المهندس رشدي سلهب
الأستاذ معتز مطرجي
إن الاقدار تجعل للانسان سمعةً مدويةً، نتيجة عمل مبدع او انجاز كبير، تلك السمعة المترددة بين آسيا والبرازيل تتوقف عند الجهد المثمر والعبقرية الفذة، التي ساعدت على سيرورة ذكر رشدي سلهب عبر السنين ليصبح حديث الاجيال، واخاله لن ينقطع ما قُرئ تصميم هندسي انمائي أو نفذ مشروع سد مائي.
لقد ادرك رشدي سلهب وهو في بدايات القرن العشرين أن الماء ليس مهماً للحياة فحسب بل إنه الحياة نفسها، وان قضية المياه واستخدامها، ستكون من أهم قضايا العالم التي ستأخذ طابع الصراع، تلك الأنهار التي تجري من خلال حدود الدول بين المنابع والمصبات، فذهب الى عاصمة الدولة العثمانية استنبول ثم الى عاصمة النور باريس ليتخصص بهندسة المياه والسدود وينال الاعجاب.
رشدي سلهب مهندس قدير اثبت جدارة عالية فخدم موطنه طرابلس ورفع فيها المستوى الصحي والبيئي، فصمم خزاناتها المائية ونفذ شبكة الانابيب التابعة لها، وقبلها اعطى كلاً من سوريا وتركيا والبرازيل مشاريع مائية ناجحة وناجعة، فكرّمته حكومات هذه البلاد ووضعت لوحات تذكارية اعترافاً بفضله ومقدرته، حتى أن رئيسة دير صيدنايا شمالي دمشق حملت صرة من الليرات الذهبية وقدمتها له جزاء عمله، فاعتذر بكبرياء وانفة وعفة نفس عن تسلم اي شيء، واعتبر ما قام به عملاً لوجه الله وخدمة الانسانية.
ولد رشدي سلهب في طرابلس سنة 1885 ونشأ في كنف أب شفيق هو الشيخ أحمد سلهب وأم حانية هي خديجة عدوي،وحظي بعلماء أجلاء ولاقى اساتذة في الدين واللغة، ودخل كتاتيب ذلك الزمان، شأنه شأن العشرات والمئات من أبناء الفيحاء فتربى وتدّين وتثقف وسافر الى استنبول وتابع دروسه فدخل كلية الهندسة، ثم توجه الى باريس والتحق بالمدرسة العالية للأشغال العامة، وتخصص بهندسة المياه والسدود، وبعد تخرجه عمل في فرنسا ثم أنتقل الى تركيا فسوريا ولبنان، وكان في كل هذه البلدان يتسلم ادارة مشاريع الاشغال العامة، وطلبته حكومة البرازيل واختارته من بين عدد من المهندسين الاكفاء في انحاء العالم ليقوم بتصميم وتنفيذ مشروع حماية مدينة ريو دي جينيرو من كوارث السيول والأمطار التي كانت تؤرق هاجس السكان في فصل الشتاء.
وقصة مياه دير صيدنايا (الشهير بدير السيدة، هو مزار بناه الامبراطور البيزنطي الشهيد يوستينيانُس) قصة يرويها المهندس فريد رشدي سلهب بكل فخر واعتزاز بواسطة صديقتنا الاستاذة هدى سلهب فيقول:
بعد أن يئست رئيسة الدير من استشارة المهندسين الكثر، الذين أفادوها بعدم جود ماء، طلبت من مترجمنا، وقد ذاع صيته في البلاد، دراسة امكانية حفر بئر، وافادها بتوفر المياه على عمق سبعين متراً، وباشرالعمّال فوراً الحفر اليدوي، ومنعهم من استعمال المتفجرات لأن ذلك يضر بعملية ظهورالمياه، واستمروا في الحفر حتى وصلوا الى العمق الذي حدده، ولم ينفجر الماء كما وعد، بل وجدوا طبقة رطبة، فأشار رشدي سلهب بالحفر ثلاثة أمتار ايضاً، واذا بالماء يسري بغزارة.
ومن المشاريع المائية التي نفذها:
1- مشروع مياه الفيجه
2- مشروع مياه بورصة في تركيا.
والمهندس رشدي سلهب ينتمي الى أسرة سلهب الطرابلسية التي تقول المصادر التاريخيه أنها ترجع بأصولها الى بني تميم في فلسطين، وتميم قبيلة عربية انجبت أعظم شعراء الجاهلية، وكانت لغتها حجّة بين لغات القبائل، ومنهم الصحابي تميم الداري، وسلهب اسم عربي يعني الطويل من الرجال.
لقد غدا رشدي سلهب، وهو اللقب الذي منحه اياه السلطان العثماني، واثبتوه على لوحة التكريم، غدا عاملاً في ثراء الهندسة المائية، وليكون مثلاً يحتذى في تصاميمه وانجازاته، فكان من الحق أن يذكر بالفضل وهو به حري.
توفي في طرابلس سنة 1949، وكان له جنازة مشى فيها اعيان وعلماء البلد، رحمه الله.