تراث طرابلس

Categories
من علماء طرابلس

المجاهد فوزي القاوقجي (جديد)

  المجاهد فوزي القاوقجي

1308هـ/ 1890م- 1396هـ/ 1976م

 

الدكتور محمود حمد سليمان

 

هو المجاهد القومي العربي، فوزي بن عبد المجيد القاوقجي الذي وُلد بطرابلس الشام عام 1890م. فخرج به والده الى الآستانة عاصمة السلطنة العثمانية حيث تلقى علومه في مدارسها وظل يتدرج الى أن انتسب الى المدرسة الحربية وفيها بدأ وعيه السياسي ينمو، وبدأ شعوره القومي يتبلور، إذ كانت الآستانة يومذاك تعجُّ بالطلاب العرب، ولا سيما في المدرسة الحربية، والذين أحسوا بتوجهات حركة التتريك العنصرية وما تشكله من خطر على العروبة والاسلام ومنها جمعية الإتحاد والترقي التي كان نفوذها قد أصبح قوياً داخل مؤسسات الدولة ومؤسسة الجيش تحديداً.. بالإضافة الى ما كان قد ظهر من ضعف الدولة العثمانية وعجزها عن مواجهة الأطماع الاستعمارية الغربية في الأرض العربية التي راحت أقطارها تسقط تباعاً تحت نير الاستعمار دون أن تفعل الدولة العثمانية شيئاً سواء في مصر أو تونس أو الجزائر أو المغرب أو السودان أو غيرها..

Categories
دراسات في تاريخ طرابلس وحاضرها

المجاهد فوزي القاوقجي (جديد)

  المجاهد فوزي القاوقجي

1308هـ/ 1890م- 1396هـ/ 1976م

 

الدكتور محمود حمد سليمان

 

هو المجاهد القومي العربي، فوزي بن عبد المجيد القاوقجي الذي وُلد بطرابلس الشام عام 1890م. فخرج به والده الى الآستانة عاصمة السلطنة العثمانية حيث تلقى علومه في مدارسها وظل يتدرج الى أن انتسب الى المدرسة الحربية وفيها بدأ وعيه السياسي ينمو، وبدأ شعوره القومي يتبلور، إذ كانت الآستانة يومذاك تعجُّ بالطلاب العرب، ولا سيما في المدرسة الحربية، والذين أحسوا بتوجهات حركة التتريك العنصرية وما تشكله من خطر على العروبة والاسلام ومنها جمعية الإتحاد والترقي التي كان نفوذها قد أصبح قوياً داخل مؤسسات الدولة ومؤسسة الجيش تحديداً.. بالإضافة الى ما كان قد ظهر من ضعف الدولة العثمانية وعجزها عن مواجهة الأطماع الاستعمارية الغربية في الأرض العربية التي راحت أقطارها تسقط تباعاً تحت نير الاستعمار دون أن تفعل الدولة العثمانية شيئاً سواء في مصر أو تونس أو الجزائر أو المغرب أو السودان أو غيرها..

ولذلك فالقاوقجي شهد أحداثاً هامة وخطيرة وهو لا يزال طالباً على مقاعد الدراسة… ومما لا شك فيه أنه اطَّلع على أفكار المفكرين العروبيين وآرائهم وحركاتهم سواء داخل الآستانة أو خارجها .. ولا سيما عندما تخرَّج عام 1912م. من الحربية ضابطاً في سلاح الخيَّالة التركي.. وكان مقره أولاً في الموصل.. وهناك بدأت مواهبه بالبروز فصار بعد وقت قصير معلِّماً للفروسية في كتيبته ثم محاضراً لضباط الفيلق وقواده.. ما أتاح له  فرصة كبيرة للتعرف على أكبر عدد ممكن من الضباط العرب في وقت كان العراق في طليعة المناطق العربية التي تأججت فيها المشاعر القومية والوحدوية.. حتى بدا وكأنه يعيش على فوهة بركان تحسباً وحذراً من المخططات الأوروبية.. ورفضاً للنزعة الطورانية التتريكية التي كانت تعمل للقضاء على الحركة الثورية العربية وعلى فكرة القومية العربية للإبقاء على البلاد العربية مستعمرات تخضع بقوة السلاح للحكم التركي ونفوذه، كما ورد في مذكرات القاوقجي نفسه… وكما أكدته الأحداث والتطورات اللاحقة..

