طرابلس في القرن السابع عشر
من خلال كتابات الرحّالة المسلمين
الدكتور عبد المجيد نعنعي
كانت طرابلس، الولاية ولكن المدينة بصورة خاصة، وعلى امتداد القرن السابع عشر للميلاد هدفاً ومقصداً لعلماء وأدباء مسلمين أتوا إليها وحلوا في ربوعها وبين أهلها وتعرفوا إلى أوضاعها وعمائرها وناسها واتصلوا بعلمائها وأدبائها وسجل كل واحد منهم انطباعاته ومشاعره وما جمع من معلومات وتجارب في صفحات تكثر أو تقل. وقد وصلنا مما كتب وسجل هؤلاء تحف ونفائس في أدب الرحلات تغني معارفنا اليوم بأخبار ومعلومات فريدة ومميزة عن طرابلس ذلك الزمان. وتجمع هؤلاء الرحالة المسلمين الذين حلوا في طرابلس في القرن السابع عشر صفات مشتركة لعل أولها أنهم كانوا كلهم من أهل دمشق ومنها أتوا إلى طرابلس وإن اختلفت أسباب سفرهم وظروفها والطرق التي سلكوها، كما الأهداف التي قصدوا. وأيضاً يشترك هؤلاء في كونهم كلهم كانوا من أهل العلم ورجاله ومن العاملين في مجالاته. وأيضاً يتشابهون جميعاً من حيث صلاتهم الوثيقة بأهل العلم والأدب في طرابلس لما طالما كان بين المدينتين من علاقات وثيقة ولما كان من اتصال وتشابه بين الحركة العلمية والأدبية في المدينتين وإن تكن دمشق في هذا المجال كانت دوماً الأقوى والأفعل والأكثر أصالة ونتاجاً بما لا يقاس.وكان أول من قصد طرابلس من رحالة شاميين في هذا القرن الشيخ الحسن بن محمد البوريني الذي حل فيها في سنة 1008هـ- 1599م وترك انطباعاته وما جمع من معلومات خلال إقامته في كتاب أسماه "المنازل الأنسية في الرحلة الطرابلسية".
ويصعب علينا اليوم إن لم يكن يستحيل تحديد أسباب هذه الزيارة وظروفها وما نتج عنها لأن كتاب البوريني قد فقد ولم يصلنا منه غير شذرات قصيرة مبعثرة في بعض المصنفات.
وحل في طرابلس بعد ثلث قرن تقريباً آتياً من دمشق أيضاً عالم آخر هو رمضان بن موسى العطيفي وصلها في سنة 1043هـ/ 1634م وذلك لمتعة السفر أولاً، كما قال، ولكن أيضاً للاجتماع "بالعقد الفريد وبيت القصيد. حاكمها يومئذ الأمير الكبير علي ابن الأمير محمد ابن سيفا"[1] ابن العائلة التي طالما رعت الأدب والأدباء وأكرمت العلم والعلماء حتى شبهت بالبرامكة. وكان حظ طرابلس مع العطيفي أفضل مما كان مع سلفه فسلمت أخبار رحلته من الضياع إذ صنفها في صفحات قليلة، بعنوان "رحلة إلى طرابلس الشام" وصلتنا كاملة[2].
وبعد سنوات خمس نزل في طرابلس آتياً من دمشق أيضاً أحد أجلّ وأبرز وجوه العلم والدين فيها آنذاك الشيخ يحي بن أبي الصفا بن أحمد المعروف بابن محاسن، حفيد رحالتنا الأول البوريني وحل فيها في إقامة استطالت على ما يزيد عن الشهرين وكان ذلك في العام 1048هـ/1639م. وكان الباعث على تلك الزيارة لقاء صديق قريب هو مراد أفندي دفتردار الشام الذي شدته إليه صلة وثيقة أثناء إقامته في دمشق والذي أنعمت عليه بعد ذلك "السلطنة الخاقانية والدولة العثمانية لا زالت مؤبدة ومؤيدة للشريعة المحمدية بدفتردارية طرابلوس بلد الصفا والأنس"[3]. ومن هنا يمكن الافتراض بل والجزم بأن علاقة وثيقة كانت تشد آنذاك الرحالة المحاسني إلى الدولة العثمانية وإلى رجالاتها في بلاد الشام وهذا ما سمح له خلال زيارته لطرابلس في الفترة الحافلة بالمتغيرات على الصعد السياسية والإدارية التي تلت القضاء على عائلة آل سيفا والتي بقيت زمناً طويلاً قوية ونافذة وفاعلة في طرابلس ومحيطها بأن يرسم لنا صورة هي الأفضل والأكثر وضوحاً للوضع الإداري وللموظفين في طرابلس مع تحديد مهمات وصلاحيات وأعمال كل منهم، بعد أن أخضعت طرابلس للحكم العثماني المباشر. والواقع أن المحاسني بفضل علاقته الوثيقة بالسلطات العثمانية الرسمية في بلاد الشام، كما في طرابلس بصورة خاصة، قد ترك لنا معلومات على درجة كبيرة من الأهمية عن الإدارة في طرابلس على زمنه انفرد بها لوحده من دون سائر الرحالة.
ولأن المحاسني كان أيضاً عالماً كبيراً وفقهياً بارزاً، تتلمذ على "مجموعة من علماء دمشق" كما يقول المحبي، وأجازه عالم المغرب الكبير الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني[4] أثناء إقامته في دمشق، فإنه جاء إلى طرابلس بزاد كبير من العلم والمعرفة وأيضاً بصلات مباشرة أو غير مباشرة بأوساط العلم ورجاله فيها مما ساعده في أن يجمع معلومات كبيرة عن حركة العلم والأدب في هذه المدينة. وقد أودع المحاسني ما جمعه من معلومات ومعارف وما حصل له من تجارب أثناء إقامته في طرابلس في كتاب لطيف أسماه "المنازل المحاسنية في الرحالة الطرابلسية". وقد وصلنا هذا الكتاب وهو متداول الآن بعد أن حقق ونشر بعناية الدكتور بخيت.
وكانت رابعة الزيارات الشامية إلى طرابلس في القرن السابع عشر تلك التي قام بها، الشيخ الفقيه العالم عبد الغني النابلسي، للمدينة في سياق رحلة أكبر جال فيها في بلاد الشام ومصر والحجاز وزار الديار المقدسة مما ربما كان السبب الأساسي لهذه الرحلة.
وقد امتدت هذه الرحلة التي بدأها في شهر المحرم من سنة 1105هـ/ أيلول 1694م على مدى 388 يوماً وكان من ثمارها المصنف المعروف باسم: "كتاب الحقائق والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز" الذي وصلنا نصه كاملاً في نسخ عديدة والذي كانت حصة طرابلس منه صفحات قليلة ولكنها هامة لما حملته من معلومات وفيرة وقيمة عن طرابلس تلك الأيام.
