الشيخ عبد الرحمن الصوفي
معتز مطرجي
كان الشيخ عبد الرحمن مالئ عصره، بحضور مترع بالخصوبة والتألق في اللغة والشعر وعلم المنطق، فهو كثير في واحد، فمن أية جهة أقبلت عليه ترى منه المعرفة والأصالة والإلتزام الصارم بمذهب السنة والجماعة.
من هنا كان مترجمنا صاحب مدرسة على صعيد اللغة والشعر، وتعلقه بالطريقة الصوفية، وحسبي أن أشير في هذا الصدد الى مراسلاته الشعرية مع كبار أدباء عصره لا سيما صاحب كتاب طوق الحمامة وكاتب الامير بشير الشهابي عنيت به الشيخ ناصيف اليازجي، إذ قال في قصيدة:
بلغت مقاماً لم تنله الأوائل وحزت كمالاً تبتغيه الأفاضل
ولست براءٍ غير فضلك يرتجى لكل ملم فيه تدمى الصياقل
ولولاك لم تدر العلوم بأنها تجل وإن قد بان منها دلائل
الى أن يقول:
ويقصر باع الدهر عن وصف سيد له جُمعت في المكرمات الفضائل
إمام الهدى ارسلت للناس قائداً وهل غيركم يرجى وأنت المناهل
وكل مرام للأنام بغيركم له الليل وجه والنجوم أوافل
ورد عليها اليازجي بأبيات مدح فيها براعته وجودته، قال في مطلعها:
منازل عُسفان فدتكِ المنازلُ أراجعةٌ تلك الليالي الأوائل
وفي تقريظ لرواية المؤرخ جرجي ينّي "نكت العهود" قال:
نفيس لآل النيرات الثواقب تنظم عقداً في نحور الكواعب
وأسفر صبحاً جوهري نظامه ولاح كبدر التمّ فوق ترايب
بديع معانٍ نبهتنا رموزه على حسنه والحسن أعظم جاذب
تميس به تيهاً نشاوى وتنثني الى جرجي العلياء سامي المراتب
هو الدّرة الغرّاء والسدّة التي تمسذَك في أذيالها كل خاطب
ولد الشيخ عبد الرحمن الصوفي الزيلعي سنة 1220 هـ الموافق لسنة 1805م على وجه التقريب، في مدينة طرابلس ونشأ وترعرع فيها، وتلقى دروسه على يد مشايخها، ثم سافر الى مصر، وبعدها عاد الى طرابلس وعيّن مدرساً للغة العربية في المدرسة الوطنية التي تأسست سنة 1294ه، وتخرج عليه عدد من الطلبة الذين أصبحوا فيما بعد من أصحاب المناصب الدينية والأدبية، ومنهم كما ذكر المؤرخ عبد الله نوفل عمه الشاعر والأديب أنيس بن عبد الله بك نوفل، ولما أقفلت المدرسة دخل سلك موظفي الحكومة وتقلد منصب القضاء في عدد من المدن العربية، ثم تولى إدارة الاوقاف الاسلامية في طرابلس. ويبدو من سيرة مترجمنا كما ورد في المصادر، أنه كان ينتمي للطريقة الصوفية القادريه، وكان يمنح الإجازات ويصادق على الإجازات الممنوحة لعدد من أتباع الطريقة، ومنها تلك التي منحها الشيخ إعرابي الزيلعي للشيخ علي حماده سنة 1842، كما هو مدون على نص تلك الإجازة، وقام بجمع أدعية الطريقة القادرية وأضاف إليها منظومة بأسماء الله الحسنى، ثم منظومة الإستغاثة وهي من 46 صفحة بالحجم الصغير أولها بعد الإستعاذة والبسملة: "الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن" وهي صلوات مرتبة على حروف المعجم.
عاش الشيخ عبد الرحمن الصوفي في القرن التاسع عشر ونال عدداً من الإطراءات لدوره الديني والإجتماعي، ومات مخلفاً ولده الشيخ ظهير الصوفي الذي كان أحد كتبة المحكمة الشرعية سنة 1918 عندما كانت برئاسة الشيخ منير المقدم، ولم يؤرخ أحد لسنة وفاته. رحمه الله.