتية: “الحمد لله الذي منّ على عبده من جريان فيض فضله ويسّر هذا الخير على يده وهداه إلى العمل بقوله سبحانه وتعالى، إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله، فحلّ وجدّد هذا الجامع الشريف لوجه الله الكريم بعد هدم جداره ومنبره ومحرابه وسبيل مائه من الفيضة الكبرى في سادس عشر ذي القعدة سنة عشرين بعد الألف، الواثق بالملك الباري أحمد بن محمد الشربداري الأنصاري كتخداي حضرة حسين باشا بن يوسف باشا السيفي أمير الأمراء بطرابلس أيّد الله تعالى الدولة والسعادة عليهم وعفا عنهم وعن المسلمين أجمعين آمين، تمّ بناءه في شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وألف ختمت بالخير”. يتبين لنا من هذا النص أن سيلاً هدم جزءاً من الجامع عام 1020 هـ/1612 م، فأعاد أحمد بن محمد الأنصاري كتخدا حسين باشا بن يوسف باشا سيفا، بناءه عام 1021 هـ/1613 م. وقد التبس أمر هذه الكتابة على التميمي فعدّ عام 1021 هـ تاريخ بناء الجامع
[5].

 


[1]  – التميمي وبهجت: ولاية بيروت، دار لحد خاطر، بيروت، 1979، ج2، ص 131.

[2]  – عبد الغني النابلسي: التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، مخطوط، ص 75؛ انظر ايضاً رمضان بن موسى العطيفي: رحلة من دمشق الشام إلى طرابلس الشام، تحقيق إسطفان فيلد، نشر بإسم رحلتان إلى لبنان، بيروت، 1979، ج2، ص 21؛ وإبن محاسن: المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، تحقيق عدنان البخيت، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1981، ص 82.

[3]  – محمد كرد علي: خطط الشام، ج6، ص 53. وعبد العزيز سالم: طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي، الإسكندرية، 1967، ص 47. والتميمي وبهجت: مصدر سابق، ج2، ص 131.

[4]  – عمر عبد السلام تدمري: تاريخ طرابلس السياسي والحضاري عبر العصور، دار البلاد، طرابلس، 1978، ج2، ص 283، وتاريخ وآثار مساجد طرابلس، ص 136- 137.

[5]  – التميمي وبهجت: ولاية بيروت… ج2، ص 131.

Categories
جوامع

جامع البرطاسي

جامع البرطاسي

 

  يقع في محلة باب الحديد على ضفّة النهر، يذكره الرحالة العرب باسم البرطاسية[1]، يصفه العطيفي بقوله: “وبها جامع يقال له البرطاسية، من بابه إلى محرابه مفروش بالرخام المنّوع الذي يدهش الأبصار ويحيّر الأفكار وكذلك حيطانه.. وسقف معقود بالأحجار، وبه من الجام الملوّن ما يشبه النجوم والعقد المنظوم… وبه بركة ماء مفصّصة بأنواع الرخام الملّون”[2]. وهو من أجمل جوامع طرابلس، به تأثيرات فاطمية، وبيزنطية، ومغربية، وأندلسية، ومحرابه أجمل محاريب الجوامع المملوكية في لبنان على الإطلاق[3]. تزيّنه فسيفساء مذهّبة، ورسوم نباتية، وتقاطع رخاميات مختلفة الألوان. أمّا مئذنته فتحمل طوابع أموية أندلسية وسمات مغربية، يحملها عقد مجوّف، هو آية في الإعجاز العمراني، ومن حوله غرف للطلبة على المذهب الشافعي [4].

  ورد اسم مؤسس هذا الجامع في كتابة منقوشة عند مدخله، جاء فيها: “بسم الله الرحمن الرحيم، أوقف هذه المدرسة المباركة العبد الفقير إلى الله تعالى عيسى بن عمر البرطاسي عفا الله عنه، على المشتغلين بالعلم الشريف على مذهب الإمام الشافعي، وإقامة الجمع والصلوات المكتوبة وشرط أن لا يُرسم فيها على أحد ولا يسكنه من لا له الحق في ذلك”. وقد طمس من هذه الكتابة الجزء الذي يتحدّث عن زمن بناء المسجد، مما جعل تاريخ بنائه مجهولاً. إلا أنّ المؤرخين اجتهدوا في ذلك، ورأى بعضهم أن طراز بنائه وزخارفه وأسلوب كتاباته تعود إلى أواخر عصر المماليك البحريين[5]، أي إلى السبعينات من القرن الرابع عشر لأن دولة المماليك البحريين امتدت من سنة 1250 م إلى سنة 1382 م. ورأى الدكتور عمر تدمري أن بناء الجامع كان حوالي سنة 710 هـ/1310 م. وأضاف إلى اسم مؤسسه (الذي ورد في النقش الكتابي عيسى بن عمر البرطاسي)، نسبة الكردي. فقال أنه “عيسى ابن عمر البرطاسي الكردي” ثم وصفه بالأمير، فقال عنه أنه “أحد أمراء الطبلخاناة”[6] وهي صفة لم نرها في النقش الكتابي، علماً بأنها من الألقاب التي كانت تلازم أسماء حامليها، كما يظهر في النقوش الكتابية في سائر المساجد[7].


