سميح وجيه الزين
(1902-1974)
المؤرخ
ولد سميح الزين في ميناء طرابلس عام 1320هـ/1902م. تعلّم في طرابلس ونال شهادة الرياضيات عام 1340هـ/1921م، عمل بعدها موظفاً في بنكو دي روما في طرابلس، ثم انتقل إلى حمص وكيلاً مفوضاً، وتزوج هناك من ابنة عمته لواحظ مصطفى عبد الوهاب الهندي، عاد بعدها إلى طرابلس فبيروت فطرابلس حيث استقر فيها، رئيساً لقسم المحاسبة في بلديتها.
حصل على دبلوم الصحافة من جامعة القاهرة، ومارس مهنة الصحافة فكتب لصحيفتي (الجريدة) و (لسان الحال) وعمل في الترجمة عن الفرنسية والإيطالية.
كتب في القصة والمقال الأدبي ومن أعماله "6 أيار"[1]، و "لمياء" و "أحمد جمال باشا" وكتب في التاريخ فألف كتاب "تاريخ طرابلس قديماً وحديثاً" وهو مطبوع وكتاباً عن بيروت لم يطبع، كما ترك مخطوطين لم يطبعا حتى الآن "تاريخ الفلسفة عند الإغريق والعرب" و "رسالة الغفران لأبي العلاء". توفي في طرابلس عام 1974م.
وفي ما يأتي كلمة على كتابه (تاريخ طرابلس قديماً وحديثاً)
مثل كل كتاب، قديم تاريخاً لمدينة طرابلس، يعتمد المؤلف في عمله على كتب التاريخ القديمة، يستلّ منها ما تعلق بالمدينة، فيحدّد ويدقق ويحلل، ويصوغ في النهاية كتابه، يعد إضافة ما اقتضاه العمل من أحداث جرت في فترات متأخرة زمنياً شهدها المؤلف أو استمدها ممن شهدوها أو عاشوها.
ولعل أصدق توصيف لهذا الكتاب هو ما جاء في المقدمة، بقلم المؤلف إذ يقول:
"وبإمكان قارئي أن يطلق على كتابي هذا اسم تاريخ طرابلس، فقد جمعت فيه كل ما ورد في كتب المتقدمين والمتأخرين عن المراحل التي مرّت على طرابلس، ولم أنس تسجيل ما جمعته من أفواه المتقدّمين بالسنّ ما عرفوه أو سمعوه ممن تقدّمهم من مجريات الحوادث التي مرّت على هذه البلدة وما زالت عالقة بالأذهان".
ويبين المؤلف أسلوب عمله فيقول:
"وقد تعمقت في سرد صحة الفصول التي يحتويها كتابي هذا، ولم أذكر إلا ما كنت واثقاً من حقيقته وأنه قد حدث فعلاً، ذلك أني محّصت كل التمحيص ما ورد عن طرابلس في مختلف كتب التاريخ من قديم ومن حديث إن كان للشرقيين أو للغربيين، ولم أرغب في اتباع طريقة بعض المؤرخين العرب في ذكر الحوادث سنة فسنة، بل فضّلت سرد هذه الحوادث عهداً متسلسلاً لأضع بين أيدي الراغبين في تتبع تاريخ طرابلس، صورة متواصلة عن تاريخها على مدى الأزمان.
وبعد أن يذكر المؤلف الصعوبات التي اعترضته، حيث إن أخبار طرابلس كانت تأتي عرضاً في سياق وقائع التاريخ، يعدّد بعض المراجع التي اعتمد عليها، آملاً أن يسدّ كتابه فراغاً في تاريخ المدن العربية.
بعد المقدمة يتحدث المؤلف عن أسباب وضع تاريخ للمدن، مبيناً الفرق بين التاريخ العام وتاريخ المدن، وأهمية تدوين تاريخ المدن لأنه موضوعي، يذكر الحوادث وأبطالها ومجرياتها وأسبابها، في حين أن التاريخ العام قد لا يذكر مدينة ما إلا عرضاً وفي سياق الحديث عن تاريخ المنطقة إذا مرت فيها أحداث هامة. كما أن تاريخ المدينة يذكر ما أقيم من منشآت عمرانية، وأنواعها وأسماء منشئيها وسنة إنشائها وقد لا يأتي التاريخ العام على ذكرها.
