تطور الاوضاع الاقتصادية والمالية
تاريخ انشاء المصارف في طرابلس
وهنا، كان لا بد لنا من استراحة قصيرة، إذ ظهرت على الساعة بوادر اعياء وتململ، وخفنا ان يدركها الصباح وتسكت عن الكلام المباح، فآثرنا الدردشة معها بحديث قد يعيد إليها نشاطها ويخفف عنها بعضاً من همومها.
قلنا: الا تودين سماع ما يطربك مقابل ما أعطيتينا من معلومات؟
ألا تودين سماع أخبار تسرك، مثلما أضفيت على جلستنا البهجة والسرور؟
قالت: أبعدما أصبتموني بالعمى والطرش وأوقفتم دقات قلبي عن الحركة، تحسبونني أنتظر منكم خبراً ساراً؟!..
قلنا: والله لدينا ما يسرّك ويبعث الفرح في نفسك!
وهنا انفجرت أساريرها عن ابتسامة ملؤها الدهشة والرضى، واستعجلتنا بأن نروي ما عندنا، فقلنا:
منذ بعض الوقت، قامت شخصيات وهيئات في المدينة بمراجعة المسؤولين في بلدية طرابلس، بشأن ترميم البناء الذي تجلسين سعيدة في برجه، الذي نحن فيه، وقد ترامى هذا الخبر إلى مسامع السفير التركي في لبنان، حيث أعلن عن رغبته بإجراء الاصلاحات المطلوبة، وإعادتك إلى عز شبابك. وقد كتب إلى حكومته يستأذنها تنفيذ هذا الوعد، خاصة وأنك من أصل تركي، وأتى الجواب بالايجاب، ورصدت الاموال اللازمة لهذا العمل وسوف يباشر المهندسون المختصون أعمالهم في وقت قريب، فهل يسعدك هذا الخبر؟
وكدنا نضيع في غمرة الفرح الجنوني الذي أصاب الساعة، وأن توقعاتنا جاءت في محلها، إذ بادرتنا:
ألا يستحق هذا الخبر أن أعود بكم ثانية إلى الذكريات؟ ماذا تريدون بعد؟
قلنا: ما رأيك لو تروي لنا ما يمكن أن تتذكريه من تطور للاوضاع الاقتصادية والمالية في طرابلس؟
قالت: قد يطول الحديث حول هذا الموضوع، كم الساعة الآن؟
قلنا: لا يزال الوقت مبكراً، ولم ينتصف النهار بعد...
وهنا افتر ثغر الساعة عن ضحكة فيها الكثير من السخرية والألم، قالت: أنا الذي كنت أعرّف الناس على الوقت... وتراني الآن اسأل عن الوقت... يا لسخرية القدر!...
وتابعت تحدثنا عن المصارف ونشأتها وتطورها في المدينة، قالت:
على ما أذكر ان أول مصرف في طرابلس، كان للسيدين انطانيوس وحنا فاضل عام 1889، في شارع الجميل قرب البلدية القديمة.
وفي عام 1893 أسس السيدان حسني ذوق وعبد الستار أديب بنك "ذوق وأديب" في خان الصابون بمحلة الصاغة. وقد اشترى امتياز هذا المصرف فيما بعد "البنك العثماني"، الذي تحول بعد الحرب العالمية الاولى إلى بنك سوريا ولبنان، المسؤول عن اصدار العملة الرسمية. ثم انقسم هذا المصرف عام 1964 إلى فرعين، الاول أصبح البنك المركزي وهو مصرف لبنان الحالي، والثاني هو الشركة الجديدة لبنك سوريا ولبنان.
وقبل نهاية القرن الماضي، أقدم السيدان مصطفى عز الدين ورشاد أديب على تأسيس بنك "عز الدين وأديب" في مكان مقهى فهيم اليوم في شارع التل، والذي تحول فيما بعد إلى بنك مصر لبنان.
وهناك بنكو دي روما، الذي توقف طوال سنوات الحرب العالمية الثانية، بسبب موقف ايطاليا المعادي يومذاك، وما لبث ان عاد إلى مزاولة أعماله عام 1950.
وكانت الشركة الجزائرية للتسليف والصيرفة والتي تحولت فيما بعد إلى البنك اللبناني الفرنسي.
والمصرف العقاري الجزائري التونسي، تحول فيما بعد إلى فرنسبنك.
وكانت هناك مصارف صغيرة تعتمد على خصم السندات فقط وتتلقى المبالغ التي كان يحولها اللبنانيون في المهجر إلى أقاربهم المقيمين في لبنان وتتقاضى عليها عمولات معينة وهي:
بنك انطوان شاهين في أول شارع الزاهرية.
بنك كيروز في شارع عز الدين.
بنك دياب نصر في شارع عز الدين، وقد تحول بعد ذلك إلى بنك نصر اللبناني الافريقي في ساحة الكيال.
وبعد الحرب العالمية الثانية، شهدت المدينة تسابقاً ملحوظاً في افتتاح العديد من المصارف وهي:
البنك العربي، البنك اللبناني للتجارة، بنك الصناعة والعمل، بنك بيبلوس، بنك التجارة الخارجية، جمال ترست بنك، بنك لبنان والخليج، بنك الاتحاد الوطني، البنك التجاري، بنك بيروت والبلاد العربية، بنك لبنان والمهجر، البنك الاهلي الاردني، بنك الشرق للتسليف، بنك بيروت للتجارة، بنك عبر الشرق، بنك انترا، البنك اللبناني العربي، بنك المشرق، بنك الاعتماد اللبناني، بنك هندلوفي للشرق الاوسط، ادكوم بنك، البنك البريطاني للشرق الاوسط، بنك البحر المتوسط، بنك الانماء، بنك الاعتماد الشعبي، البنك اللبناني الباكستاني، الشركة المصرفية اللبنانية الاوروبية، بنك عودة، بنك لبنان والكويت، بنك التوفير، البنك الدولي العربي، بنك الانماء والبنك اللبناني البرازيلي.
وقد توقفت بعض هذه المصارف عن العمل، وخاصة في الستينات، بسبب العجز المالي الذي وقعت فيه، وهي:
البنك التجاري عام 1964
بنك انترا عام 1966
بنك الاتحاد الوطني عام 1967
البنك الدولي العربي 1967
بنك التوفير عام 1968
البنك اللبناني العربي عام 1990
بنك نصر اللبناني الافريقي 1990
بنك المشرق عام 1990
بنك التجارة الخارجية عام 1992
بنك كبابة وبنك شاهين وبنك الانماء
أما بنك هندلوفي فقد أغلق فرعه بطرابلس، بعد ان تحول إلى بنك المغترب والذي لا فرع له في المدينة.