وكانت للنابلسي رحلة أخرى أهم وأجدى إذ كرسها كلها لمدينة طرابلس حين زارها في 22 ربيع الأول من سنة 1112هـ/6 أيلول 1700م وأقام في المدينة وبين أهلها ما يزيد عن الأسبوعين.
ولأن النابلسي كان عالماً كبيراً، بل ربما أحد أكبر علماء عصره في بلاد
الشام، فقد كان له كثير من الطلاب والمريدين يأتون إليه من كل بلاد الإسلام، والعربية منها بصورة خاصة، أو يتصلون به، ولأنه أيضاً قد تعرف إلى الطرق الصوفية وأحب بصورة خاصة الطريقة القادرية وسلك دروبها بإخلاص حتى آخر حياته فإنه درج على الإكثار من زياراته ومن رحلاته خارج دمشق. وما كانت زيارتاه إلى طرابلس إلا من بعض رحلاته، وذلك وكما قال بقصد "زيارة إخواننا من ذوي المجد والاحتشام"[5] الذين هم أتباع طريقته الصوفية. وأيضاً سعى النابلسي كما قال لزيارة السواحل الغربية "المشحونة بأفاضل الأوقات والأيام للتبرك بزيارة الصالحين"[6].
وفوق هذا وذاك لأن الشيخ النابلسي قد دعي "من بعض الحكام في هاتيك البلاد"[7] إذ كان دائماً على علاقة وثيقة بالسلطات العثمانية وبرجالاتها في بلاد الشام تشده إلى الدولة العثمانية رابطة ولاء وتأييد لا حدود لها وقيود عليها. وكان هذا واضحاً في الاستقبال اللائق الذي أعده للشيخ الوالي العثماني بطرابلس آنذاك، أرسلان محمد باشا، وبنزوله في ضيافته السخية وأيضاً في تكرار زيارته لسراياه وفي حضوره الدائم أو شبه الدائم في مجالسه وندواته. وقد أثمرت هذه الرحلة كتاب "التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية" التي ربما كانت أفضل وأغنى ما صنف من كتب الرحلات عن مدينة طرابلس لوحدها.
طرابلس في القرن السابع عشر
وربما بسبب انتماء جميع هؤلاء الرحالة أساساً لطبقة أهل العلم الديني ورجال الطرق الصوفية وأيضاً ربما بسبب الدوافع الحقيقية للزيارة والتي ما تجاوزت مرة واحدة تلبية لدعوة من صديق أو لزيارة إخوان ورجال دين أو للاتصال بمسؤول كبير رسمي فإن ما سطره هؤلاء كلهم ما تجاوز في الحقيقة والواقع تسجيل وقائع ووصف مظاهر حياة مجتمع معين هو أولاً وقبل كل شيء مجتمع الصفوة من أهل العلم ومن رجال السلطة. بل أكثر من ذلك فإن جهل هؤلاء بقواعد العلم الجغرافي وفقدانهم للحوافز والرغبة بالمعرفة المطلقة بغير حدود أو ضوابط والتي طالما حركت كبار الرحالة كابن بطوطة وابن جبير جعلت ما نقلوه إلينا من معلومات، على أهميته يتسم بالجزئية والسطحية. ثم لأن هؤلاء الرحالة كانوا في تحركاتهم يقصدون هدفاً معيناً ومدينة معينة فإنهم ما أعطونا أية معارف قيّمة عن حدود ولاية طرابلس وعن أوضاع الولاية، كل الولاية، على أصعدة السياسة والاقتصاد والعمران، كما عن علاقاتها بالولايات العثمانية الأخرى.
وإذا كان هؤلاء الرحالة قد أعطونا معلومات، بعضها قيم وهام، عن مدن أو قرى مروا بها أو أقاموا فيها، فإنهم فعلوا ذلك فقط لأن هذه المواقع كانت في طريقهم أو لأن في أحدها صديق أو تلميذ وجبت زيارته ولكن ليس من ضمن خطة مدروسة وواضحة أو لأن علم الرحلات يفرض ذلك. ثم فوق هذا وذاك فإن كل ما نقله لنا هؤلاء الرحالة في الخواطر التي سطروها ما تجاوز مرة واحدة اهتماماتهم المحصورة بمجتمعي أهل العلم وأهل السلطان ولا ذهب في عمق الأشياء بعيداً عن المظاهر السطحية والبسيطة.
ومن هنا فإنني في دراستي هذه لن أتجاوز الصورة التي رسمها كل واحد من هؤلاء لمدينة طرابلس بالذات باعتبارها الهدف الحقيقي والمقصد الرئيس لكل الرحلات ما عدا في حالة زيارة النابلسي الأولى إذ كانت عرضية وفي سياق رحلة كبرى لم يخرج صاحبها في كل حال عن نهجه الأساسي في الاهتمام بالمدن والمواقع التي يمر فيها بكثير من السطحية والبساطة.
أول هؤلاء الرحالة، البوريني عرف طرابلس بأنها "في جبل من جانب القلعة، لكنها ممتدة من الجبل إلى التل الأحمر الذي آخر البلدة وأول المرج الأخضر، وهنا مياه تجري على قناطر من أماكن بعيدة مرتفعة"[8].
وطرابلس كما رآها العطيفي وعرفها هي: "بلدة لطيفة، ماؤها كثير، ورزقها غزير جميع بنائها بالحجر ليس فيه شيء من الخشب حتى كادت أن تكون كلها قطعة واحدة يشقها نهر عظيم على حافتيه من الجانبين الجوامع والمدارس والقصور والشبابيك"[9]. والمحاسني يعرف طرابلس بأنها: "بلدة مبنية في ذيل جبل، واقفة في أحسن بقعة منه وألطف محل، بناؤها كله بالأحجار... ذات أنهار جارية وأشجار متلألئة وأزهارها متنوعة"[10].
بهذه الصور المختصرة والباهتة عرف هؤلاء مدينة طرابلس وأوجزوا صفاتها وأوضاعها الطبيعية. وبالانتقال إلى وصف العمران في طرابلس والأسواق والعمائر والمنشآت فإن أمل ما شد انتباه هؤلاء وأكثر ما شغل أفكارهم هو أماكن العبادة من جوامع، ومساجد ومدارس وما يتصل بها من منشآت. ومن هنا كان هناك تعداد لجوامع تقام فيها الجمعة فكانت اثنا عشر على الأكثر باعتبار أن العطيفي لم يذكر مثل هذا العدد ليس لعدم وجودها أيامه، إذ كلها قديمة العهد ولكن ربما لأن ظروفه ما سمحت له بالتعرف بما يكفي على منشآت طرابلس. وهذه الجوامع هي نفسها تقريباً عند الجميع مع تباين في الأسماء أحياناً.
1- الجامع الكبير وهو المعرف اليوم بالجامع المنصوري الكبير[11] والذي يصفه النابلسي بأنه كان في أول أمره وقبل العصر المملوكي كنيسة.
2- جامع طينال المجاور لجبانة باب الرمل حالياً.