يبدأ تاريخ طرابلس بذكر الأسباب التي أدت إلى تأسيسها على يد الفينيقيين ويتنقل بين محطاتها والعهود التي تعاقبت عليها. والحروب التي جرت فيها والدول التي احتلتها والشعوب التي سكنتها، حتى يصل إلى فترة الاحتلال الصليبي ويسهب في الحديث عنها ثم يورد أخبار تحريرها على يد المنصور قلاوون.
ويخصص لطرابلس في العهد المملوكي حيزاً وافياً فيتحدث عن بناء المدينة الجديدة على ضفة النهر بعد تدمير القديمة في الميناء، ويعدّد ولاة المدينة المستحدثين في الفترة المملوكية محدداً فترات توليهم، ثم يتعرض لحالة المدينة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في تلك الفترة.
ثم يعرّج المؤلف على العهد العثماني في طرابلس وما جرى فيه من أحداث ويذكرّ بأسماء شكلت علامات في تاريخ المدينة العثمانية، فآل سيفا والأمير فخر الدين، وحروبهم الدائمة ومصطفى بربر وحكمه لطرابلس واحتلال إبراهيم باشا المصري لطرابلس ومذبحته فيها، وخروجه منها ويدخل في أواخر هذا العهد إلى القرن العشرين متحدثاً عن انهيار السلطنة العثمانية أمام الجيوش الأجنبية وبداية عهد الإنتداب في لبنان.
وينهي المؤلف هذه المرحلة بالحديث عن نضال المدينة ضد سلطات الانتداب وتضحياتها الكبيرة حتى نيل الاستقلال.
إن أهم ما في الكتاب هو تصويره الدقيق لحالة طرابلس في القرن العشرين، هذا ما نستطيع تسميته تأريخاً للمدينة، هو ما يراه ويسمعه المرء حياً أمامه فينقله عن الحدث وليس بالتواتر أو نقلاً عن المصادر.
في هذه الفترة يقدم المؤلف مسحاً شاملاً لمدينة طرابلس، ووصفاً دقيقاً للمشهد الطرابلسي، فهو حين يذكر المؤسسات الرسمية، لا يفوته أن يذكر المؤسسات الأهلية، وحين يذكر المؤسسات الدينية، لا ينسى النقابات المهنية، وذلك مع ذكر المتغيرات فيها وإيراد أسماء ممثليها، ويعرّج على الجمعيات الأهلية والخيرية فيقدم عرضاً للجمعيات الإسلامية والمسيحية والمدارس الرسمية والخاصة، وهو حين يذكر كل ذلك لا يغفل أن يقدم شريطاً حياً لآثار المدينة، مساجد ومدارس وكنائس وأبرشيات وحمامات وخانات، وذلك في طرابلس والميناء، وهذا ليس نهاية الكتاب، إنه ينهي كتابه بسجلّ للأعياد في طرابلس على امتداد تاريخها، وبحسّه الثقافي المرهف لا يفوته أن يذكر علماء المدينة، وأن يقدم ثبتاً غنياً بمكتبات المدينة الخاصة وهذا يجعل من الكتاب مرجعاً معاصراً لكل باحث.
الكتاب: تاريخ طرابلس قديماً وحديثاً.
المؤلف: سميح وجيه الزين.
الناشر: الأندلس للطباعة والنشر- بيروت.
المطبعة: الطبعة الأولى، بيروت- لبنان، 1389هـ/1969م.
الصفحات: 615 صفحة من القطع المتوسط.
يضم الكتاب ستة وعشرين رسماً فوتوغرافياً، ويحوي فهرساً للمراجع وفهرساً ابجدياً لعلماء طرابلس، ثم فهرساً للموضوعات، وفهرساً للرسوم.
[1] - 6 أيار، قصة شهداء الوطن. وكتب الزين قصتها وساهم بالوقائع التاريخية وجيه علم الدين الضابط في الجيش العربي خلال الحرب العالمية الأولى. وأهديت "إلى فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية الأستاذ شارل حلو رائد الوحدة الوطنية " 1966 في 168 صفحة.