كما اغلق البنك البريطاني فرعه في طرابلس. وكذلك بنك الصناعة والعمل.
أما البنك اللبناني البرازيلي فقد أعلن التصفية الذاتية في مطلع عام 1992 وأغلق أبوابه.
وهنا يجب أن ننوه بأن العجز الذي أصاب المصارف المذكورة هو في المراكز الرئيسية في العاصمة، وبما أن فروعها الموجودة في طرابلس، تابعة لها، فقد أغلقت نتيجة توقف المصارف الام...
وهذه المصارف، ما كانت لتتواجد في طرابلس بهذه الكثرة، لو لم تكن الاوضاع الاقتصادية فيها حسنة، اذ كانت تزداد يوماً بعد يوم حتى أصبح عددها يتجاوز الخمسة وثلاثين مصرفاً، كما أن لبعضها، العديد من الفروع الثانوية في مختلف أنحاء المدينة والميناء.
ويمكن القول أن الطرابلسيين زودوا هذه المصارف بودائع ضخمة جداً، في حين أن هذه المصارف، لم تكن على مستوى آمال الطرابلسيين، إذ كانت هذه الودائع تحول إلى المراكز الرئيسية في العاصمة لاستثمارها ولم يصب الطرابلسيين منها إلا النذر القليل!..
ولعل وجود المرفأ في طرابلس خاصة بعد تحسينه وتوسيعه وتجهيزه، قد ساعد كثيراً على ازدهار الوضع الاقتصادي وراح الكثيرون يعتمدونه لاستيراد بضائعهم مباشرة من الخارج بينما كانوا يعتمدون على تجار العاصمة في هذا المجال.
كما أن وجود منشآت النفط ومصافي تكرير البترول في طرابلس، والتي كان يعمل فيها أكثر من خمسة آلاف موظف وعامل، عدا عن الاجانب، قد ساعد على ازدهار الوضع الاقتصادي إلى حد بعيد.
* * *
غرفة التجارة والصناعة
وكأن ابنة سلاطين آل عثمان، أدركت ما يجول في أذهاننا، فبادرتنا: تريدون معرفة ما كانت عليه غرفة التجارة والصناعة بطرابلس، وما آلت إليه اليوم، ودورها في نمو وتنشيط الحركة الاقتصادية، ومن تولى رئاستها، أليس كذلك؟
قلنا وهل تتوقعين منا ان نرفض مثل هذا العرض الكريم؟
... وضحكت، وضحكنا... وتابعت:
كان دور الغرفة في مطلع هذا القرن، عادياً جداً، بسبب ضعف عمليات الاستيراد والتصدير، وقلة عدد سكان المدينة من جهة أخرى، غير أن مركز رئيس الغرفة كان له مكانته واحترامه في المجتمع الطرابلسي.
تولى رئاسة الغرفة في العهد العثماني المرحوم عبد الرحمن عدره، وخلفه المرحوم خير الدين عدره الذي استقال منها بعد توليه رئاسة المجلس البلدي بعد الحرب العالمية الاولى، ليخلفه المرحوم الحاج حسين عويضه، الذي شهدت الغرفة في عهده اقبالاً من التجار على الانتساب للغرفة، بسبب اصرار مصلحة الجمارك يومذاك على عدم السماح للتجار بتصدير او استيراد بضائعهم إذا لم يكونوا مسجلين في الغرفة.
ثم خلفه المرحوم رشاد أديب. ومن بعده أمين سر الغرفة المرحوم عارف الحسن، الذي ظل يمارس عمله كرئيس مؤقت مدة عشر سنوات حتى أواخر الحرب العالمية الثانية.
في العاشر من آذار 1945، صدرت مراسيم بتأسيس غرفة التجارة والصناعة بطرابلس تحت رقم 2750 وعين رئيساً لها المرحوم نجيب المنلا، الذي ظل يمارس عمله إلى أن صدر المرسوم الاشتراعي رقم 36 تاريخ 5 آب 1967، القاضي بتنظيم غرف التجارة والصناعة في لبنان، بحيث اجتمع لاول مرة أعضاء الهيئة العامة للتجارة المسجلين في الغرفة، وجرى انتخاب ثلثي أعضاء مجلسها، بينما جاء الثلث الآخر عن طريق التعيين، وذلك في 9 تشرين الثاني 1967.
وقد أعاد المجلس انتخاب السيد منلا رئيساً للغرفة لمدة أربع سنوات حسب منطوق قانون الغرف التجارية، ثم أعيد انتخابه مرة بعد مرة، إلى أن استقال عام 1986، ليخلفه نجله الدكتور حسن المنلا.
قبل تسلم المرحوم نجيب المنلا رئاسة الغرفة، كان مقر الغرفة في مكتب رئيسها الذي كان يدير منه أعماله التجارية وعندما اسندت رئاسة الغرفة إلى المغفور له نجيب المنلا، استأجر منزلاً في ساحة النجمة في بناية المرحوم الشيخ كاظم الميقاتي مفتي طرابلس الاسبق، ليكون مقراً للغرفة، وتمكن بما عرف عنه من حسن ادارة وبعد نظر، وبفضل العلاقات المتينة التي كانت تربطه برجالات الدولة في مختلف العهود، ان ينهض بالغرفة ويضفي عليها صفة مميزة، حتى أصبحت مسموعة الكلمة، تتمتع بثقة جميع الاوساط التجارية والصناعية والشعبية.
وبعد أن انتقل مقر الغرفة إلى البولفار في بناية الديراني بجانب سينما كولورادو، أخذ المرحوم منلا يعمل جاهداً ليبني للغرفة مقراً خاصاً بها. بعد أن أصبحت من الركائز الاساسية في توجيه وتدعيم اقتصاد المدينة. وقد تمكن في فترة وجيزة، من شراء أرض على البولفار، عند مدخل طرابلس الجنوبي، مساحتها 2005 أمتار مربعة، شيّد عليها بناء اتخذ طابع الفن الهندسي الاندلسي، روعي فيه أحدث التصاميم العصرية للغرف التجارية العالمية.
