واصف علي البارودي
(1897-1962)
ولد في طرابلس، وتعلم في مدارسها. تزوج من كريمة الشيخ محمد الحسيني الذي كان له أثر بعيد في حياته الفكرية، وأنجب منها ولدين هما الدكتور عصام القاضي المعروف، والدكتور هشام الطبيب الاختصاصي في جراحة العظم.
بدأ حياته الوظيفية معلماً فمفتشاً معاوناً فمفتشاً للتعليم الثانوي، فرئيساً لمصلحة التفتيش، فأميناً عاماً لدار الكتب الوطنية.
طالع أمّات الكتب في التربية وعلوم البيداغوجيا، واستطاع أن يكوّن لنفسه شخصية فكرية مميزة أهّلته، باحثاً ومنظماً، ومحاضراً ومؤلفاً وإدارياً... لأن يكون واحداً من أعلام الفكر التربوي، لا في لبنان وحده، بل في العالم العربي. وقام خلال تمرسه بالوظيفة ببعض رحلات إلى أوروبا، كما اشترك بعدد من المؤتمرات التربوية والثقافية التي عقدت في بعض الدول العربية. وأرسل في بعثة إلى باريس استمرت بضعة أشهر تدرب خلالها على التفتيش المدرسي وذلك في معهد سان كلود.
كان البارودي صاحب قضية، وقضيته هي التربية، ومحور قضيته هو الإنسان، وقلب هذا المحور هو الشباب... فالشباب هو الأمل وهو المرتجى... لذلك يدعوه إلى أن يكون هو ذاته، ويحثه على الثورة والتحرر، نابذاً التقليد وداعياً إلى التجديد.
ولم يكن البارودي منظّراً يخاطب الشباب من برج عاجي... بل كان معهم ولهم، في قلب العملية التربوية، في مختبرها. ذلك أنه كان يدرّس في دار المعلمين والمعلمات أولاً، في بيروت، ثم في معهد المعلمين العالي في اليونسكو، الذي أنشئ لإعداد أساتذة التعليم الثانوي بعد ذلك.
والحق أنه لا يمكن التأريخ للتربية والتعليم في لبنان، وللفكر التربوي، ولنشاط وزارة التربية الوطنية، تنظيماً وإدارة ومناهج وتفتيشاً وبحوثاً، وتعليماً عالياً... دون التوقف ملياً عند ما قام به المترجم له.
فقد طالب بجعل التعليم الابتدائي الزامياً ومجانياً، وبمنع استخدام الأولاد الذين هم في سن التحصيل الابتدائي وبإنزال العقاب بالآباء الذين يهملون أولادهم وبمن يجرؤ على استخدامهم.
ودعا إلى إصلاح التربية يقول: "الاصلاح لا يرتجل: فأول علاج.. مركب من عنصرين أساسيين هما الاستقرار والتنظيم. فالاستقرار الذي تحتاجه إدارة التربية الوطنية يعني اتباع منهج معين وخطة فنية مدروسة تستمر في السير عليها مهما تبدلت الوزارات، وتغيّر الوزير.. وأما التنظيم الذي تحتاجه وزارة التربية فالهدف منه: إيجاد قسم فني يعمل تحت إشراف المدير العام، ويعطى الصلاحيات التي تقتضيها طبيعة وظائفه فيكون مسؤولاً:
- عن كل ما يتعلق بدراسة المناهج وتطبيقها وطرق التربية والتوجيه والتعليم الإلزامي، ومشاريع تشييد الأبنية وإصلاحها، واستئجارها وإيجاد الأثاث الملائم والأدوات الفنية وغيرها.
- عن تنظيم التفتيش من الوجهة الفنية بصورة خاصة.
- عن دراسة الأنظمة المتعلقة بالمعلمين وحفظ حقوقهم وعرض مشاريعها وتنفيذها.. فيستشار هذا القسم في اختيار المعلمين وترقيتهم ونقلهم وتأديبهم..
ويقترح البارودي الأخذ بالاختبار والتجريب في صياغة المناهج. يقول: "متى وضع مقرر أي مادة، تطبع منه نسخ عدة توزع على المدارس الكبرى لتقول رأيها بعد الدرس والاختبار.. وبعد التنقيح والتعديل على ضوء هذه الاختبارات وغيرها يعرض على الحكومة للنظر في أمر إقراره نهائياً.
ويقترح البارودي إحداث فرع لتخريج المفتشين والمديرين في دار المعلمين العليا وإحداث شهادة خاصة به، على أن يؤخذ طلابه من أفراد الهيئة التعليمية.
ومن أقواله في المربي: "المربي هو روح المدرسة. فقضية القضايا في نظري هي هذه، فإذا كنا نريد تربية وطنية صحيحة تمنحنا نشئاً يستطيع تثبيت الاستقلال والاحتفاظ به، فلنعنّ بالمربي أولاً. يجب أن نهتم به الاهتمام الذي يستحقه وأن نكوّن له الجو الصالح الذي يمكنه من تأدية رسالته الوطنية خير أداء. والمنهاج الذي تضعه الحكومة لكل مدارسها لا يصلح بذاته، ولا لمدرسة واحدة أتقن وضعه والمربي وحده هو الذي يكيفه ويجعله صالحاً.
المربي أولاً: هذا هو شعار المدرسة الحديثة".