[1]  – عبد الغني النابلسي: التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، مخطوط، ص 75، وإبن محاسن: المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، تحقيق عدنان البخيت، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1981، ص 83.

[2]  – رمضان بن موسى العطيفي: رحلة من دمشق الشام إلى طرابلس الشام، تحقيق إسطفان فيلد، نشر بإسم رحلتان إلى لبنان، بيروت، 1979، ج2 ص 21 .

[3]  – عبد العزيز سالم: طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي، الإسكندرية، 1967، ص 426، وعمر تدمري: تاريخ طرابلس السياسي والحضاري عبر العصور، دار البلاد، طرابلس، 1978، ج2، ص 307.

[4]  – عبد العزيز سالم: مرجع سابق، ص 427.

[5]  – التميمي وبهجت: ولاية بيروت، دار لحد خاطر، بيروت، 1979، ج2، ص 132. انظر أيضاً محمد كرد علي: خطط الشام، ج6، ص 54.

[6]  – عمر عبد السلام تدمري: تاريخ طرابلس.. ج2، ص 306؛ وتاريخ وآثار مساجد طرابلس، ص 208.

[7]  – فاروق حبلص: طرابلس/ المساجد والكنائس، دار الإنشاء للصحافة والطباعة والنشر، ط1، 1988، ص54.

Categories
جوامع

جامع الأويسية

جامع الأويسية

 

  يقع في محلّة باب الحديد عند طلعة السمك عند القلعة[1]، ويذكره ابن محاسن باسم اليونسية، فيقول: “جامع اليونسية بالقرب من المحكمة الكبيرة غالبه مبني بالرخام في غاية الإحكام”[2]. ويذكره النابلسي باسم الأوسية[3]. وهو لا يحمل كتابة تشير إلى تاريخ بنائه، إلا أنّ قبّته تعود إلى تاريخ 865هـ/1460م مما يحمل على الظن بأن بناءه كان في ذلك التاريخ[4] على يد رجل عرف بمحيي الدين الأويسي. ويعتقد أن هذا الأخير كان أحد شيوخ الطريقة الأويسية[5] لذلك نسب هذا الجامع إلى أتباع طريقته، وعرف بجامع الأويسية. وفي عهد السلطان سليمان القانوني، عام 941هـ/1534م، جدد رجل يدعى حيدرة بناء مئذنة الجامع كما يظهر من نقش كتابي حفر في أعلاها[6].

  وفي عام 1224هـ/1809م، وبناء على طلب وجهاء الطائفة الأرثوذكسية في طرابلس تمّ الاتفاق بين المسلمين وأبناء الطائفة على تحويل كنيسة مار نقولا التي كانت قائمة بجوار جامع الأويسية، إلى مصلّى للمسلمين عرف بجامع السروة، وأعطي المسيحيون مكاناً آخر من محلة التربيعة لبناء كنيستهم عليه[7]. وبعد ذلك ألحق مسجد السروة بجامع الأويسية واختفى اسم جامع السروة من لائحة جوامع المدينة. وفي صحن الجامع ضريح أحمد باشا أحد ولاة طرابلس. وقد ورد في سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس أنّ متولي أوقاف ضريح أحمد باشا، هو الشيخ علي أفندي شيخ تكية المولوية، مما يدلّ على أن الجامع تحول من أصحاب الطريقة الأويسية إلى أصحاب الطريقة المولوية[8] وذلك في تاريخ 1078هـ/1667م.


[1]  – ورد اسمه الأويسية في سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس، سجل 1، ص 34.

[2]  – إبن محاسن: المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، تحقيق عدنان البخيت، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1981، ص 82- 83.

[3]  – عبد الغني النابلسي: التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، مخطوط، ص 75.

[4]  – السيد عبد العزيز سالم: طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي، الإسكندرية، 1967، ص416- 417 وكرد علي: خطط الشام، ج6، ص 54.

[5]  – عمر عبد السلام تدمري: تاريخ طرابلس السياسي والحضاري عبر العصور، دار البلاد، طرابلس، 1978، ج2، ص 300.