3- جامع التوبة المجاور لمجرى نهر "أبو علي" الآن.
4- جامع العطار الذي يروي النابلسي أن أصله كنيسة، على ما قيل في زمنه[12]، وكان قريباً من سوق البزورية آنذاك والذي يجاور الآن سوق البازركان وحي التربيعة إذ لا وجود في الوقت الحاضر لسوق بزورية في تلك المنطقة كما في كل طرابلس.
5- جامع الأويسية، الذي يسميه المحاسني اليونسية، المجاور آنذاك للمحكمة الكبيرة والواقع اليوم في ما يسمى سوق السمك.
6- جامع البرطاسية المجاور للجسر الفوقاني، كما يقول المحاسني، الذي أتى عليه فيضان نهر "أبو علي" الأخير. وهو الآن في موقع مميز على كورنيش النهر الحديث.
7- جامع الطحان الذي يسميه النابلسي الطحال بينما يذكره محمد كرد علي في خططه باسم الطحام.
8- جامع يغن شاه الذي أسماه النابلسي الغنا شاه والواقع حالياً في شارع صف البلاط.
9- جامع التفاحي القريب من منطقة الدباغين، الذي ربما كان المسجد الذي أسماه عبد العزيز سالم مسجد الدباغين، والذي كان يجاور مسجد التوبة وهو غير قائم اليوم. ويسمي المحاسني هذا الجامع باسم جامع التفاحة. ويرى الدكتور تدمري أن المسجد المذكور قد عفت آثاره على الأرجح بفعل فيضان مياه نهر "أبو علي" سنة 1955[13].
10- جامع محمود بك في حي باب التبانة مقابل مجرى نهر "أبو علي" اليوم.
11- جامع القلعة.
12- جامع المحمودية الذي يذكره النابلسي وأيضاً المحاسني الذي يعطيه من الأوصاف ما لا تنطبق عليه خاصةً وأن العطيفي يذكره بتفاصيل وافية فيقول عنه "مطل على النهر المزبور وعلى الجسر الذي يمر من الطرف الشرقي إلى الطرف الغربي"[14] مما هو بعيد عن سوق سندمر الذي يجعل المحاسني الجامع المحمودي قريباً منه. والجامع المذكور غير معروف اليوم.
ويشير النابلسي إلى أن هناك غير هذه الجوامع الكبيرة مساجد وزوايا ومدارس لا تعد ولا تحصى. وذكر أنه "كان بها ثلاثمائة وستون مدرسة ولكن الآن أكثرها متهدم وغالبها مهجور"[15].
ويبدو أن ما لاحظه النابلسي في زيارته في نهاية القرن السابع عشر لطرابلس من خراب وتهديم أصاب عامرها وبصورة خاصة الكثير من مدارسها هو قديم العهد إذ سبق للمحاسني الذي حل في طرابلس في سنة 1048هـ/1639م أن أشار إلى أن بناء طرابلس الذي يسر النواظر والأبصار "قد تخرب أكثره وانكسف انضره"[16]. وربما كان سبب ما أصاب طرابلس من خراب يعود إلى ذلك الصراع الذي أوجزه العطيفي، بعد أن لاحظ آثاره في عمائر المدينة كما في مدارسها، في حديثه عن بني سيفا بقوله: "حتى محاهم فخر الدين بن معن وأجلاهم عن بلادهم وأوطانهم وخرب منازلهم التي كانت بطرابلس في خبريطول"[17]. ذلك أنه من المعلوم والمعروف أن صراعات وحركات عصيان وتمرد وانشقاق قد اجتاحت بلاد الشام في مطلع القرن السابع عشر لانشغال الدولة العثمانية بقضايا وخلافات كبيرة على حدودها في أوروبا كما مع جيرانها الفرس ولزمن طويل. وكان الصراع بين القيسيين بقيادة بني معن واليمنيين بقيادة آل سيفا اشنع مظاهر الفرقة وأوجعها أثراً بالنسبة للدولة العثمانية وللناس. ومن مظاهر هذا الصراع هجوم فخر الدين المعني، مدعوماً من عمر باشا والي طرابلس العثماني، على أملاك آل سيفا في عكار حيث أحرقت بيوت وسرايا بني سيفا فيها في العام 1028هـ-1618م. ثم عاد فخر الدين فسار إلى طرابلس فحاصر قلعتها التي استولى عليها بعد معركة عنيفة بالسلاح الأبيض، في حين فر ابن سيفا إلى جبلة، واستمر الحصار على طرابلس حتى مجيء أسطول عثماني صغير إلى شواطئها أجبر المعني على الانسحاب إلى بيروت[18].
هذه الجوامع التي ذكرها وأشاد بأهميتها وبجمال عمارتها الرحالة الدمشقيون، والتي يعود الفضل في إنشائها لسلاطين وحكام العصر المملوكي، بقي جلها على امتداد قرنين وحتى صدور كتاب آخر في الرحلات باسم "ولاية بيروت"[19] في العقد الثاني من القرن العشرين أهم وأبرز أماكن العبادة الإسلامية في طرابلس ولم يضف إليها غير الجامع الحميدي الذي يقل عنها سعة وبهاءً وجمال عمارة. بل من المعروف أن تسعة من هذه الجوامع المملوكية ما تزال حتى اليوم قائمة عامرة يؤمها المؤمنون بصورة مستمرة ودون انقطاع وما تزال حتى الآن تشهد بجمال وسناء فن العمارة المملوكي. بل إن هذه الجوامع، القائمة كلها في البلدة القديمة ما تزال الأهم والأكثر اكتظاظاً بالمتعبدين على كثرة ما أقيم منذ الخمسينات من القرن العشرين من مساجد أكثر اتساعاً وأحدث طرازاً وأقرب من المراكز الأكثر نشاطاً والأكثر حيوية في طرابلس.
وأيضاً تنبه هؤلاء الرحالة إلى كثرة الحمامات في طرابلس. وهذا أمر طبيعي في بلد تغزر مياهه وبين أناس تعتبر الطهارة شرطاً أساسياً لممارسة الشعائر الدينية بالنسبة إليهم وخاصة الصلوات الخمس اليومية.
وقد عدد المحاسني تسعة حمامات "غالبهم في غاية ما يكون من حسن البناء والرخام الذي هو في غاية الجلاء". أما النابلسي الذي نزل طرابلس بعد المحاسني بثلثي القرن تقريباً فقد ذكر أحد عشر حماماً وعددها: النوري، عز الدين، الدويدار، الطواقية، العبد، القاضي، العطار، الناعورة، الحاجب، القراقيش والقلعة. وبعض هذه الحمامات ما يزال قائماً وصالحاً للاستعمال اليومي حتى الآن مثل النوري وعز الدين والعبد. أما الحاجب والعطار فقد بقيا في خدمة الناس حتى أتى عليهما فيضان نهر "أبو علي" في سنة 1955.