وكان له مواقف مشهودة في ملاحقة المشاريع المحلية، خاصة تحسين أوضاع المرفأ وتشجيع الصناعات المختلفة والاهتمام بتصدير الحمضيات وملاحقة المسؤولين للاسراع بتنفيذ أعمال المعرض الدولي.
وعلى الرغم من قناعته بأن رجال الحكم يتهربون من كل ما يعود لطرابلس من مشاريع، وأنهم لا يرون من لبنان، أبعد من حدود العاصمة والجبل، فقد تسلح بمبدأ "لُحيح غلب مُطيط"، وأنه لا بد لحبل الوعود أن ينتهي!..
ولا أزال أذكر تعليقه عندما سمع خطاباً لاحد المسؤولين عام 1966، يؤكد فيه أن الاعمال في المعرض ستنتهي عام 1969، ان قال: أرى أن الموعد قد يكون صحيحاً أكثر، لو وضعنا الرقم الثاني قبل الاول فيصبح 96 بدلاً من 69!..
وقد تابع الدكتور حسن منلا، مسيرة والده، متسلحاً بالعلم والكفاءة والاختصاص. الى جانب همة الشباب، والانفتاح على كل جديد. واعتمد الاساليب العصرية الحديثة في جميع معاملات الغرفة، حتى أصبحت ذات شأن كبير، ومكانة مرموقة، بين مختلف الغرف العربية والدولية، ومحط أنظار البعثات الاقتصادية التي تزور لبنان، وموضع اهتمام السفراء العرب والاجانب، الذين يقصدونها في كل مناسبة.
كما كان للغرفة دور فعّال في جميع مؤتمرات الغرف العربية، وساهمت في وضع العديد من الأسس والركائز للاقتصاد العربي.
ويتجاوز عدد المنتسبين للغرفة، اليوم، العشرة آلاف تاجر وصناعي من مختلف الفئات.
وفي السابع من حزيران 1992، جرت انتخابات لاختيار أعضاء جدد للغرفة، حيث فازت لائحة الدكتور حسن منلا، ومن ثم تم انتخابه رئيساً للغرفة.
* * *
تطور الاوضاع الصحية والعمرانية
بلدية طرابلس والرؤساء الذين تعاقبوا عليها
وهنا تنهدت الساعة وتثاءبت، وكأنها تقول لنا لقد انتهت المقابلة.. لقد تعبت وأود أن أرتاح، فإلى جلسة مقبلة، أكون فيها قد جمعت شتات أفكاري، وسأروي لكم أشياء وأشياء...
قلنا، بعد أيام، سوف يجددون شبابك، ويعيدون إليك خفقات قلبك... ورنات صوتك... وجمال مظهرك... ولن يعود بإستطاعتك إستقبالنا، ولن يكون لديك وقت لتتحدثي فيه إلينا، فهل لنا بساعة أخرى من وقتك، تحدثينا فيها عن جارتك بلدية طرابلس، كيف كانت، كيف أصبحت، ومن تعاقب على رئاستها؟
حتى العام 1876، لم يكن هناك بلديات، وكان الامر يقتصر على أشخاص يوكل إليهم أمر إنارة "الفوانيس" المنتشرة في شوارع المدينة الداخلية، وإطفائها عند بزوغ الفجر، كما كان هناك من يهتم بصيانة المجارير "وتعزيلها" عندما يتطلب الأمر ذلك.
وفي العام 1877، أعلن السلطان عبد الحميد الدستور لاول مرة في تاريخ السلطنة العثمانية، وصدر قانون البلديات العثماني، وأصبح لطرابلس بلدية لها رئيس وأعضاء، تعنى بشؤون النظافة وأعمال الصيانة الضرورية، ولم يتجاوز عدد العاملين فيها العشرة أو الخمسة عشر موظفاً وعاملاً، كما كانت المعاملات التي تسجل في البلدية، تحفظ في أكياس القنب "الخيش" حتى إذا ما إمتلأ الكيس، تم ربطه ووضعه في زاوية غُرفة الموظف المختص!...
وكان حاكم المدينة، هو رئيس البلدية في نفس الوقت وهناك نائب رئيس من أهل المدينة كان يتولى تصريف الامور في البلدية، إلى أن عيّن المرحوم فؤاد الذوق رئيساً أصيلاً وظل يمارس عمله حتى عام 1920.
في العام 1921 عيّن المرحوم خير الدين عدره رئيساً للبلدية ثم خلفه المرحوم هاشم ذوق عام 1928 ثم المرحوم مصطفى عز الدين عام 1929، ثم المرحوم هاشم سلطان عام 1930. فالمرحوم عثمان سلطان عام 1931.
في العام 1932 كان المحافظ كسروان الخازن، هو رئيس البلدية، ثم خلفه المحافظ فوزي رمضان عام 1935 ومن بعده المحافظ سليم تقلا عام 1937.
في العام 1938 عيّن المرحوم انطون اده مديراً للبلدية، ثم خلفه المهندس كنعان ادهم عام 1941، ومن بعده المحافظ كميل الشدياق الذي تولى رئاسة البلدية في العام نفسه.
في العام 1944 تم تعيين المرحوم محمد كرامي مديراً للبلدية، ثم خلفه شقيقه مصطفى كرامي في العام نفسه، ومن بعده تولى مديرية البلدية منير المأمون عام 1947.
وفي العام 1949 أسندت رئاسة البلدية للمحافظ سميح عكاري ومن بعده للمحافظ نور الدين الرفاعي عام 1952.
وفي العام 1953 أعيد تعيين مصطفى كرامي مديراً للبلدية: كما جرت في هذا العام الانتخابات البلدية ففاز المرحوم راشد سلطان برئاسة البلدية، ومن بعده أنتخب الحاج أكرم عويضة رئيساً لها عام 1955، ثم أعيد إنتخابه للمرة الثانية عام 1959.
في عام 1961 أنتخب المرحوم محمد مسقاوي رئيساً، ثم خلفه عبد الحميد عويضة عام 1963، كما أعيد تعيين محمد مسقاوي رئيساً عام 1973.
وفي عام 1979 عيّن عشير الداية رئيساً للبلدية. وظل يمارس عمله حتى أواخر عام 1991، إلى أن خلفه العميد الركن الدكتور سامي منقاره ولا يزال.
هذه لمحة سريعة عن اولئك الذين تعاقبوا على رئاسة البلدية، فمنهم من جاء عن طريق التعيين ومنهم من جاء عن طريق الانتخاب، وكثيراً ما كان محافظ المدينة هو الذي يتولى رئاسة البلدية.