[6]  – السيد عبد العزيز سالم: مرجع سابق، ص 417. وكرد علي: مرجع سابق، ج6، ص 54.

[7]  – مخطوط عبد الله غريب ص 43- 44. محفوظ في منزل حفيده الأستاذ عبد الله غريب في طرابلس.

[8]  – سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس: سجل 1، ص 121.

Categories
جوامع

جامع أرغون شاه

جامع أرغون شاه[1]

 

  يقع في حي “صف البلاط” طريق باب الرمل، عرّفه حكمت شريف باسم أرغونشاه[2]، وعرف عند العامة باسم الغنشا، وذكره النابلسي بقوله: “جامع الغنشا وهو من بناء الشراكسه”[3]. وذكره ابن محاسن باسم يغن شاه، فقال: “والتاسع جامع يغن شاه عند باب اخترق متّسع منّور عريض، تطلّ شبابيكه على البساتين بوسطه بركة ماء عظيمة، فإنه عبارة عن أربع إيوانات والبركة في وسطه محكمة جسيمة”[4]. ومن تلاوة هذا الوصف، نقف على مدى التغيير الذي طرأ على بنائه، إذ أنّ الجامع اليوم هو عبارة عن بيت للصلاة فقط، من غير بركة ولا إيوانات إضافية. ويذكر كامل بابا أن بناء الجامع تجدد في مطلع القرن العشرين بعد سقوطه وجُرّت إليه المياه[5]. ويبدو من اختلاف بنيان جدرانه أنه لم يبق من جدرانه المملوكية إلاّ الحائط الشرقي حيث توجد بوابته المملوكية التي دوّن بأعلاها نص مرسوم أصدره السلطان قايتباي سنة 880 هـ/1475 م لحماية أوقاف الجامع، وهذا نصه[6] “الحمد لله لمّا كان بتاريخ خامس عشر الجمادي الأخرة سنة ثمانين وثمانمائة ورد مرسوم شريف مربع جيشي من الأبواب الشريفة السلطان الملك الأشرف قائتباي خلّد الله ملكه بأنّ جهات وقف المرحوم أرغون شاه بالسقي بطرابلس المحروسة، لا تؤجّر لا لمتجوّه ولا ذي شوكة وإجهار الندا لزراع الأراضي بالحماية والرعاية ومنع من يعارضهم حسب ما شرط به الواقف في كتابه وتسليم الأراضي للسيد الحسيب النسيب السيد نور الدين محمود الحسيني الأدهمي الناظر والشيخ بها بالزاوية المذكورة فأشار به المقرّ الأشرف العالي المولوي السيفي أزدمر الأشرفي مولانا ملك الأمراء كافل المملكة الطرابلسية أعزّ الله أنصاره ورسم بنقش ذلك على باب المدرسة حسب ما شرط به الواقف في كتابه وملعون من يغير ذلك ويسعى في تجديده”. والجامع لا يحمل كتابة أخرى تحدد تاريخ بنائه، إلا أن المرسوم المذكور يبيّن أن بناءه كان قبل عام 880 هـ/1475 م، وهو تاريخ صدور المرسوم. كما نتبين من المرسوم أن جامع أرغون شاه كان في بادئ الأمر مدرسة دينية وليس مسجداً جامعاً وأنه استمر كذلك حتى تاريخ صدور المرسوم 880 هـ/1475 م على الأقل. ثم تمّ توسيعه في تاريخ لاحق لا نعلمه بالضبط، لكنّه سابق لزيارة ابن محاسن له عام 1048 هـ/1638م لأن هذا الأخير ذكره من بين المساجد الجامعة[7]. إلاّ أن مئذنته الأسطوانية التي تحمل بدايات التأثيرات التركية[8]، تجعلنا نرجّح أن يكون توسيع المدرسة وبناء مئذنة لها وتحويلها إلى جامع قد حصلت جميعاً في نهاية العصر المملوكي أي في النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي[9].

  ويرى المؤرخون أن تاريخ بناء مدرسة أرغون شاه التي كانت أساس الجامع مجهول أيضاً[10] واستناداً إلى أن نائب السلطنة في طرابلس في الفترة (796هـ – 798هـ)- (1393 – 1395م)، كان يعرف بأرغون شاه الإبراهيمي الناصري، يمكننا القول إن هذا الأخير أنشأ المدرسة في مدّة نيابته فنسبت إليه[11].    


[1]  – هكذا كتبت في سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس، سجل 1، ص 137.

[2]  – حكمت شريف: مخطوط طرابلس الشام، 1332هـ، ص 150.

[3]  – عبد الغني النابلسي: التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، مخطوط، ص 75.