ولما كانت الاعتبارات الدينية وأيضاً ثقافات وتوجهات هؤلاء الرحالة نحو العلوم الشرعية في أساس تحركاتهم خلال زيارتهم فقد كان من الطبيعي أن يثير انتباههم بشكل خاص ما كان في المدينة آنذاك من مزارات وقبور الصالحين وأيضاً من زوايا وتكايا وخلوات. ومن هنا كان حديث المحاسني عن الحركة الصوفية في طرابلس وعن طرقها وزواياها، فأشار إلى زاوية لابن طبيخ المنسوب للحضرة القادرية، وإلى زاوية له "بأعلى الجبل يقال لها قبة النصر لا يشبهها في حسن مشرفها محل فإنها مشرفة على المدينة وعلى ما احتوت عليه وعلى البحر وسائر النهور الداخلة إليه"[20].
وكان من الطبيعي في هذا السياق أن تشد انتباه الجميع المولوية لأهميتها بالنسبة للحركة الصوفية ولدورها الهام في حياة المدينة آنذاك وكما بدا لهم، وأيضاً لموقعها الطبيعي المميز.
وقد أدهش المحاسني موقع التكية المولوية: "بين جبلين متقاربين أخضرين وهي بذيل أحدهما مبنية بالأحجار مشرفة على وادٍ تخطه الأنهار"[21]. وأكثر ما أعجب النابلسي مجلس الوعظ الذي كان يقيمه آنذاك وباستمرار شيخ المولوية ذو الحشمة والوقار محمد أفندي الرومي والذي حضره أكثر من مرة مستمعاً إلى قراءته وشرحه للمثنوي. وقد أشار المحاسني إلى خلوة في المولوية كانت لشيخها شاركه فيها أكثر من مرة.
وأيضاً ذكر النابلسي دعوة القاضي يحي أفندي إياه لزيارة المولوية "ذات الأنهار الدافقة والمحاسن السنية"[22] حيث التقى عدة من الخلان والأفاضل والأعيان فحادثهم وشاركهم في أبحاث علمية ولطائف أدبية. ولم ينسَ النابلسي في سياق اهتمامه السعي إلى قبور الأولياء والصالحين فذكر زيارته لمقام الولي الصالح الشيخ عبد القدوس حيث كانت تقوم قبتان أحداهما مزار لرجل صالح والأخرى تعلو قبر الشيخ فضل الله المغربي. وهذه الأخيرة ما تزال قائمة بما في ذلك القبر في المنحدر المشرف على المحلة المعروفة بقبر الزيني. ومن منازل الصالحين والأولياء وقف المحاسني عند مزار من كان يجمع أهل طرابلس على ولايته الشيخ مسعود المغربي وكذلك عند قبور الصالحة عيشة البشناتية والشيخ عز الدين وعند مزار الشيخ ششبرك والشيخ عمر والشيخ الهندي والشيخ طقطمر[23] مما لا يعرف الكثير اليوم عما بقي من قبورهم أو مزاراتهم.
وبمقابل هذا الاهتمام الكبير بالمساجد والحمامات ومزارات الأولياء والصالحين، مما يدخل أساساً في صلب اهتمامات هؤلاء الرحالة، نتواجه فيما تركوه لنا من مصنفات بتجاهل تام للمنشآت العامة أكانت حكومية أو خدماتية. فدور الحكم وسرايات الحكام لا تذكر إلا عرضاً وفي معرض زيارة أو لقاء دون إيراد أية مواصفات تساعدنا اليوم في تقويم أهميتها وطراز بنائها وفي تحديد مكان وجودها بالنسبة لما نعرفه عن مخطط المدينة في ذلك الحين. بل إن منشآت هامة وكبيرة الدور آنذاك بالكاد نقلوا لنا اسمها. فالمحكمة الكبيرة[24] في طرابلس لا تذكر إلا عرضاً وباعتبارها مجاورة لجامع الأويسية وفي سياق الحديث عنه كما عند المحاسني. وقلعة طرابلس الهامة، والتي ربما كانت أبرز معالم طرابلس آنذاك لا يذكرها العطيفي إلا عرضاً وفي سياق الحديث عن الغزل بغلام تركي[25]. والنابلسي يمر في الحديث عنها مرور الكرام مكتفياً بذكرها في سياق تعريف للمدينة أورده نقلاً عن البوريني[26]. والمحاسني وحده يقدم معلومة محددة عن هذه القلعة فيصفها بأنها تقع في: "ذيل الجبل محكمة البناء يصعد إليها ببعض الدرجات"[27] وذلك في سياق الحديث عن فرقة القبة قولي Kapi Kulu عبيد السلطان المقيمة فيها.
والمنشأة المدنية الوحيدة التي لفتت أنظار هؤلاء الرحالة هي قناطر البرنز التي كانت تنقل المياه إلى مدينة طرابلس من فوق مجرى نهر "أبو علي". فالبوريني وصف القناطر بأنها: "عالية" تنقل المياه من أماكن مرتفعة وبعيدة وقد بناها البرنس وهو "ملك من ملوك النصارى كان ملكاً في ولاية طرابلس"[28] والمحاسني أيضاً توقف عند هذه القناطر ولكن بأكثر من التروي والاهتمام فوصفها بأنها: "عبارة عن وادي عظيم يقال له وادي السبعة بين جبلين وجسر عظيم مبني من الجبل إلى الجبل، يجري الماء عليه في ساقية ويأتي إلى المدينة وهو ماء البلدة ولأجل ذلك نرى الأماكن العالية كالقصور فيها الماء يجري"[29].
أما النابلسي فإنه لا يذكر هذه القناطر على أهميتها كمنشأة عامة لكل المدينة إلا في سياق الحديث عن خروجه من طرابلس بعد انتهاء زيارته إذ سلك الطريق الموازي لمجرى نهر "أبو علي" باتجاه قرية إيعال. ذلك أنه في طريقه شاهد القناطر فوصفها بأنها: "سامية وأبنية عالية، يجري فوقها نهر عظيم... ويقال إن هذه القناطر من بناء الجاهلية"[30] دون أن يكلف نفسه حتى عناء السؤال عن بانيها. وقد بقيت هذه القناطر من فوق ما يسمى وادي المرجة قائمة تنقل المياه العذبة إلى بعض أحياء طرابلس القديمة، حتى بعد تأسيس مصلحة مياه رشعين، إلى أن دمرها فيضان نهر "أبو علي" في سنة 1955 فأفقد المدينة أحد أبرز منشآت طرابلس في العصور الوسطى. وقد أشار النابلسي إلى جسر مجاور للقناطر كان عليه أن يجتازه للمرور إلى طريق إيعال من فوق مجرى النهر يعرف باسم جسر المحمودية[31]، ما تزال قاعدة هذا الجسر وقنطرته الرئيسية في مكانهما يعلوهما جسر آخر من الباطون يرتكز إليهما، أقامته القوات البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية.
