رضوان جميل الشهال
(1915-1988)
ولد في طرابلس عقب اندلاع الحرب الكونية الأولى. وأمضى طفولته الأولى في دارة جده لأمه محمد كامل البحيري مؤسس أول جريدة ومطبعة في طرابلس (1893) ثم انتقل إلى اللاذقية حيث عين والده جميل الشهال في منصب قضائي. وفي اللاذقية كان لقاء الفتى مع البحر ورجاله ومراكب الصيادين وشباكهم، ولسوف يكتنز هذا اللقاء معرفة أكثر بالبحر ورجاله، عندما انتقل والده إلى رئاسة محكمة بداية صيدا العام 1920 وسكنت العائلة منزلاً على مشارف الأمواج.
وفي صيدا تلقى الفتى علومه الابتدائية في مدرسة الشمعون الرسمية حيث حفظ القرآن الكريم وختمه مرتين. ثم انتقل إلى مدرسة المطران؛ وفي تلك الفترة ظهرت ميوله الأدبية والفنية وشغفه بالمطالعة والكتابة والرسم. “وكان رضوان مجلياً في اللغة العربية والإنشاء حتى إن أساتذته شكّوا بادئ الأمر في أن يكون هو نفسه من يكتب فروضه”.
وإذ لاحظ الوالد ميل رضوان إلى الموسيقى أتاه بمدرس يعلمه قراءة النوتة وأصول العزف على الكمان. غير أن اهتمامات الفتى الأدبية والفكرية كانت هي الغالبة في تلك الفترة. ولم يعد إلى الموسيقى إلا بعد ربع قرن عندما اقتنى عوداً وانصرف إلى تعلم العزف عليه مع التعمق في دراسة المقامات الموسيقية.
وبعد تسع سنوات على الإقامة في صيدا، يعود الوالد إلى طرابلس ليرئس محكمتها، ويعود الفتى إلى أجواء طفولته الأولى، حيث “جو النخلات الباسقات في منزل جده البحيري وعبق الياسمين ونافورة المياه الرخامية، والمناخ الشاعري الموحي بألف صورة وصورة”.
وفي تلك الحقبة اتجه رضوان إلى الأدب الغربي ينهل من روائعه فيقرأ لأدباء أمثال “توماس مان” و “مكسيم غوركي” و “تشيكوف” و “دوستويفسكي” و “تولستوي” وغيرهم.
ولم يمكث الوالد قاضياً في طرابلس إلا قرابة السنة، نقل بعدها إلى الشوف. غير أن رضوان استقر مؤقتاً في بيروت وانتسب إلى الكلية البطريركية، حيث كان من أساتذته الأديب الكبير الشيخ إبراهيم المنذر.. ثم يعود إلى طرابلس، بعد أن استقال والده من حاكمية صلح الشوف، ويتابع دراسته الثانوية في كلية التربية والتعليم وينال شهادة البكالوريا (1933) وكان عمره آنذاك ثمانية عشر عاماً.
وبعد نيل البكالوريا انتقل رضوان إلى بيروت حيث استقر لفترة عند أخواله آل البحيري أصحاب “دار الأحد” التي كان يلتقي فيها أهل السياسة في ذلك الزمان أمثال رياض الصلح وكاظم وعادل وتقي الدين الصلح، وغيرهم كما كان يتردد عليها العديد من الأدباء والمفكرين والشعراء اللبنانيين كأمين الريحاني وميخائيل نعيمة وبشارة الخوري (الأخطل الصغير) وغيرهم. غير أن سلطات الانتداب لم تسمح لآل البحيري بإصدار مجلة الأحد التي كانوا يرغبون بإصدارها، فآثر عندها رضوان أن يغادر إلى مصر، فوافق والده شريطة أن ينتسب رضوان إلى كلية الحقوق ليصبح رجل قانون مثله. وغادر إلى الإسكندرية (1936) ملتحقاً بكلية الحقوق، ولكنه نادراً ما كان يحضر المحاضرات، فقد كان هاجسه الأدبي والفني يطغى على كل شيء.
واشتغل رضوان في مجال الرسم في قسم الإعلانات بدار الهلال لفترة قصيرة، ثم في شركة الإعلانات الشرقية بالقاهرة التي كانت تضم عدداً كبيراً من الرسامين المصريين والأجانب. وفي مصر أتيح له أن يكون على اتصال وثيق بالحركة الثقافية والأدبية والفنية في القاهرة. وهناك اتجه رضوان إلى رسم وجوه الشخصيات المعروفة في ذلك الحين أمثال طه حسين ومصطفى النحاس باشا ومحمد عبد الوهاب وموسوليني وهتلر.. واعتبرها النقاد في حينه أعمالاً مميزة لجودتها وطريقتها المبتكرة.