[4]  – إبن محاسن: المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، تحقيق عدنان البخيت، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1981، ص 84.

[5]  – محمد كرد علي: خطط الشام، ج6، ص 53؛ وعبد العزيز سالم: طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي، الإسكندرية، 1967، ص 416.

[6]  – عبد العزيز سالم: مرجع سابق، ص 477.

[7]  – إبن محاسن: مصدر سابق ص 84. وتذكر سجلات المحكمة الشرعية العائدة لعام 1666 م جامع أرغون شاه وليس مدرسة أرغون شاه: سجل 1، ص 137.

[8]  – عبد العزيز سالم: مرجع سابق ص 416. وقد اعتبر الدكتور عبد العزيز سالم أن بناء الجامع بأكمله تمّ في أواخر دولة المماليك الشراكسة.

[9]  – فاروق حبلص: طرابلس/ المساجد والكنائس، دار الإنشاء للصحافة والطباعة والنشر، طرابلس، ط1، 1988، ص58.

[10]  – كرد علي: مرجع سابق، ج6، ص 53. وعبد العزيز سالم: مرجع سابق، ص 416.

[11]  – فاروق حبلص: المرجع السابق، ص58.

Categories
جوامع

الجامع الحميدي 2

الجامع الحميدي

 

  وهو جامع ثانٍ يحمل هذا الاسم، وهو قائم في محلّة التل بالقرب من مقهى التل العالي. وهو يحمل اليوم لوحة كتب عليها: “مسجد المهدي”. وقد تم تأسيسه في عهد السلطان عبد الحميد الثاني فسمي باسمه. وتضم سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس وثيقة تتحدث عن بناء هذا الجامع، جاء فيها أنّ عمر أفندي المنلا أنشأه قبيل العام 1328هـ ببضع سنوات، وساعده في ذلك أهل الخير. ثم أوقف السيد عبد الحميد أفندي سلطان مبلغاً من المال ليصرف في سبيل الجامع، فخصّص لإنشاء “بيت مشتملة على أربع أوط ومطبخ وبلاط وحوض ماء يجري إليه من ماء حديقة تلّ الرمل، وفسحة غربي الدار، معدّة لنشر الغسيل”. وقد خصّصت هذه الدار لسَكَنِ إمام الجامع الشيخ عبد الرحمن أفندي الرافعي[1].


[1]  – سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس: سجل 110، سنة 1328هـ. انظر ايضاً حكمت شريف: مخطوط طرابلس الشام، 1332هـ، ص 150.

Categories
جوامع

الجامع الحميدي

الجامع الحميدي

 

  كان يعرف سابقاً بالتفاحي أو التفاحية[1] أو التفاح وهو خارج البلدة القديمة، وكان لا يصلّى فيه إلاّ الجمعة[2]. تصدّع بنيانه المملوكي، فهدم بالكلّية وأعيد بناؤه عام 1310هـ/1892م على نفقة أهالي طرابلس وبمعاونة السلطان عبد الحميد الثاني، كما جاء في لوحة شعرية وضعت على باب الجامع تخليداً لذلك جاء فيها:

بعصر سلطان الـورى غوثـاً            عبد الحميد المعتلي في علاه

جُدد هـذا الجامـع المـزدهي            باسم الحميدي فحمدنا سنـاه

أهـداه من آثار خير الـورى             محمد صلى عليه الإلـــه[3]

هديـة ضـاء بهـا بــدره             فحبّـذا شمس بـدت في سماه

وبهمــة المتصرّف المحتبي            خالص باشا بدر أوج السـراه

قد شـاد أهـل الخير أركانـه           فبـلّغ الله لكـــل منـــاه

ومذ على أسّ التقوى قد بنـى           أرختـه تـمّ بخيـر بنـــاه

                             سنة 1310

  ويقع هذا الجامع في جوار حارة النصارى، غربي خان العسكر بالقرب من محلة الدباغة. وهناك ترجيح  بأن يكون جامع الدباغين هو جامع التفاحي نفسه أي الحميدي، وأنّه عرف بهذا الاسم نظراً لوقوعه بجوار منطقة الدباغين ونظراً لتجديد بنائه من قبل شيخ الدباغين في طرابلس، بعدما تهدّم سنة 912هـ/1507م[4].

  وبناء على ذلك يمكن القول إن هذا الجامع كان يعرف في أواخر العصور المملوكية بجامع الدباغين ثم عرف في القرن السابع عشر باسم جامع التفاح أو التفاحي، ثم نسب عام 1310هـ إلى السلطان عبد الحميد، فعرف بالحميدي، بعد أن تمّ تجديده في عهده.