عندما نشبت الحرب العالمية الأُولى كان القاوقجي قد أصبح مرجعية هامة ليس للضباط والجنود العرب فقط… وإنما أيضاً لمختلف القبائل شمال العراق التي صارت تكنُّ له مشاعر التقدير والاحترام وخاصة منها قبيلة الدليم وشمر والجبوري، وغيرها.. فتعاون مع أحد شباب الموصل المدعو سعيد الحاج ثابت، وهو من الوطنيين العروبيين، في التواصل مع الأهالي وتنظيمهم وتدريبهم وتسليحهم بمختلف السبل والوسائل… مما يدل على أنه كان يحسب لكل شيء حسابه… ويتوقع سلفاً ما حصل فعلاً عندما نشبت الحرب العالمية الأُولى.

إشترك القاوقجي في المقاومة الشعبية والرسمية ضد الإنكليز عندما احتلوا البصرة، وأُصيب في معركة ” القرنة” فأُدخل المستشفى للعلاج.. ثم غادره سراً بالتنسيق مع العروبيين ليتصل بزعماء الحركة القومية في سورية ولبنان.. فوجد معظمهم قد سيقوا الى السجون والمشانق، وهو في هذه الفترة صار يلعب دوراً مزدوجاًُ: فمن جهة يهادن الأتراك، ومن جهة أُخرى يبذل قصارى جهده علناً في محاربة الانكليز ومقاومتهم. محاولاً في الوقت نفسه تخليص ما استطاع من المجاهدين العرب من قبضة الأتراك ومعتقلاتهم .. متواصلاً مع عدد كبير منهم بسرية مطلقة، ألأمر الذي جعل صديقه الضابط فرج عمارة (محافظ حلب) يمزِّق الرسائل والأوراق التي يحملها القاوقجي حفاظاً على حياته.. ولكن القاوقجي أصرّ على متابعة مهمته فحفظ عناوين الذين يجب أن يتصل بهم غيباً.. وتابع إتصاله بهم شفوياُ.. ثم قصد بلدة صوفر من لبنان القريبة من عاليه حيث مقر المجلس العرفي التركي الذي أقامه جمال باشا وفيه حكم على الزعماء والثوار العروبيين بالإعدام.. وقد بلغت الشجاعة بالقاوقجي أنه قابل جمال باشا مباشرة في الفندق الذي كان يقيم فيه بصوفر. ولكنه بدل أن يصل الى هدفه بإطلاق سراح القوميين العرب… فقد صدر اليه الأمر من جمال باشا بتعيينه في فرقة الخيَّالة في بئر السبع وفيها اكتسب خبرة عسكرية واسعة ونال شهرة واسعة بعد أن اشتبك مع الإنكليز بمعارك ضارية تمكن من خلال الكمائن التي كان ينصبها من أسر عدد من ضباطهم وجنودهم.. فحصل على أوسمة عديدة، وقويت صلته بالقادة الألمان الذين كانوا حلفاء الأتراك ضد الانكليز.

بعد انتهاء الحرب العالمية الأُولى عاد فوزي القاوقجي الى مسقط رأسه طرابلس وأقام هناك الى أن زارها الملك فيصل بن الحسين ودعاه الى العمل في خدمة الدولة العربية الناشئة.. فقبل العرض وعُيِّن في الشعبة  الثالثة في ديوان الشورى الحربي بدمشق. وهناك انكشف أمامه غدر الحلفاء بثورة الشريف حسين وأهدافها.. وهو كان يتولى حراسة قصر الملك فيصل وقلعة دمشق عندما وقعت هزيمة ميسلون واستشهد قائدها المجاهد يوسف العظمة عام 1920م. فآلمه ذلك وحزّ في نفسه دخول الفرنسيين دمشق مستعمرين.. فصمَّم منذ تلك اللحظة على التخطيط للثأر والتحرير مهما بلغت التضحيات.. لكنه وفي هذه المرة أيضاً لعب دوراً مزدوجاً فمن جهة فهو قريب من الفرنسيين الذين عيَّنوه آمراً لسرية الخيّالة في حماه ثم معاوناً للمستشار الفرنسي.. ومن جهة أخرى، فقد كان على تواصل مع ثورة الشيخ صالح العلي في الساحل السوري وثورة ابراهيم هنانو في حلب وضواحيها، وثورة سلطان باشا الأطرش في جبل العرب، ومع مختلف الانتفاضات الشعبية في لبنان وسورية وفلسطين والتي ما كانت لتهداً الواحدة منها حتى تشتعل الأخرى.