وبمقابل إهمال الرحالة للمنشآت العامة من رسمية وخدماتية بصورة كبيرة فإنهم أولوا متنزهات المدينة آنذاك اهتماماً كبيراً إذ كانت عنصراً أساسياً في إقامتهم في المدينة. فمنطقة رأس النهر الواقعة عند مصب نهر "أبو علي" في البحر كان لها نصيب كبير من اهتمام الرحالة بها ذلك أنها كانت على ما يبدو أحد أبرز متنزهات المدينة ومقصد أبناء طرابلس في نزهاتهم وربما في ولائمهم.
والواقع أن هذه المنطقة بقيت كذلك لزمن طويل وحتى منتصف القرن العشرين على ما أعلم وأذكر. فالعطيفي زار ذلك المنتزه حيث أولم له فيه أحد أصدقائه وبالغ في إيراد أوصافه فقال: "مكان به مرج أخضر يشق النهر الذي يمر في المدينة وينصب هناك في البحر له مرآى عجيب وشكل غريب يسمى ذلك المكان برأس النهر معد للتنزه كمرجة دمشق ومن حوله بساتين بها أزهار وأطيار.."[32]. والمحاسني ذهب إلى هذا المكان في عزومة الأفندي والمتسلم فوصفه بأنه: "مرج أخضر عريض وروض مزهر أريض وبه نهر جاري وإلى البحر داخل.."[33].
والنابلسي قد مر في هذا المنتزه عرضاً في طريقه إلى منتزه آخر مجاور كان دعاه إليه والي طرابلس أرسلان محمد باشا يدعى عين أصلان فيه نبع ماء مجاور لمجرى نهر "أبو علي" وقريب من شاطئ البحر. وهذا الينبوع ما زال قائماً بشكله القديم حتى يومنا هذا بجانب سكة حديد طرابلس – حمص. وفي عودة النابلسي ورفاقه إلى دار للباشا على شاطئ البحر كان لا بد أن يمر أمام أبراج طرابلس التي اكتفى من الحديث عنها، على عظيم أهميتها على زمنه وبالنسبة لنا أيضاً، بهذا الوصف السطحي الذي لخصه بقوله: "ورأينا هناك الأبراج الرفيعة السامية البديعة كأنها الكواكب السبعة تزهو بتلك الطليعة"، مما لا يساعد إطلاقاً على معرفة أحوال تلك الأبراج آنذاك ولا يقدم لنا أية معلومة قد تساعد على تفسير الحال الذي نراها عليه الآن.
وبوصول النابلسي إلى الأسكلة أو مينا طرابلس بدعوة من صديقه آغا المينا حسين آغا ما استطاع أو ما أراد أن يتعامل معها إلا على أساس أنها منتزه دعي إليه فأكل ما يسره الله له من المآكل النفيسة وقام مع الصيادين بنزهة في البحر لصيد السمك. وقد اكتفى النابلسي فوق ذلك بوصف عظمة القصر العظيم الذي حل فيه وبذكر أنواع السفن التي كانت ترسو في البحر آنذاك بأسمائها فقط[34] متفادياً أي حديث مفيد عن أوضاع المرفأ، وعن الحركة التجارية فيه، وعن مراكز للتجارة من محلية أو أجنبية كانت هناك، وأيضاً عن أسواق البلدة وعن ناسها من عرب وأجانب على وفرة هؤلاء آنذاك على ما نعلم. والنابلسي وقد زار المينا أكثر من مرة ولم يفدنا بأي جديد أو قيم أو طريف يزيد معارفنا عن هذه المحلة الهامة بأكثر مما زودنا به المحاسني قبل ثلثي القرن حين وصفها بأن "بها سبعة أبراج عظام وجامع منور مشرف على البحر وسوق وخان"[35].
وينفرد المحاسني في الحديث عن مياه تنبع قريباً من البحر تحت دير مار يعقوب وتمتاز بخفتها مما كان يجعل كثيرين من أبناء طرابلس يقصدونها للنزهة ولقضاء عطل يوم الجمعة وأيضاً كان البعض يتزود منها بمياه الشفة لنقاوة هذه ولخفتها. وقد بقي هذا الينبوع يفيض بمياهه الغزيرة حتى الخمسينات من القرن العشرين حين غارت هذه في باطن الأرض بعد أن قامت السلطة بجر مياه نبع هاب إلى طرابلس والذي كان على ما يبدو مصدر مياه هذا الينبوع.
وإلى جانب ذلك يحدثنا المحاسني عن منتزه يدعى صدر الباز دعاه إليه أحد أعيان طرابلس لا نعرف نحن اليوم شيئاً عنه غير ما يذكره الدكتور تدمري من أنه كان في مكان قريب من البحر على مجرى نهر "أبو علي" في خارج طرابلس.
والملاحظة الهامة هي أن هذه المتنزهات التي حدثنا عنها رحالة القرن السابع عشر، بقيت هي هي تقريباً وكما يخبرنا كتاب "ولاية بيروت" حتى مطالع القرن العشرين بحيث ما زاد عددها أبداً على امتداد أكثر من قرنين من الحكم العثماني مما يندرج بشكل أو آخر في سلبيات هذا الحكم بالنسبة للمدينة.
الإدارة في طرابلس
على كثرة ما كان لهؤلاء الرحالة من صلات وثيقة بالدولة العثمانية العلية وبرجالاتها وحكامها في بلاد الشام عموماً وبدمشق وطرابلس بصورة خاصة، ونذكر في هذا السياق النابلسي بالذات الذي طالما كانت له كما لعائلته أوثق العلاقات وأفضل الصلات بالسلطنة ورجالها، فإنهم قليلاً ما خرجوا من إطار اهتماماتهم الدينية ليتعاطوا بالشأن العام ولو من باب النظر والدرس بما كان يسمح لهم ربما بفهم أفضل لحياة المدينة وناسها ينقلونه في سياق ما كتبوه وسطروه وأخبروا به.
المحاسني وحده شذ عن هذا الأسلوب وتعاطى بشكل أو آخر مع الإدارة المحلية بما سمح له بأن يمدنا عبر ما كتبه ولو بالقليل من المعارف عن حال هذه الإدارة على عهده، أي في النصف الأول من القرن السابع عشر مورداً ذكر أهم المناصب الإدارية والمالية في مدينة طرابلس مع إشارات تقل أو تكثر لبعض واجبات ومهمات أصحابها بما يساعدنا اليوم على تصور أفضل لتركيبة الجهاز الذي كان آنذاك ينظم شؤون طرابلس ولآلية عمله.