  وإذا صح ذلك فيكون الجامع من الجوامع المملوكية. ويؤيد ذلك ما نسبه إليه التميمي من كتابات أثرية، وهي مرسوم صادر عن السلطان الأشرف قائتباي سنة 882هـ/1477م، أمر فيه بإبطال المكوس المفروضة على جماعة الدباغين. هذا بالإضافة إلى كتابة نقلها التميمي أيضاً وذكر أنّها ترجع إلى عام 912هـ/1507م[5]، أي إلى عهد السلطان قانصوه الغوري آخر سلاطين المماليك في بلاد الشام.

  والجامع القائم اليوم، هو عبارة عن بيت للصلاة يتألّف من ثلاثة أقسام، أو ثلاثة بيوت للصلاة تفصل بينها جدران داخلية، ويصل بعضها ببعض بابان ضيقان ولا أثر للكتابة المملوكية على جدرانه. أمّ الأبيات الشعرية العائدة للعام 1310هـ فهي تعلو مدخل القسم الأوسط، مما يعني أن هذا القسم هو الذي أنشئ في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، أمّا القسمان الجانبيان فقد أقيما في وقت لاحق، وكانت عمارة القسم القبلي منهما من حوالي سنتين فقط أي حوالي عام 1984[6].

 


[1]  – حكمت شريف: مخطوط طرابلس الشام، 1332هـ، ص 150؛ والتميمي وبهجت: ولاية بيروت، دار لحد خاطر، بيروت، 1979، ج2، ص173؛ أنظر يضاً: الأوقاف في بلاد الشام منذ الفتح العربي الإسلامي إلى نهاية القرن العشرين، من المؤتمر الدولي السابع لتاريخ بلاد الشام (17-21شعبان 1427هـ/10-14 أيلول 2006م، المجلد 4، عمر عبد السلام تدمري، تحرير محمد عدنان البخيت، منشورات لجنة تاريخ بلاد الشام – الجامعة الأردنية، عمان، 1431هـ/2010م، ص33.

[2]  – ابن محاسن: المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، تحقيق عدنان البخيت، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1981، ص 84.

[3]  – إشارة إلى شعرات الرسول التي أهداها السلطان عبد الحميد الثاني لأهالي طرابلس لكي توضع في هذا الجامع؛ إلاّ أن أبناء المدينة وضعوها في غرفة أنشئت خصيصاً لذلك في الجامع المنصوري الكبير.

[4]  – فاروق حبلص: طرابلس/ المساجد والكنائس، دار الإنشاء للصحافة والطباعة والنشر، ط1، 1988، ص68.

[5]  – التميمي وبهجت: : المرجع السابق، ج2، ص 130.

[6]  – فاروق حبلص: المرجع السابق، ص68-69.

Categories
جوامع

الجامع الأسعدي

الجامع الأسعدي

 

  يقع في محلّة التربيعة، مئذنته سداسيّة الأضلاع غير مكتملة، بناه علي باشا الأسعد المرعبي في بدء ولايته على طرابلس عام 1240هـ/1824م[1]، وأقامه على أنقاض دار آل غريّب كما تذكر مصادر تاريخية متعددة. فقد ذكر نوفل نوفل في مخطوطه “كشف اللثام…” ما يأتي عن قصة بناء هذا الجامع: “وتقلّب عدّة ولاة على طرابلس.. ومنهم سليمان باشا العظم 1824 وهو الذي هدم دار بني غريب ودكّها إلى الأرض… وفي سنة 1825م/ 1242هـ توجّهت ولايتها مع رتبة المير ميرانية على علي بك الأسعد فصار يلقّب بعلي باشا، وكان له أخ من أجلاف البشر المتوحشين اسمه مصطفى بك فجعله متسلّماً على المدينة… أمّا أخوه علي باشا فإنه خاف لئلا يرجع بنو غريب المذكورون ويعمّروا دارهم التي خرّبها سليمان باشا العظم على ما تقدّم، فبنى منارة على قبو سفلي لم يبقَ غيره من بنائها القديم وجعله جامعاً اشتهر باسم الجامع الأسعدي وأحضر بذلك فرماناً… “[2].