في العام 1925م. وحيث اشتعلت الثورات في كل أنحاء سورية ولبنان أعلن القاوقجي من جهته الثورة في حماه وضواحيها… وكاد أن يستولي على المدينة لولا قصف الطائرات العنيف للأحياء الشعبية.. فخرج الى البادية لاستشارة القبائل ضد الفرنسيين وتخفيف الضغط عن الثوار في المناطق الاخرى، وقد حقق انتصارات هامة على القوات الفرنسية وحامياتها وثكناتها وأنزل بها خسائر فادحة… حتى أسند إليه مجلس الثورة الوطني قيادة الثورة في منطقة الغوطة ومنحه سلطات واسعة وهو الى ذلك، كان على تواصل مع الثوار والمجاهدين في فلسطين وسورية ولبنان والعراق وعلى إتصال دائم بحركاتهم وتنظيماتهم ولجانهم المحلية المتعددة.. فقد نسَّق مع مفتى فلسطين المجاهد أمين الحسيني والتقى به مراراً في أثناء زياراته المتعددة الى لبنان وطرابلس تحديداً. إذ التقى به في منزل راشد المُقدَّم في قرية “علما” من ضواحي طرابلس بحضور أبرز العروبيين في تلك المرحلة: عبد الحميد كرامي وعبد اللطيف البيسار، وغيرهما. وكان البيسار والمقدم يجمعان له التبرعات المالية ويرفدانه بكميات من الأسلحة في كل المراحل سواء عندما قاتل في فلسطين أكثر من مرّة، أو عندما أعلن الثورة من حماه ضد الفرنسيين.. هذه الثورة التي وصلت أصداؤها الى طرابلس وجرود عكار والضنية.. الى درجة ان الفرنسيين جمعوا أعيان طرابلس وهددوا بقصف المدينة من البحر بعد أن نفوا عبد اللطيف البيسار وعبد الحميد كرامي وآخرين الى جزيرة أرواد. وهكذا كان شأن القاوقجي مع كل المدن والمناطق في مختلف بلاد الشام. حتى حكم عليه الفرنسيون بالإعدام… دون أن يتمكنوا من الإمساك به.

وفي حين كان المقدم وكرامي يتواصلان، بشكل أو بآخر، مع الإنكليز في مواجهة الفرنسيين… كان القاوقجي وعبد اللطيف البيسار ومعهما مفتي فلسطين، يتواصلون مع الألمان في مواجهة الانكليز والفرنسيين معاً.

ظل القاوقجي يقاوم من موقع الى موقع ومن منطقة الى أُخرى.. حتى اضطره النقص الهائل في العتاد والسلاح الى اللجوء الى جبل العرب، وبعد ان استشهد عدد كبير من المجاهدين معه.. وأمام عدم تلقيه اي دعم من الخارج.. فقد انتقل الى الحجاز عام 1928م. بعد أن كان آل سعود قد سيطروا على زمام الأُمور هناك. ليجد نفسه في مواجهة مع الانكليز والدور الذي يلعبه “فيلبي” في المملكة. لكنه تمكن بمساعدة الأمير فيصل بن عبد العزيز من إقناع الملك عبد العزيز بن سعود تكوين جيش نظامي مدرَّب، ساهم القاوقجي في بناء قواته العسكرية المنظمة والمدربة… رغم العراقيل التي وضعت في دربه وأجبرته على الاستقالة.. غير أنه بقي مستشاراً للأمير فيصل.

عام 1929م. وعلى أثر إندلاع المعارك بين العرب واليهود في فلسطين، غادر القاوقجي الحجاز سراً الى  مصر، والتقى الوفد الفلسطيني الذي أزمع على السفر الى لندن لمفاوضة الانكيز.. فحاول إقناعهم بعدم جدوى المفاوضات وضرورة الشروع في المقاومة الشاملة، مبدياً استعداده للمساهمة فيها بكل ما يملك.. غير أن محاولته باءت بالفشل، فعاد الى الحجاز لمدة سنتين ونصف تقريباً ليتركه ويلتحق بالملك فيصل بن الحسين في بغداد بعد أن صار هذا ملكاً على العراق.

في بغداد عُيِّن مدرباً للفروسية فأستاذاً برتبة رئيس لهندسة الطوبوغرافيا في المدرسة الحربية. وبقي كذلك الى العام 1936م. عندما اندلعت الثورة الكبرى في فلسطين فعاد القاوقجي الى سورية على رأس فرقة من الجيش العراقي ومجموعات من المجاهدين المتطوعين العرب الذين هبوا من كل حدب وصوب لنصرة إخوانهم ثوار فلسطين. ولقد أبلى القاوقجي بلاء حسناً في تلك الثورة حتى حاز على ثقة الثوار وصار له مكانة خاصة في نفوسهم.. وحيث أن رياح الأنظمة تجري بما لا تشتهي سفن الشعوب فقد صدرت الأوامر من القيادات السياسية الرسمية العربية الى القاوقجي بسحب قواته من فلسطين… فاضطر الى تنفيذ الأوامر رغم اقتناعه بعدم الصدقية التي كان الانكليز يقدمونها للحكام العرب والتي وعدتهم بحل عادل للمسألة بعد وقف الأعمال العسكرية.. والجدير بالذكر أنه وهو في  طريق الإنسحاب تعرض لمحاولة اغتيال من كمائن بريطانية ونجا منها بأعجوبة. وعندما وصل الى الأردن سرّح مَنْ معه من المجاهدين وعاد مع الفرقة العراقية الى بغداد فاستُقبل بحرارة على الصعيدين الرسمي والشعبي.