أما المجالس البلدية التي تعاقبت، فمنها من جاء عن طريق التعيين ومنها من جاء عن طريق الانتخابات، أذكر منها:
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1932
الرئيس: المحافظ كامل حميّة
نائب الرئيس: فؤاد ذوق
أعضاء: عبد الله نوفل، حمدي المنلا، ناصيف طربيه، واصف عدره، مصباح سلطان، الدكتور رشاد الحجة، موسى نحاس، هاشم ذوق، سعيد عدره، محمد علي ضناوي، شفيق مغربي، سعيد كريمه ورشيد كيروز.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1934
الرئيس: المحافظ الشيخ كسروان الخازن
نائب الرئيس: فؤاد ذوق
أعضاء: توفيق أديب، واصف عدره، جمال شهال، الدكتور ميشال خولي، جورج عريضه وعبد الفتاح حداد.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1937
الرئيس: المحافظ سليم تقلا
نائبا الرئيس: شفيق كرامي وعبد الفتاح حداد
أعضاء: احسان أديب، ابراهيم الحلو، سليم مقدم ونور عدره.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1939
الرئيس: أنطون اده
نائب الرئيس: عبد الفتاح حداد
أعضاء: احسان أديب، ابراهيم الحلو، فريد زريق، محمد كرامي، أحمد حجازي، ناجي حولا، وجيه مقدم ووجيه عازار.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1944
الرئيس: محمد كرامي
أعضاء: توفيق أديب، وجيه مقدم، شفيق كرامي، حلو الحلو، فريد زريق، سركيس سركيسيان.
وأثر شغور منصب الرئاسة بوفاة المرحوم محمد كرامي، تولى رئاسة هذا المجلس شقيقه مصطفى كرامي حتى العام 1947.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1947
الرئيس: منير المأمون
نائب الرئيس: شفيق كرامي
أعضاء: ممدوح النملي، أكرم عويضه، الدكتور ابراهيم ورده، فضول فضول، شوكت كباره، محي الدين ذوق، وجيه مقدم، نجيب اندراوس، احسان أديب، سابا زريق وابراهيم الحلو.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1948
الرئيس: المحافظ سميح عكاري
نائب الرئيس: ممدوح النملي
أعضاء: شفيق كرامي، اكرم عويضه، الدكتور ابراهيم ورده، نجيب اندراوس، سابا زريق، محي الدين ذوق، شوكت كباره، فضول فضول، توفيق اديب، وجيه مقدم، احسان اديب وابراهيم الحلو.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1950
الرئيس: المحافظ غبريال اسود ثم استبدل بالمحافظ نور الدين الرفاعي
نائب الرئيس: ممدوح النملي
أعضاء: توفيق اديب، شوكت كباره، فضول فضول، محي الدين ذوق، اكرم عويضه، وجيه مقدم، الدكتور ابراهيم ورده، شفيق كرامي، نجيب اندراوس وابراهيم الحلو.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1953
الرئيس: المحامي راشد سلطان
نائب الرئيس: سابا زريق
أعضاء: ابراهيم الحلو، امين الرافعي، الدكتور حلمي شعراني، فوزي فتال، خير الدين عوض، اكرم عويضه، الياس نحاس، الحاج احمد قمر الدين، سالم كباره، ابراهيم ذوق، كلوديوس نصر، حمدي المنلا وبهيج غندور.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1955
الرئيس: محمد مسقاوي
نائب الرئيس: الياس نحاس
أعضاء: حازم الجسر، جوزف بولس، راسم سلطان، رشيد معصراني، مصطفى ذوق، الدكتور عبد الله بيسار وواصف عدره.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1956
الرئيس: اكرم عويضه
نائب الرئيس: سابا زريق
أعضاء: خير الدين عوض، فوزي فتال، الياس نحاس، راسم سلطان، محي الدين ذوق، الدكتور حلمي شعراني، امين الرافعي، سليم مقدم، الحاج احمد قمر الدين، كمال سلهب، ابراهيم ذوق، كلوديوس نصر وعبد السلام ضناوي.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1961
الرئيس: محمد مسقاوي
نائب الرئيس: الياس نحاس
أعضاء: حازم الجسر، جوزف بولس، رشيد معصراني، الدكتور عبد الله بيسار، مصطفى ذوق، واصف عدره وراسم سلطان.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1963
الرئيس: عبد الحميد عويضه
نائب الرئيس: اميل خلاط
أعضاء: خير الدين عوض، راسم سلطان، مصباح مقدم، نور عدره، عصام قمر الدين، ادمون عبد النور، واصف نابلسي، حبيب شبطيني، حلو الحلو، فاروق مسيكه، عبد الله بيسار، رهيف دملج، محمد ناجي، احمد حسن خليل ورشيد منلا.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1972
الرئيس: محمد مسقاوي
نائب الرئيس: اميل خلاط
أعضاء: مصطفى الصفدي، الحاج احمد بيسار، طارق كباره، الدكتور منير سلطان، نواف رافعي، عثمان عويضه وحلو الحلو.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1978 حتى آخر عام 1991
الرئيس: عشير الدايه
نائب الرئيس: اميل خلاط
أعضاء: مصطفى الصفدي، فاروق مسيكه، محمد الحسيني، عمر مسقاوي، محمد نديم الجسر، صفوان عكاري، حلو الحلو، الدكتور منير سلطان، الدكتور توفيق خزام، الدكتور منذر كباره، الدكتور نصر خضر، مدحت كوسا، عبد المنعم عدره، سامي صراف، جوزف بولس وحسام عويضه.
رئيس وأعضاء المجلس البلدي عام 1992
الرئيس: الدكتور سامي منقاره
نائب الرئيس: اميل خلاط
أعضاء: منير سلطان، جوزف بولس، فاروق مسيكه، عمر مسقاوي، عبد المنعم عدره، الدكتور نواف كباره، طارق ضناوي، الدكتور محمد صيادي، سعيد نهاد الحلاب، سميح الاسمر، هيثم شحاده، غانم حسن، منيب معرباني، محمود الحسيني، جورج جلاد وحلو الحلو.
