تراث طرابلس

Categories
من علماء طرابلس

الصحافي رهيف الحاج

الصحافي رهيف الحاج

 

 

الأستاذ معتز مطرجي

 

    ابن صاحبة الجلالة، عكاري الأصل، طرابلسي المولد، نشأ وترعرع تحت سماء الفيحاء الصافية، وتفتحت عيناه على بلد الايمان والعروبة، كان رحمه الله يملك املاً وثاباً ويحمل احلام الشباب تحفزه عزيمة وارادة، عصامي فذ، بنى نفسه بنفسه واوجد كيانه الصحافي والاجتماعي بحنكته ورويته، دمث الاخلاق، شخصيته محببة للناس يلمسون في نفسه نزعات انسانية متألقة تكشف عن ارق خلجاتها والوانها، وعلى وجهه تشعر باطمئنان داخلي ينم عن سريرته الشفافة.

كان يقدس روابط الزمالة ويحترمها، ويرى أن من واجب الصحفيين أن يكونوا متحابين غير متنافرين يعملون في خدمة صاحبة الجلالة، وهي خدمة المجتمع والوطن بصدق وأمانه وجرأة باعتبار أن الصحافة سجل لا يُمحى من ذاكرة التاريخ لأنها شاهد على مدى الأوقات والأزمان ومراقب للوقائع والأحداث وهي احدى الوسائل التي سيطرت على عقول الرأي العام.

ولد محمد رهيف ابن الشيخ علي الحاج في طرابلس سنة 1914 في أحد الأسواق القديمة بمنطقة السويقة ورقم سجله 156، وأصوله من قرية الحاج بعكار.

درس بكتاتيب طرابلس وتعلم القراءه والكتابه والقرآن الكريم، ثم دخل المدرسة السلطانية، وترك المدرسة وأرسله أبوه الى أقارب له في فريتاون بافريقيا، وعندما لم يجد نفسه هناك رجع بعد سنة الى طرابلس لينكب على المطالعة وقراءة الكتب الأدبية والأجتماعية والثقافية واجتهد حتى نال نصيباً وافراً من العلم، واخذ يراسل الصحف في بيروت كما مارس الكتابة في جريدة الشباب لصاحبها الأديب سميح القصير، وتعاون مع صديق الصبا والشباب سميح البابا الذي دخل السلك الديبلوماسي وأصبح فيما بعد سفيراً.

تزوج مترجمنا من قريبته لكنه ترمل باكراً بعد أن انجبت له ولدين هما القابلة القانونية منى والعميد المتقاعد فاروق الحاج، ورفض من بعدها الزواج متفرغاً بكليته للعمل الصحفي والشأن العام.

في سنة 1937 بدأ مشواره مع الصحافة عندما حصل على امتياز لرخصة مطبوعة غير سياسية هي صوت الفيحاء، وواجه صعوبات عديدة، وعندما خالف قانون المطبوعات صدر عن رئيس الجمهورية بناء على اقتراح وزير الداخلية مرسوم بتوقيف الجريدة عن الصدور سنة 1944 وبعد معالجة أسباب توقيفها عاودت الصدور، وفي سنه 1949 اصبح مالكاً لامتياز جديد باسم صوت الفيحاء لكن بصيغة تسمح له بتعاطي الأمور السياسية، وكانت المنبر الحر الذي يوجه ويرشد وينصح ويدافع عن حقوق طرابلس ولبنان ويقف بكل جرأة وصلابة الى جانب القضايا العربية، ومن خلال مهنته الصحافية تعرف على معظم رؤساء الجمهورية والحكومة وأقام معهم علاقات وديه ولقاءات عديده، وخصوصاً دولة الرئيس رشيد كرامي الذي ربطته معه صداقة ومودة، وكان منزله على موعد شهري يجتمع فيه رجال السياسه والفكر والمجتمع يتشاورون فيما يخص شؤون وشجون طرابلس، كما اقام علاقات مع ملوك ورؤساء وامراء العرب.