  بنى علي باشا الأسعد الجامع إذاً على أنقاض دار نعمة الله غريب، مساعد خصمه مصطفى آغا بربر، بعد أن كان سليمان باشا العظم قد هدمها في مدّة ولايته على طرابلس عام 1824م. ونستدلّ على ذلك من الشكوى التي تقدم بها آل غريب من مجلس شورى طرابلس في مدة حكم ابراهيم باشا المصري عليها عام 1251هـ/1838م وقد جاء في مقدمتها ما نصّه:

  “مذاكرة بمجلس شورى طرابلس الشام:

  في 15 شوال سنة 1251 تقدم عرضحال من أولاد إلياس غريب مضمونه لا يخفى حضراتكم في خصوص بيت الداعين لجنابكم المعروف ببيت غريب فكان سابقاً أُخذ منه جانب بعد هدمه في مدة حسين بك متسلم طرابلس في مدّة ولاية سليمان باشا عظم زاده. ثم بعدها في مدّة ولاية المرحوم أسعد زاده علي باشا تحسن عنده بناء بناءه في البيت المرقوم وجعله جامعاً لإقامة الصلوة الخمس. فكل ذلك وعبيدكم مفوضين الأمر لله تعالى.. وبجانب الجامع المذكور سكن حايد عن الجامع المذكور وهو بيد هؤلاء الداعين، فيلزم لها بناء حايط يكون فاصل بينها وبين الجامع لأجل الحجر بينهما حيث أن استطراق الجامع من جهة واستطراق الشقة التي بيدنا من جهة ثانية. فنلتمس الكشف عليه لبناء حايط ليكون معلوم الوضع طولاً وعرض وكما يتحسّن لديكم تأمرون به لهؤلاء الداعين، وبعد ذلك يبقى الأمر لمن له الأمر هذا مضمون الأعراض.

  قرّر جناب مفتي أفندي ما قرروه مقدمو الإعراض من حيثية هدم دارهم في مدّة عظم زاده سليمان باشا ثم وفي مدة أسعد زاده علي باشا أخذ منه جانب وجعل له منارة لأجل إن يجعله جامعاً وأن جميع ذلك وقع إستحساناً منهما. فهو حقيق وما توقع بوقتها في سكن المذكورين فهو ناشئ عن بغض نفسياً بيّن.. خالياً عن مراعاة الأصول المرعية والشريعة المحمدية كما هو مستفيض بين كافّة الناس. ثم وقد حصل لي غاية الوقوف على ما توقّع لهؤلاء المذكورين من ظلاّمتهم وتشتت حالهم في مدة المشار إليه.. وأن يكن لا نفع فيه فهو جامع صورة لكونه مأخوذ ظلماً…”[3].

  وتذكر المصادر التاريخية أن الدولة العثمانية لم تأذن بالصلاة في الجامع الأسعدي لأنه مخالف للنصوص الشرعية[4]، ونحن نرجّح ذلك لأن سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس لا تضمّ أية وثيقة تفيد عن تعيين موظفين لهذا المسجد، من خطيب أو إمام الخ..[5].

  وقد بقي هذا المسجد مهجوراً إلى فترة قريبة من يومنا هذا، حيث قام الحاج عبد الجواد فارس شرف الدين بإعادة بناءه سنة 1981، كما نتبين من اللوحة الرخامية الموضوعة بأعلى مدخله، وقد جاء فيها: “مسجد شرف الدين أسس هذا المسجد والي طرابلس علي باشا الأسعد المرعبي سنة 1240هـ الموافق 1824م. وجدد بناءه بفضل الله الحاج عبد الجواد فارس شرف الدين 1401هـ/1981م”.


[1]  – سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس: سجل 49، ص 58.

[2]  – نوفل نوفل: مخطوط كشف اللثام عن محيا الحكومة والاحكام في إقليمي مصر وبر الشام منذ افتتحتها الدولة العثمانية الى ان امتازت مصر بالحكومة الوراثية وانتظمت بر الشام في سلك التنظيمات الخيرية، مكتبة الجامعة الأميركية، بيروت، ص 459.

[3]  – وثيقة صادرة عن مجلس شورى طرابلس الشام عام 1251هـ. ومحفوظة في منزل السيد عبد الله غريب في طرابلس.

[4]  – حكمت شريف: مخطوط طرابلس الشام من أقدم زمانها الى هذه الأيام ، 1332هـ، ص 131.

[5]  – سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس: سجل 49 وما يليه حتى آخر سجل عثماني السجل 119 لا نجد أية وثيقة تعيين موظفين في هذا المسجد. انظر فاروق حبلص: طرابلس/ المساجد والكنائس، دار الإنشاء للصحافة والطباعة والنشر، طرابلس، ط1، 1988، ص74.

Categories
جوامع

جامع محمود بك

جامع محمود بك

 

   يقع عند باب التبانة، له بابان، وبيتان للصلاة، مئذنته تشبه مآذن اسطنبول العثمانية. وهو لا يحمل كتابة تاريخية تدل على تاريخ بنائه، ويبدو من هندسته الحالية أنّه تمّ توسيعه في القرن العشرين بإضافة قاعة جديدة للصلاة من جهته الشمالية، فأصبحت عقود رواقه الخارجي القديمة تشكل جزءاً من بيت الصلاة الجديد. وعند مدخل مئذنة الجامع نجد نقشاً كتابياً يشير إلى تجديد بناء منارته سنة 1295هـ التي بناها “عبيد العش”.