ومن المعروف أن المحاسني قد حل في طرابلس في فترة المتغيرات الهامة التي تلت سقوط أسرة آل سيفا التي طالما مارس رجالاتها شيئاً من الاستقلالية في إدارة شؤون ولاية طرابلس وجنوح الدولة العلية لممارسة شكل من أشكال الحكم المباشر القوي والفعال في طرابلس ومحيطها. وسنحاول هنا أن نعرض لوضع أهم مناصب الحكم والإدارة في طرابلس انطلاقاً من نصوص المحاسني:
- والي طرابلس: كان الوالي في طرابلس يمثل الدولة العلية وسيدها بما كان لهما من سيادة وسلطان لا حدود لهما في كل أرض الولاية. وعند نزول المحاسني في طرابلس في أواخر العقد الرابع من القرن السابع عشر كان يشغل منصب الولاية الرجل القوي، والظالم حسب نص المحاسني[36]، شاهين باشا الذي تولى القضاء على حكم آل سيفا وأباد العائلة عن آخرها. وبعد أن نقل هذا الوالي إلى منصب آخر حل مكانه درويش باشا الذي ما طالت ولايته كثيراً ليستبدل بمحمد الأرناؤوط الرجل القوي والنافذ الذي ألحقت بسيادته منذ سنة 1052هـ - 1642م بيروت وصيدا. ثم تولى بعد ذلك ولاية طرابلس حسن باشا. ويبدو أن ولاية طرابلس كانت هامة جداً بالنسبة للدولة العلية إذ كان ينتقل منها أحياناً بعض الولاة إلى مراكز كبرى في السلطنة وحتى إلى الصدارة العظمى.
- المتسلم: ولأن صلاحيات الوالي كانت تشمل المدينة كما سائر مناطق الولاية الواسعة فكان أحياناً ينوب عنه أثناء غيابه، وربما أيضاً يهتم بالأمور المباشرة للمدينة موظف يدعى المتسلم. وكان متسلم طرابلس أثناء إقامة المحاسني فيها محمد آغا معيناً من قبل شاهين باشا.
- الدفتردار: كانت طرابلس، ومنذ بداية الحكم العثماني ترتبط، كما دمشق، بدفتردارية حلب صاحبة الاختصاص الكامل في الشؤون المالية. وفي سنة 975هـ - 1567م صارت لدمشق دفتردارية خاصة ألحقت بها شؤون طرابلس المالية باستثناء واردات الميناء ومقاطعة الحرير. إلا أننا نكتشف من خلال نصوص المحاسني وجود دفتردار خاص بمدينة طرابلس دون أن يشير إلى بداية وجود هذا المنصب[37]. يضاف إلى ذلك أن الصيغة التي يشير بها المحاسني إلى ذلك تعني أن انتقال مراد أفندي من دفتردارية دمشق إلى دفتردارية طرابلس تحمل طابع التكريم مما يشير إلى أهمية ذلك المنصب في طرابلس آنذاك.
- المحاسبجي: وكان يساعد الدفتردار في جباية الضرائب وفي ضبط مصاريف خزانة الدولة موظف يدعى المحاسبجي كان أولاً جعفر أفندي إلا أنه مع ارتقاء شاهين باشا إلى سدة الولاية أسند هذا المنصب الهام إلى محرم أفندي[38] المعروف بلطفه وظريف حديثه.
- المقاطعجي: وكان يشغل هذا المنصب آنذاك محمد أفندي ابن نوح باشا.
- التذكرجي: وهو منصب ذو طبيعة مالية يذكر المحاسني أنه كان يشغله آنذاك رجل يدعى رجب أفندي ابن إدريس. وكان من مهمات هذا الموظف أن يساعد الوالي في دراسة ما يقدم له من التماسات وأيضاً الاهتمام بالامتيازات التي تعطى لأصحاب الاقطاعات.
- الروزنامجي: ويقوم بتدوين النفقات اليومية. وكان يشغل هذا المنصب آنذاك محمد أفندي من مدينة آق شهر[39] في الأناضول.
- المقابلجي: وكان يدقق في المعاملات الواردة إلى حكومة الولاية أو الصادرة عنها. وكان يشغل المنصب أثناء وجود المحاسني شخص يدعى محمد أفندي من مدينة آق شهر في الأناضول.
وإلى جانب هذه الطبقة من الموظفين المهتمين بالشأنين الإداري والمالي، يشير المحاسني إلى موظف عسكري كبير يسميه قرط آغا يرأس القوة العسكرية الخاصة المقيمة بصورة دائمة في القلعة والمنتمية إلى فئة في الجيش العثماني تعرف باسم قبة قولي (عبيد السلطان).
وإضافةً إلى ذلك كان للقلعة آغا خاص يدير شؤونها كان آنذاك الحاج أحمد.
ويمكن بالنسبة لهذه الهيكلية الإدارية أن نلاحظ أموراً عدة:
أ- كان لبعض الوظائف الحساسة خليفة أو وكيل يمكن الاعتماد عليه بدرجة كبيرة يسمى خليفة. فكان مثلاً لكل من المحاسبجي والروزنامجي خليفة أو وكيل كما يروي المحاسني. وكان لآغا القلعة العسكري خليفة أيضاً يسمى الكدخدا.
ب- يلاحظ أن كل الموظفين المدنيين والعسكريين كانوا من الأتراك أو من أصول تركية وأيضاً ممن يجيدون اللغة التركية. وهذا يتوافق مع ما أشرنا إليه سابقاً من اعتماد العثمانيين بعد القضاء على عائلة آل سيفا الحكم المركزي المباشر والقوي ولو جاء وبدرجة كبيرة على حساب السكان المحليين.
ج- يلاحظ أن بعض الموظفين قد عبروا إلى الوظائف الإدارية من أسلاك عسكرية أو أنهم أبناء عسكريين.
الوظائف الدينية:
كانت للوظائف الدينية أهمية بالغة زمن العثمانيين. وهذا أمر طبيعي في دولة يرأسها أمير المؤمنين خليفة المسلمين ومبرر حكمها لشعوبها من غير الأتراك التزامها الإسلام كدين تعمل على حماية أهله وتدافع عن مصالحهم. ومع أن العثمانيين اعتمدوا دوماً بصورة رسمية المذهب الحنفي في تنظيماتهم القضائية وفي محاكمهم كما في دوائر حكمهم فإن هذا ما عنى بحال من الأحوال إلغاء أو القضاء على المذاهب الأخرى. وكان هذا واضحاً فيما لاحظه هؤلاء الرحالة في مدينة يعتمد بعض ناسها مذهب الدولة الرسمي ويلتزم آخرون المذهب الشافعي، كما أبرزوا هذه الازدواجية في طرابلس بالذات على امتداد القرن السابع عشر. فعندما زار العطيفي طرابلس في سنة 1043هـ/ 1634م كان من بين من قابلهم واجتمع بهم من العلماء محمد أفندي ابن الضني مفتي الأحناف والشيخ عبد الكريم الحموي مفتي الشوافعة[40]. وأشار إلى مثل ذلك أيضاً المحاسني في زيارته لطرابلس بعد سنوات خمس فذكر انه التقى المفتي الشافعي فيها وكان آنذاك الشيخ عبد الكريم ابن الشيخ مصطفى الحموي[41]. كما التقى كثيراً بالمفتي الحنفي الشيخ مصطفى بن كرامة[42].