قلنا للساعة: لقد رافقت البلدية منذ نشأتها، فهل هناك ما هو جدير بالتحدث عنه؟
وبعد لحظات سادها الصمت، استعادت فيها ذكريات الماضي، وأخذت تحدثنا عن بعض الاعمال التي قامت بها البلدية في مختلف العهود، فقالت:
عندما تولى المرحوم خير الدين عدره رئاسة البلدية عام 1921، أولى طرابلس اهتماماً خاصاً لم تعهده من قبل. فقد كانت شوارع المدينة في أسوأ حال، وكان المواطنون الذي يودون الانتقال من جانب إلى آخر، يعمدون إلى وضع الواح خشبية ليتمكنوا من عبور الشارع، بسبب مياه المجارير وكثافة الاوحال. ولما كان صندوق البلدية خالياً خاوياً، فقد أقدم المرحوم عدره على تبليط أرصفة وشوارع المدينة من ماله الخاص، على أن يستوفيه مقسطاً من البلدية، حسب ما تسمح به أوضاعها المالية.
وكان محافظ المدينة يومذاك المرحوم عبد الحليم حجار، الصديق الحميم لخير الدين عدره، يبارك أعماله ويشجعه على تحقيق المزيد من المشاريع الاصلاحية والتجميلية في المدينة، ومن ثمرة هذا التعاون، كانت الحديقة العامة التي أنشئت في ساحة التل، والتي لا تزال وحيدة يتيمة في المدينة منذ ذلك العهد حتى يومنا هذا!...
وقد امتاز عهد المرحوم انطون اده، بتنظيم موازنة البلدية ورفعها من 80 ألف ليرة إلى 280 ألفاً، وشهدت البلدية في عهده ثورة تنظيمية شملت جميع الدوائر والأجهزة وتميزت أعماله بالحكمة والصرامة في ضبط الامور، كما كانت له مواقف جريئة لا يزال الطرابلسيون يحفظوها له بكل تقدير ومحبة واحترام.
ومن جليل أعماله التي يتندر بها الطرابلسيون حتى اليوم، أنه عندما حاول شق طريق يصل المدينة بمنطقة أبي سمراء، كان لا بد من مرور هذه الطريق داخل مقبرة مار يوحنا للطائفة المارونية. وقد وجد نفسه وجهاً لوجه أمام مأزق حرج قد يستحيل حله، إذ كان على البلدية ان تهدم قسماً كبيراً من المقبرة لشق هذا الشارع، الامر الذي أدى إلى نشوب نزاع مرير بينه وبين المطران عبد، راعي الابرشية المارونية في طرابلس، وصاحب الكلمة النافذة لدى الحكام اللبنانيين والفرنسيين يومذاك.
غير أن إرادة انطون اده الصلبة، واقتناعه بضرورة تنفيذ هذا المشروع، تخطت كل الصعوبات والضغوطات التي تعرض لها، وقام بشق هذا الشارع دون أن يصغى إلى أحد، ووضع الجميع أمام الأمر الواقع.
ويمكن القول، أن طرابلس احتلت مكانة خاصة في قلب انطون اده، حتى أنه كان يضرب عرض الحائط ببعض الاصول المتبعة في سبيل تنفيذ مشروع، لا يحتمل التأخير او انتظار موافقة أصحاب الشأن في العاصمة.
وتابعت الساعة تقول:
لعلني لا أزال أذكر موقفه عندما استدعى أحد متعهدي الأشغال ويدعى فيليب كفوري، وطلب إليه إلتزام نزع سكة حديد الترامواي الممتدة من شارع التل حتى الميناء، وإلى منطقتي الزهرية والتبانة، وإعادة تعبيد الشوارع وتبليط الأرصفة، واتفقا على مبلغ مئة ألف ليرة لتنفيذ هذه الأعمال.
ولما كانت عمليات التلزيم بالتراضي مخالفة للقانون، وأن السلطات المختصة في العاصمة، لا يمكن أن توافق على ذلك، فقد أصر اده على موقفه، لان الظروف السائدة في المدينة في ذلك الوقت، تقتضي السرعة وعدم إنتظار موافقة العاصمة، وأصر على المتعهد المباشرة فوراً بالعمل.
أما وزارة الداخلية، فقد أعادت ملف التلزيم إلى بلدية طرابلس، رافضة التصديق على الالتزام، غير أن المشروع كان قد نفذ ودفعت التكاليف إلى المتعهد، وكان ذلك جرأة متناهية من المرحوم اده.
وهناك حادثة أخرى، فيها دلالة واضحة على محبة اده لطرابلس، فقد كان الجيش الفرنسي المتواجد في طرابلس، تابعاً للمارشال بيتان الموالي لالمانيا، ولما دخل الجنرال ديغول على رأس جيش فرنسا الحرة إلى لبنان، أخذت القوات الفرنسية الاخرى بالانسحاب، وأعلم انطوان اده ان لدى الجيش الفرنسي المنسحب، مستودعات كبيرة لعلب البويا، فأجرى إتصالات مع بعض الضباط الذي سهلوا له مصادرة كميات البويا، ونقلها إلى ملعب الغرباء، حيث طمرها هناك دون أن يعلم بها أحد.
وبعدما اطمأن إلى أن القوات الديغولية لم تعلم بأمر علب البويا، عرضها للبيع وحوّل ثمنها إلى صندوق البلدية، الذي انفقه على بعض المشاريع الملحة في المدينة.
ثم مضت الساعة قائلة: ان تنظيمه الرائع لتوزيع الاعاشة في طرابلس أيام الحرب العالمية الثانية حمل السلطات الفرنسية على تكليفه وضع دراسة شاملة عن حاجة سوريا ولبنان من الحبوب، فوضع دراسة مفصلة نالت اعجاب رئيس الجمهورية اللبنانية يومذاك، الفرد نقاش، الذي نقله فوراً من طرابلس إلى بيروت وأسند إليه منصب مدير عام وزارة الاقتصاد.
وما زلت أذكر صورة المرحوم اده عندما غادر طرابلس وهو يبكي كطفل أضاع والديه، ولو كان يملك الخيار يومذاك لآثر البقاء في طرابلس، على أن يتولى أعلى المناصب في العاصمة.
وفجأة توقفت الساعة عن الكلام، واختلقت موضوعاً آخر في محاولة للتهرب من متابعة الحديث عن البلدية، فاستغربنا ذلك وقاطعناها، مستفسرين عما قامت به البلدية من أعمال منذ الاستقلال حتى اليوم، وانه لا يجوز طمس أنشطة نصف قرن دفعة واحدة، دون معرفة ما تم خلاله من أعمال.