أقام القاوقجي في بغداد مدة، غير أن نشاطه القومي وانتصاره لمختلف القضايا القومية لم يتوقفا .. مما جعل السفير التركي يحتج لدى الحكومة العراقية على موقف القاوقجي من قضية لواء الاسكندرون الذي اقتطعه الحلفاء من سورية ووهبوه لتركية، اذ تبين لهم أنه على تواصل مع العروبيين داخل اللواء.. ثم وبناء على طلب الانكليز فقد قامت حكومة بكر صدقي بنفيه الى كركوك.. ولم تعد له حريته الا بعد مقتل بكر صدقي ومجيء حكومة جميل المدفعي.

عام 1941م. شارك القاوقجي بفعالية في ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق ولعب فيها دوراً بارزاً.. ولقد أُصيب في هذه الثورة بجروح بالغة ونجا بأعجوبة من الموت.. ولذلك اضطر للسفر الى برلين للمعالجة فأُجريت له عدة عمليات جراحية لاستئصال الرصاص والشظايا من مختلف أنحاء جسده. ما عدا رصاصة واحدة استقرت في رأسه وبقيت تلازمه طوال حياته.. دون أن تعيقه عن مواصلة الحركة في ميادين العمل والجهاد. وفي خضم الحرب العالمية الثانية وسقوط باريس ومجيء حكومة “فيشي” الموالية للألمان، حاول القاوقجي الاستفادة من الظروف الدولية الجديدة فاتصل بالجنرال “دانتز” ممثل حكومة “فيشي” في الشرق، وطلب منه إعلان استقلال لبنان وسورية فوافق “دانتز” على ذلك.. في وقت كانت خلايا القاوقجي لا تزال تقاوم في فلسطين والعراق .. بعد فشل ثورة الكيلاني ولجوئه الى ايران. وفي هذا الجو، وأمام إتساع شعبية القاوقجي في كل المشرق العربي، فقد صارت بريطانية تنظر اليه على انه عدوها الرقم واحد.. حتى لقد سُئِل تشرشل حينها في مجلس العموم البريطاني عن مصير القاوقجي إذا ما وقع في الأسر فأجاب:  الإعدام. ألأمر الذي جعل أحرار العالم كله ينظرون اليه على أنه بطل قومي تحرري لا يساوم ولا يهادن..

وبالفعل فما كادت الحرب تضع أوزارها حتى كان وجود الاستعمار الفرنسي والانكليزي في المشرق العربي قد صار مستحيلاً. فأُعلن استقلال سورية ولبنان والعراق بعد ذلك. ولكن القاوقجي تابع نضاله وجهاده باتجاه فلسطين مركِّزاً على قضيتها فراح يجوب المدن والمناطق يهيء ويحشد وينظم.. الى أن حطت به الرحال في مدينته طرابلس الشام في الثامن من آذار عام 1947م. وإذا هبت المدينة بأكملها لإستقباله والاحتفاء به… وإذ هو محمول على الاكتاف وسط جموع غفيرة من الرجال والنساء والأطفال.. فإن جهةً ما، كانت قد خططت بليل، أطلقت النار على الجموع المحتشدة في ساحة المدينة المركزية بشكل عشوائي وكثيف.. ما أدَّى إلى سقوط أكثر من مئة قتيل وجريح من الأبرياء .. فاضطر القاوقجي الى مغادرة المدينة وسط موجة من التكهنات والتحليلات المتضاربة.. ولكن دون أن تثني القاوقجي عن متابعة تحقيق أهدافه وغاياته.