والنابلسي أيضاً أشار إلى مثل هذه الازدواجية عندما زار طرابلس للمرة الأولى سنة 1105هـ/ 1694م فذكر لقاءه المفتي الحنفي الشيخ هبة الله أفندي كما أشار إلى وجود آخر للشافعية، وإن لم يقابل هذا الشيخ.
وكما كان هناك دائماً وعلى امتداد القرن السابع عشر للميلاد لاتباع المذهب الشافعي مفتي، ولاتباع المذهب الحنفي الرسمي مفتي آخر، كان دائماً في الجامع الكبير خطيب للحنفية وخطيب للشافعية.
ومما سطره الرحالة المذكورون من أخبار وملاحظات حول الوظائف الدينية، وما أورده هؤلاء من أسماء ومواقع أصحابها في المجتمع الطرابلسي يمكننا أن نستنتج ما يلي:
1- كان المفتون والقضاة وأئمة وخطباء المساجد يختارون دائماً من بين كبار أهل العلم والمعرفة. وجل من ذكر في مصنفات هؤلاء الرحالة كانوا من الضالعين في العلم الديني ومن أصحاب النظريات والفتاوى والمصنفات.
فما من واحد من هؤلاء إلا وكان من أصحاب المكتبات ومن البارعين في اللغة والشعر. ويكفي أن أسوق على سبيل المثال اسم قاضي طرابلس عبد الكريم الكنفرلي على زمن المحاسني والذي كتب على ما قال تسعين كتابا[43].
2- كان الموظفون الدينيون عموماً على صلة وثيقة بالدولة ورجالها مما كان يؤمن لهم من أسباب الرزق ما يحتاجون إليه ومن المكانة الاجتماعية ما يتوافق مع متطلبات دولة دينها الإسلام. بل إن بعض هؤلاء كانوا على درجة كبيرة من الثراء تسمح لهم بفاخر العيش. وقد أشار إلى مثل ذلك العطيفي حين وصف لنا دار مفتي الحنفية في طرابلس بقوله: "دخلت داره فرأيته جالساً في إيوان حيطانه كلها بالرخام المنوع وفرشه بالحرير والجوخ الملون وبين يديه مماليك في أعلى طبقات الجمال والأدب والكمال"[44].
3- جل علماء طرابلس من مفتين وقضاة وأئمة كانوا يجيدون اللغة التركية قولاً وكتابة ونثراً وشعراً. إنما توفر كل هذه العناصر من بشرية وتنظيمية ودعم من السلطة ما كان يعني أن أمور الأجهزة الدينية كانت على ما يرام. وقبله المحاسني وجه انتقادات لا حصر لها للمحاكم الشرعية وطرق عملها في طرابلس. لقد لاحظ المحاسني أن موظفي المحاكم الشرعية من كتبة ورؤساء كتبة ليسوا على مستوى رفيع من الأخلاقية والانضباط. فرئيس كتاب محكمة طرابلس على زمنه "الناس يتكلمون فيه ولا أحد يحبه وأخوه كاتب المحكمة يقال له محمد وليس أحمد". وهناك كاتب آخر اسمه الشيخ محمد البتروني هو "في غاية العي والعجز والقصور"[45].
وقد لاحظ المحاسني فوق ذلك أن المحاكم الشرعية لا تعتمد دوماً السجلات الرسمية المنظمة للعمل مما قد يفضي أحياناً إلى ضياع حقوق الناس. ويعطي المحاسني مثالاً على ذلك عقود الزواج التي يوقع القاضي في رأسها على بياض ويسمي فيها رجلاً قد يكون من العلماء وقد يكون من العامة ثم يدفعها لمن يعقد العقد دون قيود رسمية أو تسجيل ثابت...
الحياة العقلية في طرابلس:
من مجمل ما سطره رحالة القرن السابع عشر للميلاد عن الحياة العقلية، أكان ذلك في مجالات العلوم الفقهية والدينية التي كانت محط اهتمامهم بالدرجة الأولى أو في مجالات الأدب والشعر، نستطيع أن نلاحظ أن المدينة كانت قد بدأت بالفعل ومنذ مطالع القرن المذكور مرحلة تخلف وتراجع كانت ربما بمثابة مقدمة لمرحلة انحطاط أعم وأقوى ستشهدها القرون التالية. وليس من دليل على ذلك أفصح من إشارة النابلسي إلى أن تلك الثلاثمائة والستين مدرسة التي طالما كانت تشع علماً ومعرفة على من في طرابلس كما على من كانوا بقربها وحولها في العصر المملوكي كما في أوائل الحكم العثماني رآها هو في أواخر القرن السابع عشر وقد تهدم أكثرها وصار غالبها يفتقر لمن يعلم فيها وأيضاً لمن يتعلم. وربما كان طبيعياً ومفهوماً متى تذكرنا مرحلة الاضطراب والصراعات القبلية والعشائرية التي شاعت على امتداد بلاد الشام طيلة الثلث الأول من القرن السابع عشر التي خلفت دماراً وخراباً وهجرة ليس في طرابلس وحدها وإنما في كل محيطها القريب والبعيد. ولقد لفتت هذه الظاهرة أنظار المحاسني في أثناء انتقاله من دمشق إلى طرابلس في نهاية هذه الحقبة الموجعة فسجل بعض أشكالها المؤسفة.
لقد لاحظ المحاسني عندما مر بقرية دمر ما فعلته بها الأحداث فوصفها بالتالي "جار عليها الزمان ولها دمر" كما أشار عند مروره بقرية بليتار أن مسجدها "يحتاج إلى مصلي ولو ولد صغير" وفي بعلبك كما في عكار أشار إلى ما رأى من أبشع صور الخراب والدمار.
إنما مع كل هذه السلبيات كان هناك وكما رأى كل هؤلاء الرحالة طبقة كبيرة العدد من أهل العلم والوجاهة ما تزال حريصة على المحافظة على تراث قديم وعريق للمدينة في مجالات العلوم والآداب. فمع القطيفي والمحاسني والنابلسي كانت تتوالى أسماء علماء وأئمة وفقهاء ومفسرين وشعراء من أبناء المدينة على درجة كبيرة من الحيوية والفعالية والتأثير في مجتمع المدينة. ويمكن الجزم بأن هذه الفئة من الناس كانت دوماً في قمة المجتمع الطرابلسي وواجهته الثقافية والحضارية. بل أكثر من ذلك كان واضحاً أن أبناء هذه الطبقة من المفتين والأئمة والقضاة والخطباء والشعراء والأدباء لا يتلاقون أينما تلاقوا في المساجد كما في المنتدبات وفي البيوت كما في المنتزهات، إلا حول أحاديث العلم والأدب ولا يتناقشون إلا في قضايا الدين والتشريع. وفوق ذلك نلاحظ من خلال ما كتب وسطر أن ذلك التقليد الخير في اقتناء الكتاب والذي أطلقه بقوة بنو عمار كان ما يزال حياً وفاعلاً بين علماء طرابلس في القرن السابع عشر. فالمحاسني والنابلسي لا يكادان يذكران عالماً أو أديباً أو مفتياً إلا ويتوقفان عند ما كان عنده وما نسخه وأحياناً ما وضعه وصنفه من الكتب في مختلف أبواب العلم الديني وأيضاً في الأدب واللغة والشعر والحساب والفلك. بل يمكن التأكيد أن طرابلس آنذاك كانت تضم عدداً كبيراً من المكتبات الخاصة الغنية بكل مفيد وطريف ولكن أيضاً بما يؤكد أحياناً ما أشرنا إليه من بدايات التراجع والتخلف.