  ويذكر الشيخ عبد الغني النابلسي أن بناء الجامع كان في سنة 1100هـ/1688م بقوله: “جامع محمود بك والذي بناه كان زعيماً وبناؤه سنة ألف ومئة”[1]. وإذا صحّت نسبة الجامع إلى محمود بك السنجق، يكون النابلسي قد أخطأ في تحديد تاريخ البناء ذلك أنّ محمود بك توفي سنة 1030هـ/1620م، كما هو مدوّن على ضريحه القائم شرقي جامع الأويسية. وبناء على ذلك يمكننا الأخذ بما ذكره كامل البابا من أنّ بناء الجامع كان في عهد السلطان العثماني أحمد عام 1020هـ/1612م[2].


[1]  – عبد الغني النابلسي: التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، مخطوط، ص 75.

[2]  – محمد كرد علي: خطط الشام، ج6، ص 54.

Categories
جوامع

الجامع المنصوري الكبير


الجامع المنصوري الكبير

هو من أقدم جوامع طرابلس، وأكبرها مساحة على الإطلاق، تبلغ مساحته ما يقارب 3000 م2. يقع في محلّة النوري[1]، مربّع الشكل تقريباً، يتوسطه صحن واسع مستطيل، في وسطه نافورة ماء للوضوء، يعلوها عقدان كبيران يرتكزان إلى أعمدة ضخمة. ويحيط بالصحن من جهاته الشرقية والشمالية والغربية أروقة واسعة مقبّبة، على شكل عقود ترتكز إلى دعائم ضخمة. وفي الجنوب من الصحن، يقع بيت الصلاة، وهو على شكل مستطيل، يمتدّ طوله من الشرق إلى الغرب، ويطلّ على الصحن بعقود أكثر انفراجاً من عقود الأروقة، ويتوسط جداره القبلي منبر، وعلى يمين المنبر، يقع محراب كبير، بينما نجد محراباً صغيراً في الطرف الغربي للجدار القبلي، وآخر عند طرفه الشرقي. ويضم الرواق الغربي غرفة، خصصِّت لحفظ الأثر الشريف الذي أهداه السلطان عبد الحميد الثاني لأبناء طرابلس عام 1890. أما الأثر الشريف فهو، كما تدل سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس، عبارة عن شعرة من شعرات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وقد اهتمّ أبناء طرابلس بتكريمها وعيّنوا الشيخ محمد رشيد أفندي الميقاتي لخدمتها[2]. وفي الطرف الشمالي الغربي لهذا المسجد بهو واسع.

ونلاحظ من خلال النقوش الكتابية لهذا المسجد، أنّ بناءه تمّ على دفعات ومراحل متباعدة، كان أولها عام 693 هـ/ 1294 م، ثم عام 715 هـ/ 1310 م، ثم عام 726 هـ/ 1325 م، ثم عام 883 هـ/ 1479 م، ثم عام 1890 م ، وآخرها عام 1378 هـ/ 1959 م.

وأقدم هذه النقوش الكتابية، نقش محفور فوق بابه الشمالي، ينسب بناء المسجد إلى السلطان الأشرف صلاح الدين خليل في العام 693 هـ/ 1294 م كما يتبينّ من نصه الحرفي: “بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بإنشاء هذا الجامع المبارك مولانا السلطان الأعظم، سيّد ملوك العرب والعجم، فاتح الأمصار ومبيد الكفار، الملك الأشرف صلاح الدنيا والدين خليل، قسيم أمير المؤمنين، ابن مولانا السلطان الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي، خلّد الله ملكه، في نيابة المقرّ العالي الأميري الكبيري العزى عز الدين أيبك الخزندار الأشرفي المنصوري نائب السلطنة بالفتوحات والسواحل المحروسة عفا الله عنه، وذلك في سنة ثلاث وتسعين وستماية والحمد لله وحده”. ثم نجد تحت هذا النقش وعلى يسار الداخل، نقشاً كتابياً آخر يشير إلى اسم مهندس الجامع، هذا نصه: “تولا عمارة هذا الجامع المبارك العبد الفـ…لله[3] تعالى سالم الصهيوني ابن ناصر الدين العجمي عفا الله عنه”.