وقضى رضوان في مصر سنتين عاد بعدهما إلى مسقط رأسه طرابلس. وبعد شهور اندلعت الحرب العالمية الثانية، فانتقل الوالد بعائلته إلى بزبينا (عكار) ثم إلى بعقلين في الشوف حيث كان له صداقات مع عائلاتها. ومن بعقلين تنتقل العائلة إلى بيروت في العام 1942 بعد دخول القوات البريطانية وقوات فرنسا الحرة واستقرار الوضع في لبنان.
وتميزت الرحلة التي امتدت حتى مطلع الخمسينات بنتاج غزير في الرسم والكتابة، فعمل رضوان في عدد من المجلات ونفّذ رسوماً لها، وابتكر شخصية (أبو خليل) ابن الشعب اللبناني لمجلة الصياد. كما نفذ رسوماً للعديد من الكتب والمؤلفات الأدبية ولا سيما كتب مارون عبود وديوان الأخطل الصغير ودواوين سعيد عقل.. ثم انصرف إلى تنفيذ رسوم الكتب المدرسية، فضلاً عن عمله في مجال الرسم الإعلاني.
في العام 1945 يتزوج رضوان من حنيفة ابنة فهيم كفرسوسا ويرزق منها بولدين هما إبراهيم وعمر.
وفي مطلع الخمسينات، وبعد عودته من مؤتمر لأنصار السلام في (وارسو) اعتقل رضوان بتهمة الإخلال بالأمن العام. وأمضى حوالي الأسبوعين في السجن. غير أن النائب العام أخلى سبيله وأصدر قراراً بمنع المحاكمة عنه.
وفي العام 1951 يدخل المعترك السياسي فيرشح نفسه للانتخابات النيابية في طرابلس إلا أنه لم ينجح.
وبعد هذا التاريخ أتيح له أن يصدر عدداً من الأعمال الأدبية والفنية.
وعند اندلاع الحرب الأهلية غادر وزوجته إلى طرابلس (1977) حيث انصرف إلى المطالعة والكتابة وتنفيذ بعض الرسوم لبعض أصدقائه في بيروت والشمال. وفي العام 1981 أقام معرضاً للوحاته في مركز رشيد كرامي الثقافي بطرابلس (قصر نوفل سابقاً) اشتمل على 45 لوحة (حبر صيني وغراتاج ومائيات) وفي طرابلس وضع كتابه (عن الشعر ومسائل الفن) بناء على طلب وزيرة الثقافة في الجمهورية العربية السورية الدكتورة نجاح العطار (1986).
وفي أواخر العام 1987 شعر رضوان ببوادر المرض. وما هي إلا أشهر قليلة حتى وافاه الأجل في 15 تشرين الأول 1988 تاركاً وراءه تراثاً من الأعمال الأدبية والفنية.
وبمناسبة الأربعين على وفاته أقامت الهيئات الثقافية في 11 و 12 كانون الأول 1988 برنامجاً لتكريمه في قاعة الرابطة الثقافية بطرابلس وكانت كلمات لرشيد جمالي (الرابطة الثقافية) والدكتور نجاح العطار (وزيرة الثقافة في الجمهورية العربية السورية) ولأحمد سويد (اتحاد الكتاب اللبنانيين) ولحبيب صادق (المجلس الثقافي للبنان الجنوبي) ولثرية كبارة (المجلس الثقافي للبنان الشمالي) ولأنطوان سيف (الحركة الثقافية انطلياس) ولحنا مينه ولرشيد درباس (قصيدة) ولعدنان درويش (ممثلاً وزير التربية) ولآل الفقيد (زوجته).
مؤلفاته
ترك رضوان الشهال عدداً من المؤلفات ومجموعة شعرية بعضها طبع والآخر لم يطبع. وهي:
1- امرؤ القيس، كبير شعراء الجاهلية، 1961.
2- في الشعر والفن والجمال، 1961.
3- أبو الطيب المتنبي، عملاق الواقعية في الشعر العربي، 1962.
4- كيف نتفهم الشعر ونتذوقه، 1963.
5- جرار الصيف، مجموعة شعرية، 1964، نالت جائزة أصدقاء الكتاب مناصفة مع الشاعر يوسف غصوب، وجائزة سعيد عقل.
6- رجال في البحر وقصص أخرى، 1966. نال عليها جائزة وزارة التربية الوطنية والفنون الجميلة مناصفة مع الأديب خضر نبوة.
7- ملحمة لينين: نشيد لمجد الإنسان والأرض، 1970.
8- عن الشعر ومسائل الفن. منشورات وزارة الثقافة دمشق، 1986، 249 صفحة.
9- رشيد وهبي، فنان الطبيعة والإنسان، ط. أولى، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1982، 200 صفحة، وترجمه إلى الإنكليزية، د. جبرائيل جبور والى الفرنسية، د. محمد وهبي.
مؤلفات غير مطبوعة
10- مصرع العفريت (رواية)
11- على البحر القديم (مجموعة قصائد)
12- محاولات في علم الاستاطيق.
13- خواطر في الحياة والفن والأدب (مجموعة مقالات).