عام 1947م. أسندت جامعة الدول العربية الى فوزي القاوقجي قيادة “جيش الإنقاذ” للدفاع عن فلسطين وقضيتها العادلة وذلك على أثر المعارك الضارية في فلسطين بين العرب واليهود.. فدخل القاوقجي المعركة وأبلى بلاء حسناً في كل المعارك التي خاضها مع مجاهديه ضد الانكليز واليهود الصهاينة … إذ كان معه فرق عسكرية من سورية ولبنان والأردن والعراق. بالاضافة الى عدد كبير من المجاهدين العرب الذين تقاطروا اليه من كل الوطن العربي مستبسلين في القتال حتى الموت… ولعل معركة “المالكية” من أهم المعارك التي خاضها القاوقجي بنفسه بفرقتين من الجيشين ” اللبناني والسوري” وهي المعركة التي، كما يرى المحللون الاستراتيجييون أنقذت جبل عامل  (الجنوب اللبناني) من الوقوع بأيدي الصهاينة . وأسفرت عن خسائر باهظة تكبدها الأعداء.. ومن ثم عن بدء انهيار المشروع الصهيوني في كل فلسطين بعد سلسلة الاجتياحات التي تقدمت فيها قوات القاوقجي حتى مشارف تل أبيب… وبدا معها أن تحرير كامل فلسطين مسألة أيام فقط.. ومرة أخرى تدخلت الدول الغربية لدى الانظمة العربية فأوقفت هذه دعهما ومساندتها… بل وراحت ، الواحدة تلو الأخرى، تأمر قواتها  وفرقها في جيش الإنقاذ بالإنكفاء والإنحساب.

وفوجئ القاوقجي بإبرام الهدنة بين الأنظمة يومذاك والصهاينة وأدرك أن التآمر قد فعل فعله في اللحظات الحاسمة… وإذ بقي على الأرض هو والمجاهدون فقط.. وأمام انقطاع المؤن والنقص في العتاد والذخائر فقد انسحب الى جنوب لبنان وقدم استقالته الى الامين العام لجامعة الدول العربية عبد الرحمن عزام.. ثم انسحب بعد ذلك عن مسرح الأحداث وهو يحمل مرارة الخيانة والتآمر ويشرب كأساً فُرضتْ عليه فرضاً.. ومن بعده على الأُمة كلها.. وما تزال.

عاد فوزي القاوقجي الى دمشق بعد أن وقَّعت الأنظمة اتفاقيات الهدنة في رودس، ثم انتقل الى بيروت ليعيش فيها بشبه عزلة تامة وسط ظروف مادية ونفسية صعبة وأليمة.. ثم راح بعد ذلك يكتب مذكراته ويدون ملاحظاته.. مؤثراً الإنسحاب من الحياة العامة، وكأن هذه الدنيا لا تستحق سوى ركلة قدم.. ليس إلا. وبقي كذلك الى أن وافته المنية في كانون الأول من العام 1976م.

أنفق فوزي القاوقجي شبابه مجاهداً مؤمناً.. ورحل بصمت الى جوار ربه بعد أن ترك بصمات واضحة في خط المقاومة وفي ميادين الوحدة والحرية والجهاد.. ثم جاءت الأحداث والوقائع لتؤكد صحة آرائه ومواقفه.. وإشراقة صورته في سجل العظماء والخالدين.

 

آثاره

     ترك فوزي القاوقجي مذكراته التي صارت مصدراُ هاماً من مصادر التاريخ لأَهم المحطات التاريخية في القرن العشرين بما حملته من سجلات للوقائع والأحداث، وبما كشفت عنه من أسرار أضاءت على مراحل هامة من تاريخنا المعاصر. ولقد احتوت هذه المذكرات على العديد من الوثائق التي غنمها في جهاده الطويل وفيها وقائع خطيرة عن المستعمرين والمتآمرين كما سجلات حافلة عن المجاهدين والمخلصين لقضايا أمتهم وشؤونها وشجونها.

 

المصادر والمراجع

   دروزة، محمد عزة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها. المكتبة العصرية، صيدا، 1956-1959 م

   الريس، منير: الكتاب الذهبي للثورات الوطنية في المشرق العربي. دار الطليعة، بيروت، 1969م

   زهرالدين، صالح: موسوعة رجالات من بلاد العرب. المركز العربي للأبحاث والتوثيق، بيروت،2001 م.

   القاوقجي، فوزي: مذكرات فوزي القاوقجي (جزءان) إعداد خيرية قاسمية، مركز الأبحاث الفلسطيني ودار القدس، بيروت، 1975م.

   الكيالي وزهيري، عبد الوهاب وكامل: الموسوعة السياسية. المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، 1974م.

        المنجد، طلال: يوم القاوقجي في طرابلس. جريدة التمدن، طرابلس، 2/4/2010م.

        الموسوعة الفلسطينية. إعداد هيئة الوسوعة، دمشق، 1984م.

   يوسف، محمد خير رمضان: تتمة الأعلام للزركلي. دار ابن حزم، بيروت ، 1418 هـ/ 1998 م