وفي عام 715 هـ/1315 م، وبعد مرور عقدين من الزمن على تأسيس الجامع، أمر السلطان محمد بن قلاوون نائبه في طرابلس كستاي الناصري، ببناء الأروقة الداخلية المطلّة على صحن الجامع، كما يتبينّ من النقش الكتابي المحفور بأعلى الدعامة الوسطى من دعامات الرواق الشرقي[4]:

“بسم الله الرحمن الرحيم، إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر. أمر بإنشاء هذه الرواقات تكملة الجامع المبارك، مولانا السلطان الملك الناصر العالم العادل المجاهد المظفّر المنصور ناصر الدنيا والدين محمد إبن قلاوون خلّد الله ملكه، في نيابة المقرّ الشريف العالي السيفي كستاي الناصري كافل المملكة الشريفة الطرابلسية، أعزّ الله أنصاره، بإشارة المقرّ العالي البدري محمد ابن أبي بكر شاد الدواوين المعمورة، أدام الله نعمته. وكان الفراغ منه في شهور سنة خمس عشر وسبعماية. صلى الله على سيدنا محمد. تولاّ عمارته العبد الفقير إلى الله تعالى أحمد ابن حسن البعلبكي”.

ويبدو أنّ منبر الجامع لم يكن يتناسب مع ضخامته، لذلك أمر الأمير قرطاي بن عبد الله بتزويده بمنبر خشبي يزدان بزخارف ملونة، وذلك في مدّة نيابته الأولى على طرابلس (716 هـ- 726 هـ)؛ كما يتبين من النقش الكتابي الذي تركه على المنبر، وهذا نصّه: “أمر بإنشاء هذا المنبر المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى قرطاي بن عبد الله الناصري أثابه الله، فأقام به من ماله بكتوان بن عبد الله الشهابي، تقبّل الله منه وذلك في شهر ذي القعدة سنة ست وعشرين وسبعمية”.

وفي سنة 883 هـ/1479 م أمر نائب طرابلس أزدمير الأشرفي بترخيم محراب الجامع؛ ودوّن ذلك على رخامة مثبتة فوق المحراب الجانبي من الجهة الشرقية لبيت الصلاة، جاء فيها: “أمر بترخيم هذا المحراب المبارك العبد الفقير إلى الله تعالى أزدمير الأشرفي، كافل المملكة الشريفة الطرابلسية المحروسة أعزّ الله أنصاره في أيام مولانا وسيدنا قاضي القضاة الشافعي الإمام في مستهلّ ربيع الآخرة سنة ثلاث وثمانين وثمانماية بمباشرة محمد الشاد”[5].

وفي العام 1890، أنشئت غرفة الأثر الشريف. وآخر ما أنشئ في هذا الجامع، بهو كبير يقع في طرفه الشمالي الغربي كما نتبين من النقش الكتابي المحفور على لوحة رخامية مثبّتة بأعلى باب البهو من الجهة الغربية، وهذا نصّها: “تمَّ إنشاء هذا البهو في عهد المغفور له سماحة الشيخ كاظم الميقاتي مفتي طرابلس سنة 1378 هـ/1959 م”.


[1] محمد علي باشا: الرحلة الشامية، دار الرائد العربي، بيروت، 1981، ص199.

[2] – سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس: سجل 113، ص 300، سنة 1331 هـ؛ أنظر أيضاً: حكمت شريف: مخطوط تاريخ طرابلس الشام، 1332 هـ، ص 150؛ ومحمد أمين السكري: سمير الليالي، مطبعة الحضارة، طرابلس، 1327 هـ، ج1، ص 102؛ وفاروق حبلص: دراسة في تاريخ طرابلس الإجتماعية والإقتصادية، رسالة ماجستير، الجامعة اللبنانية، بيروت 1980، ص 46.

[3] – التميمي وبهجت: ولاية بيروت، دار لحد خاطر، بيروت، 1979، ج2، ص 118 كتبت هنا (الى الله)؛ أنظر أيضاً فاروق حبلص: طرابلس المساجد والكنائس، دار الإنشاء للصحافة والطباعة والنشر، طرابلس، ط1، 1988، ص36 كتبها (الله) فقط.

[4] – عبد العزيز سالم: طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي، الإسكندرية، 1967، ص 404 (وقد ذكر في هذا البحث أن هذه الكتابة محفورة في الرواق الشمالي)؛ انظر أيضاً فاروق حبلص: المرجع السابق، ص36 (وقد ذكر في بحثه بأن هذه الكتابة غير واردة في الرواق الشمالي)

[5] – عبد العزيز سالم: المرجع السابق، ص 405 – 406 (وقد ذكر في بحثه بأن هذا النقش موجود في البناء الذي يتوسط صحن الجامع)؛ أنظر ايضاً فاروق حبلص: المرجع السابق، ص38 (وقد ذكر بأن ما ورد في كتاب السيد عبد العزيز سالم هو خطأ).