وشغفه وحبه لمهنة الصحافة واندفاعه الى حلبتها جعلاه يتبنى تعليم اثنين من طلاب العلم حتى حصولهما على ليسانس صحافة، واحد تخرج من جامعة القاهرة والثاني من جامعة بيروت العربية واحدهما يمارس حتى اليوم عمله الصحفي.

وبعد معاناة مع المرض فاضت روحه الى بارئها في الخامس من شهر آذار من العام 1984 ،ونعته نقابتا الصحافة والمحررين، ورحل تاركاً وراءه السمعة الطيبه والأخلاق الرفيعة، وقد رثاه صديقه الشاعر عطفت شعبان بقصيده طويله بعنوان” دمع البيان” هذا بعض منها:
بكتِ الفيحاء في دمع البيان

صوتها الرنان في كل مكان

بكتِ الفيحاء تنعي قلماً

ذاد عنها في العوادي منذُ كان

وتفانى في هواها عُمُراً

يبتغي مرضاتها في كل شان

إنه ذاك العصامي الذي

جعل الحرف فخاراً في الكيان

بل رهيفاً مرهفاً في كفه

يتحدى كلَ ظلاّمٍ… وجان

إنه الحاج ولا ريب به

من هدى الناس بخطٍ أو لسان.

الى أن يقول

فانعم اليوم أبا الفاروق في

رحمات الله بالأمن المصان

بهناء الراحة الكبرى على

سُرر الخلدِ بطلِّ المكرمان

وكان الاستاذ رهيف الحاج قد اوصى باهداء مكتبته العامره الى الرابطة الثقافية ونفذت الوصية
ليت بلدية طرابلس تطلق اسمه على أحد شوارع المدينة تقديراً لعطاءاته في الشأن العام.

 

Categories
من علماء طرابلس

المهندس رشدي سلهب

المهندس رشدي سلهب

 

 

الأستاذ معتز مطرجي

 

     إن الاقدار تجعل للانسان سمعةً مدويةً، نتيجة عمل مبدع او انجاز كبير، تلك السمعة المترددة بين آسيا والبرازيل تتوقف عند الجهد المثمر والعبقرية الفذة، التي ساعدت على سيرورة ذكر رشدي سلهب عبر السنين ليصبح حديث الاجيال، واخاله لن ينقطع ما قُرئ تصميم هندسي انمائي أو نفذ مشروع سد مائي.

لقد ادرك رشدي سلهب وهو في بدايات القرن العشرين أن الماء ليس مهماً للحياة فحسب بل إنه الحياة نفسها، وان قضية المياه واستخدامها، ستكون من أهم قضايا العالم التي ستأخذ طابع الصراع، تلك الأنهار التي تجري من خلال حدود الدول بين المنابع والمصبات، فذهب الى عاصمة الدولة العثمانية استنبول ثم الى عاصمة النور باريس ليتخصص بهندسة المياه والسدود وينال الاعجاب.

رشدي سلهب مهندس قدير اثبت جدارة عالية فخدم موطنه طرابلس ورفع فيها المستوى الصحي والبيئي، فصمم خزاناتها المائية ونفذ شبكة الانابيب التابعة لها، وقبلها اعطى كلاً من سوريا وتركيا والبرازيل مشاريع مائية ناجحة وناجعة، فكرّمته حكومات هذه البلاد ووضعت لوحات تذكارية اعترافاً بفضله ومقدرته، حتى أن رئيسة دير صيدنايا شمالي دمشق حملت صرة من الليرات الذهبية وقدمتها له جزاء عمله، فاعتذر بكبرياء وانفة وعفة نفس عن تسلم اي شيء، واعتبر ما قام به عملاً لوجه الله وخدمة الانسانية.