وكأننا في الحاحنا هذا، قد أصبنا الساعة في الصميم، فأخذت تبكي وتقول: كم كنت أتمنى أن تعفوني من هذا الحديث لان فيه من المرارة ما يدمي القلب ويدمع العين، مع أن الكثيرين من الذين تعاقبوا على رئاسة البلدية في تلك الفترة، لم يكونوا أقل شأناً من الذين سبقوهم.
لقد تعرضت طرابلس، بعد الاستقلال، لعبث بعض الايدي الجاهلة، وتطاولت على المدينة القديمة التي في كل شبر فيها أثر تاريخي بارز، فدمروا معظم أحيائها، بحجة شق شوارع جديدة في حين كان باستطاعة البلدية أن تتجه صوب بساتين الليمون التي تلف طرابلس حتى البحر، وتفوق مساحتها العشرة ملايين متر مربع، تستوعب عشر مدن جديدة كطرابلس.
وبدلاً من أن تعيد البلدية، بوابات المدينة القديمة المشهورة، وهي المداخل الرئيسية للمدينة القديمة، كباب التبانة وباب الحديد، وباب الرمل وبوابة الحدادين وغيرها، وتعيد اليها طابعها الذي كان متبعاً في العهود الماضية، كأغلاقها في ساعة معينة عند المساء، واعادة فتحها صباحاً، مما يضفي على المدينة رونقاً خاصاً وطابعاً مميزاً يستهوي السياح؟ وأرجو أن يصل صوتي إلى مسامع المسؤولين، فيعدلون عن تنفيذ مشروع لا يزال في الادراج، يقضي بتوسيع الشارع الممتد من بوابة الحدادين مقابل الحمام الجديد حتى طلعة الرفاعية فسوق العطارين فالصاغة فسوق البازركان فالملاحة حتى التبانة. هذا المشروع اذا ما نفذ ففيه قضاء على البقية الباقية من تاريخ طرابلس.
وما يدعو للدهشة ان المواقع الاثرية في المدينة، تكاد تكون غائبة عن أذهان المسؤولين في البلدية، فقد أقدموا على تأجير الطابق الارضي من مبنى ساعة التل، وحتى اليوم يحار الطرابلسيون في تفسير هذا التصرف.
ولعل الادهى من كل ذلك، هو هدم السراي القديمة في ساحة التل، وهي من أجمل الآثار في المدينة وكان بالامكان ترميمها وجعلها مكتبة عامة أو مركزاً سياحياً أو معرضاً للصناعات اليدوية المحلية.
وإلى جانب التشويه المتعمد، الذي أصاب المدينة الأثرية القديمة، كان هناك هضبة أبي سمراء، الفائقة الجمال، المطلة على طرابلس، فقد كان بالامكان تنظيمها وتخطيطها بشكل هندسي فني بديع عندما لم يكن عدد الابنية فيها يتجاوز أصابع اليدين. وجعلها من أجمل المناطق السكنية، الا أن الغباء أبى أن يتركها تفلت من براثنه، فتركها سائبة، لتجدها اليوم وقد أصبحت مدينة كبيرة... تلفها الفوضى!..
ولعل ما قاله محافظ الشمال الاسبق المرحوم نور الدين الرفاعي، لمسؤول في الدائرة الفنية في البلدية: لو استقدمنا أعظم خبير عالمي في تخريب المدن، لما فعل بطرابلس ما فعلته أنت!..
ولعل في هذه الشهادة ما يغني عن كل توضيح!
وهناك أمر يدعو للدهشة، وقد لا يعرفه معظم الطرابلسيين، أن القانون قد أعطى لرئيس وأعضاء المجلس البلدي، صلاحيات تخولهم التدخل في كثير من القضايا العامة التي لها علاقة مباشرة بالحياة الاجتماعية والمعيشية منها:
1- مراقبة الانشطة التربوية وسير العمل في المدارس الرسمية الخاصة.
2- مراقبة المرافق العامة التي تقع ضمن نطاقها.
3- تنظيم النقل وتحديد تعرفاته.
4- منع كل ما من شأنه أن يمس الراحة والسلامة والصحة العامة.
5- التدخل فيما يختص بحماية البيئة والمناظر الطبيعية والآثار التاريخية.
6- مراقبة الاتجار بالمواد الغذائية وتسعيرها، على أن لا يتعارض ذلك مع التدابير والقرارات التي تصدرها وزارة الاقتصاد.
7- تولي شؤون الامن بواسطة الشرطة البلدية التي تتمتع بصفة الضابطة العدلية والاستعانة بقوى الأمن الداخلي عند اللزوم.
8- منع جميع الحفريات في الطرقات العامة، لمد قساطل المياه والكهرباء والماء والهاتف والمجارير، الا بموجب ترخيص لقاء كفالة تضمن اعادة الطرقات إلى ما كانت عليه على نفقة طالب الترخيص، ولو كان من المؤسسات العامة والمصالح المستقلة وادارات الدولة.
ومن المؤسف ان معظم هذه الامور كانت غائبة عن أذهان المسؤولين في البلدية ولم يمارس أحد منهم سلطته عليها في يوم من الايام!...
وهنا، أخذت الساعة تتثاءب، وبدا عليها الاعياء، فعاجلناها بالشكر والثناء، على ما قدمته لنا من معلومات وفيما كنا نهم بمغادرتها، استوقفتنا لتقول: هناك حقيقة، أرجو أن تسجلوها في ختام حديثي، وعدنا لنستمع اليها:
لعل الفترة التي عاشتها البلدية سنوات الحرب، كانت من أصعب وأسوأ المرحل التي مرت بها، فقد نُهبت آلياتها ومعداتها، وتدنت وارداتها بشكل باتت معه، عاجزة عن تأمين رواتب موظفيها وعمالها، وأصيبت الخدمات العامة، التي كانت تؤديها، بالشلل التام.
في هذه الفترة العصيبة، والتي امتدت لأكثر من خمسة عشر عاماً، كان لرئيس البلدية عشير الدايه، مواقف صلبة تذكر له بالشكر والامتنان.
فقد تمكن، بما عرف عنه من لباقة وحنكة وحكمة، أن يحافظ على الادارة البلدية وأجهزتها، ويحبط جميع المحاولات التي أرادت تقويضها وتدميرها، ويصمد أمام المكاره والمصاعب ومحاولات القتل التي كان يتعرض لها كل يوم!..
ولعل السيد عشير الدايه، هو من أقدم الموظفين في بلدية طرابلس، إذ عيّن عام 1973 وظل يمارس عمله حتى أواخر عام 1991.