وفي سياق الحديث عن الحياة العقلية وعن أوضاع وأساليب عمل أهل العلم في طرابلس في القرن السابع عشر للميلاد يمكن من خلال ما كتب وسطر لنا الرحالة الثلاث تسجيل الملاحظات التالية:
- من البوريني إلى المحاسني فالنابلسي في رحلته الثانية، أي على امتداد قرن كامل نرى أن العلم ومعه المناصب الهامة والمميزة يتواجدان في عائلات معروفة من الأب للإبن والحفيد. بل نلاحظ وكأن عائلات معينة قد احترفت العمل في مجالات العلوم من دينية وغيرها. نذكر في هذا السياق عائلات السيرى، الجاموس، هبة الله، سنين، الميقاتي، مرحبا، كرامه، والعائلات الثلاث الأخيرة بقيت هكذا حتى القرن العشرين.
- هذه الطبقة من أهل العلم كانت وثيقة الصلة بالسلطنة العثمانية باعتبارها دولة الخلافة فكان أبناؤها دوماً في الوظائف الدينية الكبرى وفي صدارة المجتمع الرسمي المحيط بالحكام، بل وكما نرى على امتداد كتاب النابلسي كانت بعض جلسات أهل العلم تقام وبصورة شبه دائمة في دار الوالي وبحضوره وبمشاركته أحياناً.
- طبقة أهل العلم كانت على صلة وثيقة باللغة التركية مما يشير إلى التأثير المتزايد للغة الفاتحين الحاكمين في أوساط السكان المحليين من العرب. فالعنتابي أحد أفاضل الدراويش المولوية كان صاحب: "ديوان شعر بالتركية يتضمن الغزل الرقيق"[46] وأيضاً لمحمد أفندي الروزنامجي ديوان شعر[47] بالتركية.
- وعلى نشاط أهل العلم وكثرة نقاشاتهم ومجادلاتهم، فإن مظاهر التخلف والتراجع تظهر أحياناً وبوضوح من خلال ذلك، فنقاشاتهم والمسائل التي تطرح للبحث والحل قد تكون أحياناً أقرب للمجادلات العقيمة والافتراضات شبه المستحيلة بعيداً جداً عن واقع الناس وحاجاتهم. وقد أورد النابلسي الكثير من الأمثلة والنماذج على ذلك.
وفي مكتبات علماء طرابلس الغنية بالقيم والمفيد نجد أحياناً وقد خرج منها للبحث والمناقشة بما لا يفيد الناس كثيراً. ففي حين يطرح للقراءة والمناقشة تفسير القاضي البيضاوي ورسائل الحموي والقهستاني ينشغل البعض برسالة "الأظفار في تقليم الأظفار" و "في أرخاء طرف العمامة"[48].
- هذه الطبقة من العلماء وأهل الأدب والشعر، كانت إلى حد ما تشكل عالماً أو مجتمعاً قائماً بذاته موفور الموارد، مستغنٍ عن العمل والانتاج المادي وبعيد جداً عن حياة العامة ومشاكلها وقضاياها وحتى عن أنماط وأساليب عيشها حتى إنه يمكن الافتراض بأن سداً أو سوراً كان يفصل أبناءها عن ناس المدينة. ولعل هذا قد يفسر لنا عدم اتصال رحالة القرن السابع عشر بالمدينة وأهلها بشكل كامل خاصة وأنهم هم أيضاً كانوا من أبناء طبقة مماثلة لها في دمشق. ومن هنا رأينا مصنفات هؤلاء الرحالة ترسم لنا صورة غير كاملة أو حتى نصف صورة لطرابلس القرن السابع عشر، باعتبار أن التجارة والزراعة والصناعة وأيضاً فنون وحرف وأساليب عيش العامة بقيت غائبة عنها بالكامل. ومن هنا فإننا في النهاية لا نزعم بأننا نقدم الآن كتابات هؤلاء الرحالة إلا صورة غير مكتملة أو بعبارة أوضح نصف صورة لما كانت عليه طرابلس في القرن السابع عشر.
[1] - رحلة إلى طرابلس الشام، ص217، رمضان العطيفي، مجلة الدراسات العربية بيروت.
[2] - رحلة إلى طرابلس الشام، ص218.
[3] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص، 28تحقيق محمد عدنان بخيت,
[4] - نفح الطيب من عصف الأندلس الرطيب المقري، مقدمة إحسان عباس، ج1، ص302.
[5] - التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، ص34، المعهد الألماني للأبحاث الشرقية- بيروت.
[6] - التحفة النابلسية في الرحالة الطرابلسية، ص34.
[7] - التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، ص1.
[8] - الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز، ص10، تحقيق تدمري مجلة تاريخ العرب والعالم.
[9] - رحلة إلى طرابلس الشام، ص217.
[10] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص 81.
[11] - التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، ص72.
[12] - التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، ص72.
[13] - عمر تدمري: تاريخ وآثار مساجد ومدارس طرابلس، ص330 .
[14] - رحلة إلى طرابلس الشام، ص222.
[15] - التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، ص72.
[16] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص81.
[17] - رحلة إلى طرابلس الشام، ص218.
[18] - Fakhreddine Π Maan Michel Chebli P. 83.
[19] - رفيق التميمي؛ ومحمد بهجت: ولاية بيروت، ص173.
[20] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص73.
[21] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص75.
[22] - النفحة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، ص74؛ المنازل المحاسنية، ص8.
[23] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص85-86.
[24] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص84.
[25] - رحلة إلى طرابلس الشام، ص218.
[26] - الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز، ص10.
[27] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص85.
[28] - الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز، ص10.
[29] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص86.
[30] - التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، ص95.
[31] - التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، ص95.
[32] - رحلة إلى طرابلس الشام، ص218.
[33] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص87.
[34] - التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، ص68-71.
[35] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص86.
[36] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص11.
[37] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص28.
[38] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص77.
[39] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص79.
[40] - رحلة إلى طرابلس الشام، ص219.
[41] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص64.
[42] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص78.
[43] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص62.
[44] - رحلة إلى طرابلس الشام، ص219.
[45] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص80.
[46] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص74.
[47] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص11.
[48] - المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، ص88-90..