وقد أقيم للبارودي حفل تكريمي بعد وفاته في العام 1962 إحياءً لذكراه، وتعاقب على الكلام في شهادات عنه الأساتذة: زهير عسيران ممثلاً نقابة الصحافة، وجورج سالم وفائق الرجي ومحمد الخطيب (مسؤول الإذاعة التربوية في إذاعة لبنان) والدكتور بطرس ديب ممثلاً الحكومة اللبنانية في المهرجان، والدكتور عبد الله الطباع والشاعر سعيد عقل والرئيس رشيد كرامي، والأديبة السورية وداد سكاكيني والرئيس صائب سلام والدكتور طه حسين والدكتور جميل جبر.
فمما قاله الرئيس صائب سلام عنه:
"كان واصف البارودي معلماً، وتلك صفة أصيلة لا تتأتى اكتساباً، وإنما هي تولد مع الإنسان فيشعر صاحبها أنه صاحب رسالة عليه أن يؤديها، فيهبها نفسه وما امتلكت. ولا يهدأ له بال، ولا يطمئن إلا إذا شعّت معرفته على ما حوله وانتقلت إلى من حوله، فانتفع بها الآخرون.. لقد أثر فقيدنا في توجيه التربية والتعليم في هذا البلد، وأفاد العالم العربي كافة من تعاليمه ونظرياته، وذلك أنه كان على اتصال دائم برجال الفكر والثقافة في كل بلد عربي، وكانت له عندهم من المكانة والثقة ما أهّله لعقد أول مؤتمرعربي ثقافي في لبنان عام 1954".
وقال فيه الرئيس رشيد كرامي:
"... كانت له اليد الطولى في ازدهار دار المعلمين، ولم يقنع– رحمه الله-، بممارسة هذه الرسالة مجلياً، بل وضع له أسساً وقواعد نجد إشراقها في كتبه ومؤلفاته ومحاضراته ومقالاته وآرائه التي كان لها دوي في مؤتمرات التربية العربية والأجنبية. وكانت جامعة الدول العربية في نشاطها الثقافي التعليمي تعتمد على أمثال واصف البارودي للاحتفاظ بالتراث العربي الثمين، وصيانته من الضياع والاندثار، عن طريق نقله إلى الناشئة ميناً، نزيهاً.."
وقالت فيه الأديبة السورية وداد سكاكيني:
"... ما كان يبدو إلا على سجيته، باسماً، أنيساً، راعياً للمروءة والوفاء، في زمن تقطعت فيه أواصر الصداقة الخالصة... لقد اختاره مجمع اللغة العربية في القاهرة عضواً فيه.. لقد عاش لغيره وأعطى كثيراً، ولم يأخذ إلا القليل.. لقد فقدنا في غيابه عنا إنسانية تجلت معانيها في سيرته وتقواه وإيثاره قيماً ومفاهيم في التربية والأدب، لن تسمو الحياة بغير الحفاظ عليها والعمل في سبيلها،... وسيبقى اسم الفقيد مقروناً بكلمة التربية في نهضتنا الحديثة"
أما الدكتور طه حسين فقال في تقديمه كتاب البارودي (الحياة والشباب)
"الحياة والشباب كتاب شارك في تأليفه القلب والعقل جميعاً. بثّ فيه القلب قوة العاطفة ورقة الحس وصدق الشعور، وأشاع فيه القلب صواب الرأي ونفاذ البصيرة وبعد النظر وحسن الاستقصاء.. وما أكثر ما في هذا السفر النفيس من طرافة تسر العقل وتمتع القلب وترضي الشعور. ولعل الصدق والحب والإخلاص وسداد الرأي هي أخص ما يمتاز به هذا السفر القيم الممتع من الخصال.
مؤلفاته
ترك البارودي، بالإضافة إلى تقاريره واقتراحاته التربوية التنظيمية، عدداً من المؤلفات أهمها:
1. الحياة والشباب، الطبعة الثانية، وقد قدم له الدكتور طه حسين.
2. التربية ثورة وتحرر، وهو في جزئين:
والكتاب من نشر دار النشر للجامعيين، وطبع في المطبعة التجارية، تاريخ مقدمة الجزء الأول كانون الأول 1957.
3. مقالات في التربية والتعليم، الطبعة الثالثة.
4. وعي الشباب، الطبعة الأولى، سلسلة اقرأ، رقم 150، دار المعارف بمصر، 1955، 156 صفحة.
5. هذا التاج.
6. الشباب بين المثالية والواقع (نفد)
7. المدرسة الرسمية (نفد)
8. المشاكل الاجتماعية وعلم النفس (نفد)
9. تجدد وانطلاق (نفد)
10. الشكليات وروحها في الأديان (الطبعة الأولى)
11. محاضرات في التربية والتعليم. أمثل طريقة لتعليم اللغة هي الطريقة المباشرة لأنها تجعل اللغة سليقة في الولد، مطبعة الكشاف، بيروت، 1972، 73 صفحة مع ثلاثة ملاحق. أهداه إلى أستاذه ومربي روحه الشيخ محمد إبراهيم الحسيني وقال: "أقدم كلماتي هذه، وهي ثمرة من ثمار تثقيفه واثر من آثار دروسه، اعترافاً بما له عليّ من الفضل والمنّة".
12. وله عدا ذلك كتب مدرسية وضعها بالاشتراك مع بعض الأساتذة أهمها كتاب (الأدب العربي في آثار أعلامه) بالاشتراك مع فؤاد البستاني وخليل تقي الدين، ثلاثة أجزاء، بيروت، 1934.