وهنا افتّر ثغر الساعة عن ضحكة عريضة، تقول:
من الطريف أن أروي لكم تفاصيل القرار الذي اتخذه المجلس البلدي يومذاك ومبررات تعيين السيد دايه كاتباً في البلدية، وجاء فيه:
بناء لقرار مجلس بلدية طرابلس المؤرخ في 18 أيار عام 1937، صار تعيين السيد عشير الدايه، موظفاً على الآلة الكاتبة من الدرجة الثالثة بقلم البلدية، وعليه نرغب اليكم الحضور إلى البلدية لتسلم مهامكم والسلام.
نائب الرئيس: عبد الفتاح حداد
أما الاسباب فيوردها التقرير كما يلي:
لما كانت جميع المؤسسات الرسمية تمشت على استعمال الآلة الكاتبة في دوائرها، لاجل السرعة في المعاملات كما يقتضيه العصر الحاضر، لذلك فان هذه الدائرة، أسوة بأمثالها، قررت بتاريخ أيار 1937 شراء آلة كاتبة، ولقد اشترتها فعلاً من محلات نجار أخوان وشركاهم في بيروت بمبلغ قدره 175 ليرة، وحيث أنه بعد شراء الآلة الكاتبة لهذه البلدية، أصبح من الواجب تعيين كاتب مخصص يقوم بهذا العمل بالنظر لكثرة أعمال البلدية.
وحيث أنه لا يوجد في البلدية كاتب يحسن الضرب على الآلة الكاتبة، وعلاوة على ذلك فان لكل من الكتبة عمله المخصوص ولا يستطيع القيام بعمل آخر.
وحيث أن نائب الرئيس المحامي الاستاذ شفيق كرامي، اقترح تعيين عشير الدايه لهذه الوظيفة، لانه يحسن الكتابة على الآلة الكاتبة وهو ذو أخلاق حسنة وقد تلقى دروسه بمعهد الفرير وهو يجيد اللغة الفرنسية.
وحيث أن نائب الرئيس المومى اليه، صرح بأن السيد عشير الدايه المذكور، هو ذو أهلية وكفاءة يعرفها شخصياً، اذ انه يشغل الآن وظيفة كاتب لنقابة المحامين، وأظهر بمدة وجوده دراية تامة.
لذلك تقرر بالاجماع تعيين عشير الدايه كاتباً درجة ثالثة.
* * *
الحياة السياسية
ممثلو طرابلس في المجالس النيابية
قلنا: طالما حدثتينا عن الذين تعاقبوا على رئاسة المجلس البلدي، هل يمكننا سماع نبذة عن أولئك الذين مثلوا طرابلس في مختلف المجالس النيابية خلال هذا القرن؟
وهنا استوت الساعة في جلستها وهي تقول: أراني تورطت معكم في حديث قد يطول إلى المساء، فما أن انتهي من موضوع، حتى تسألوني عن آخر الا يحق لي أن آخذ قسطاً من الراحة؟
وراحت الساعة تسبح في بحر الذكريات، وكأنها تغوص في الاعماق، تفتش عن شيء فقدته وفجأة قطعت لحظات الصمت التي سادت مجلسنا لتقول:
كانت النشاطات السياسية محظورة في عهد السلاطين حتى أن المدارس المحدودة العدد في المدينة، كان التعليم فيها مقتصراً على العلوم الدينية والفقهية ومبادئ الحساب وتعلم اللغة التركية. والذين كانوا يعملون في الحقل العام، هم الذين يدورون في فلك السلطان او من يمثله في المدينة، لا يستطيعون أن يحيدوا قيد أنملة عما هو مرسوم لهم، ضمن حدود خدمة مصالح السلطنة العثمانية، وكل انحراف عن هذا الخط كان يعرض صاحبه لغضب الصدر الاعظم... أما بقية أفراد الشعب، فكانوا غارقين في ظلمات العادات والتقاليد التي يحرص الاتراك على ترسيخها في عقول العامة، والاستمرار في تعاطيها، خاصة فيما يتعلق بممارسات بعض الطقوس الدينية.
وقد عجب الطرابلسيون، كيف أن السلطان عبد الحميد، سمح للمرحوم محمد كامل البحيري، باصدار جريدة "طرابلس" عام 1893، تحت ضغط والحاج الشيخ حسين الجسر والعلامة جمال الدين الافغاني، واعتبروا ذلك تنازلاً كبيراً من قبل السلطان باصدار جريدة في وقت يعتبر فيه السلاطين الصحافة، عدوهم الاكبر، لانها الصوت الصامت الذي يتسلل إلى العقول وينير لها الطريق، وهم الذين يشجعون السخافات والترهات والهاء الشعوب بعادات وتقاليد تشدهم إلى الوراء وتلهيهم عن تعاطي الامور العامة!...
وبقي العمل السياسي محظوراً، ولو كان بعضه يجري في الخفاء حتى العام 1908 حين نجحت حركة ثورية في تركيا، أطاحت بالسلطان عبد الحميد، وأزالت كابوساً كان يجثم على صدور الشعوب العربية مئات السنين...
وهنا أقدم العديد من الشخصيات الطرابلسية، على اصدار صحف تعبر عن مشاعر الرأي العام، كما أخذ رجال السياسة يعملون بحرية، ولكن ضمن معارضة خجولة، وكان من أبرز رجال السياسة في ذلك الوقت، المرحومان الشيخ محمد الجسر وسعد الله المنلا، اللذان مثلا طرابلس في مجلس "المبعوثان" في اسطمبول.
وأثناء الحرب العالمية الاولى، مثل الشيخ الجسر طرابلس في المجلس التمثيلي في بيروت، واستمر حتى العام 1919 حيث استقال بعد دخول القوات الفرنسية إلى لبنان وخلافه معهم.
في عام 1920 عين الفرنسيون المرحوم الحاج عثمان علم الدين ممثلاً لطرابلس في اللجنة الادارية للبنان.
وفي العام 1923 فاز المرحوم نور علم الدين بهذا المنصب ومثل طرابلس في المجلس التمثيلي في بيروت.
وفي عام 1924 جرت الانتخابات في طرابلس لاختيار المندوبين الثانويين الذين ينتخبون بدورهم نائب طرابلس، وحمي الصراع بين لائحة يتزعمها نور علم الدين الذي تؤيده السلطات الفرنسية، وبين لائحة يدعمها المغفور له عبد الحميد كرامي، والتي فازت على لائحة علم الدين فوزاً ساحقاً.
وقد انتخب المندوبون الثانويون، المرحوم خير الدين عدره نائباً عن طرابلس وممثلاً لها في المجلس التمثيلي في بيروت.
وفي عام 1925 تحول المجلس التمثيلي إلى مجلس للنواب، حيث يتم انتخاب ثلثي الاعضاء من قبل الشعب، ويعيّن الثلث الآخر من قبل السلطات الفرنسية.
وفي عام 1929 فاز المرحوم رشاد اديب بالانتخابات، كما تم تعيين الشيخ محمد الجسر، نائباً ثم رئيساً لمجلس النواب.
وفي عام 1934 اختير المرحوم امين المقدم نائباً عن طرابلس.
وفي عام 1936 مثل المرحومان راشد مقدم وشفيق كرامي، طرابلس، في المجلس النيابي.
وفي عام 1943 فاز المرحومان عبد الحميد كرامي وسعدي المنلا بالنيابة عن طرابلس.
وفاز في انتخابات عام 1947 كل من مايز مقدم وعدنان الجسر وجبران النحاس.
وفي انتخابات عام 1951، فاز رشيد كرامي وسعدي المنلا وهاشم الحسيني وفؤاد البرط وقبولي ذوق.
وفي عام 1953 فاز رشيد كرامي وهاشم الحسيني.
وفي انتخابات عام 1957 فاز كل من رشيد كرامي والشيخ نديم الجسر وهاشم الحسيني وفؤاد البرط.
وفي عام 1960 فاز كل من رشيد كرامي هاشم الحسيني أمين الحافظ، محمد حمزه وفؤاد البرط.
وفي انتخابات عام 1964، فاز كل من رشيد كرامي، سالم كباره هاشم الحسيني، أمين الحافظ وفؤاد البرط.
وقد أعيد انتخاب هؤلاء النواب الخمسة في انتخابات عام 1968.
في عام 1972، تم انتخاب رشيد كرامي، هاشم الحسيني، أمين الحافظ، الدكتور عبد المجيد الرافعي وموريس الفاضل.
وقبل أن تنتهي مدة ولاية هؤلاء النواب، تورط لبنان في حرب أهلية استمرت حتى أواخر الثمانينات ولم يجر خلال هذه المدة انتخابات نيابية، وكان المجلس النيابي يجدد لنفسه المرة تلو الاخرى لاستحالة اجراء انتخابات نيابية في ظل الاوضاع الامنية المتردية وانتشار السلاح بين أيدي المواطنين.
وبعد أن توصل اللبنانيون، من خلال اتفاق الطائف إلى وقف لاطلاق النار، وودأ الحرب الاهلية إلى غير رجعة، أخذ المجلس النيابي يمارس صلاحياته وتم تعديل الدستور وزيادة عدد النواب، بحيث أصبح لطرابلس سبعة نواب بدلاً من خمسة.
وقد تم تعيين المحامي عمر كرامي، خلفاً لشقيقه المغفور له رشيد، ونائبين جديدين هما الدكتور عمر مسيكة والمحامي علي عيد، وأصبح ممثلو طرابلس في المجلس النيابي هم: عمر كرامي، هاشم الحسيني، أمين الحافظ، الدكتور عبد المجيد الرافعي، عمر مسيكة، علي عيد، وموريس فاضل.
واستطردت الساعة تقول: هناك بعض الامور البارزة في حياة اولئك الذين مثلوا طرابلس في المجالس النيابية، أذكر منها:
1- تمكن الشيخ محمد الجسر، بما عرف عنه، من حنكة سياسية وعلم واسع وصدر رحب، أن يتبوأ مركز رئيس المجلس النيابي، ومن ثم كان طريق رئاسة الجمهورية أمامه مفروشاً بالورود، وأن ممثلي الطائفة المارونية في المجلس رحبوا به رئيساً للجمهورية قبل المسلمين، غير أن سلطات الانتداب الفرنسي، حالت في اللحظة الاخيرة، دون تحقيق ذلك وحلت مجلس النواب.
2- كان المغفور له عبد الحميد كرامي من أبرز رجالات الاستقلال، وبعد أن تم جلاء الجيوش الاجنبية عن لبنان، أخذ رفاقه في النضال، الذين تسلموا مراكز الحكم، كبشارة الخوري ورياض الصلح، يحاربونه حتى تمكنوا من اقصائه عن خوض معركة انتخابات عام 1947.
3- وصول المرحوم سعدي المنلا إلى رئاسة الوزارة الأمر الذي عرضه في مدينته طرابلس إلى محاربة عنيفة وشائعات مغرضة، للنيل من سمعته، وحمله على الأستقالة.
4- وصول الدكتور أمين الحافظ إلى رئاسة الوزارة لمدة قصيرة، لم يستطع خلالها الصمود أمام الضغوط المحلية التي أجبرته على الاستقالة.
5- كان المرحوم جبران النحاس الوحيد الذي شغل منصب وزير بين جميع الذين مثلوا طرابلس في المجلس النيابي طوال نصف قرن ولم يتمكن أي نائب آخر من الفوز بهذا المنصب!
6- شغل المغفور له رشيد كرامي، منصب رئاسة الوزارة أكثر من أي رئيس للمزراء في لبنان.
7- أن عدد النواب الذين كانوا يمثلون طرابلس، كان يقل عددهم تارة أو يكثر تارة أخرى، يعود لعدد النواب في المجلس النيابي الذي تراوح بين 44 و55 و66 و77 و99 وأخيراً 108.
كما أن الانتخابات كانت تجري اما على أساس القضاء او المحافظة او اللائحة الواحدة ضمن طرابلس او تقسيم المدينة إلى دائرتين انتخابيتين.
وبعد أن تمت عمليات تعيين نواب جدد بدلاً من النواب المتوفين، عدّل المجلس النيابي قانون الانتخابات، وارتفع عدد نواب طرابلس من خمسة إلى ثمانية منهم خمسة للسنة وواحد علوي وآخر للروم الارثوذكس وثالث للموارنة.
وقد فاز عن طرابلس في الانتخابات التي جرت في 23 آب 1992 كل من: عمر كرامي، أمين الحافظ، محمد عبد اللطيف كبارة، فتحي يكن، عمر مسقاوي، علي عيد، سليم حبيب، وجان عبيد.