ولد رشدي سلهب في طرابلس سنة 1885 ونشأ في كنف أب شفيق هو الشيخ أحمد سلهب وأم حانية هي خديجة عدوي،وحظي بعلماء أجلاء ولاقى اساتذة في الدين واللغة، ودخل كتاتيب ذلك الزمان، شأنه شأن العشرات والمئات من أبناء الفيحاء فتربى وتدّين وتثقف وسافر الى استنبول وتابع دروسه فدخل كلية الهندسة، ثم توجه الى باريس والتحق بالمدرسة العالية للأشغال العامة، وتخصص بهندسة المياه والسدود، وبعد تخرجه عمل في فرنسا ثم أنتقل الى تركيا فسوريا ولبنان، وكان في كل هذه البلدان يتسلم ادارة مشاريع الاشغال العامة، وطلبته حكومة البرازيل واختارته من بين عدد من المهندسين الاكفاء في انحاء العالم ليقوم بتصميم وتنفيذ مشروع حماية مدينة ريو دي جينيرو من كوارث السيول والأمطار التي كانت تؤرق هاجس السكان في فصل الشتاء.

وقصة مياه دير صيدنايا (الشهير بدير السيدة، هو مزار بناه الامبراطور البيزنطي الشهيد يوستينيانُس) قصة يرويها المهندس فريد رشدي سلهب بكل فخر واعتزاز بواسطة صديقتنا الاستاذة هدى سلهب فيقول:

بعد أن يئست رئيسة الدير من استشارة المهندسين الكثر، الذين أفادوها بعدم جود ماء، طلبت من مترجمنا، وقد ذاع صيته في البلاد، دراسة امكانية حفر بئر، وافادها بتوفر المياه على عمق سبعين متراً، وباشرالعمّال فوراً الحفر اليدوي، ومنعهم من استعمال المتفجرات لأن ذلك يضر بعملية ظهورالمياه، واستمروا في الحفر حتى وصلوا الى العمق الذي حدده، ولم ينفجر الماء كما وعد، بل وجدوا طبقة رطبة، فأشار رشدي سلهب بالحفر ثلاثة أمتار ايضاً، واذا بالماء يسري بغزارة.

ومن المشاريع المائية التي نفذها:

1- مشروع مياه الفيجه

2- مشروع مياه بورصة في تركيا.

والمهندس رشدي سلهب ينتمي الى أسرة سلهب الطرابلسية التي تقول المصادر التاريخيه أنها ترجع بأصولها الى بني تميم في فلسطين، وتميم قبيلة عربية انجبت أعظم شعراء الجاهلية، وكانت لغتها حجّة بين لغات القبائل، ومنهم الصحابي تميم الداري، وسلهب اسم عربي يعني الطويل من الرجال.

لقد غدا رشدي سلهب، وهو اللقب الذي منحه اياه السلطان العثماني، واثبتوه على لوحة التكريم، غدا عاملاً في ثراء الهندسة المائية، وليكون مثلاً يحتذى في تصاميمه وانجازاته، فكان من الحق أن يذكر بالفضل وهو به حري.

توفي في طرابلس سنة 1949، وكان له جنازة مشى فيها اعيان وعلماء البلد، رحمه الله.

Categories
من علماء طرابلس

الأديبة جيهان غزاوي(جديد)

أديبة الفيحاء جيهان غزاوي

 

الأستاذ معتز مطرجي

 

    أديبة طرابلسية، تألقت في مجتمع ذكوري محافظ، خرجت عن نمط الحياة الرتيبة التي كانت تعيشها المرأة، وفكت غلال القيود الإجتماعية، وكأنها أخذت من اسمها الفارسي: الدنيا والعالم، محطة انطلاقة ادبية الى لبنان والعالم العربي. ظهرت نباهتها ووعيها….وهي دون العاشرة، فسجلت في دفاترها المخطوطة، خواطر ومذكرات على قدر كبير من الإدراك.

Categories
من علماء طرابلس

الشيخ محمد علي الشهال

الشيخ محمد علي الشهال

 

                                            الأستاذ معتز مطرجي

 

 

    في أواخر القرن التاسع عشر ظهر في طرابلس عالم نابغة من نوع مفرد، جمع العلوم الكيميائية الصناعية وعلوم الفلك، وبرع في آداب اللغة العربية، قام بتفسير القرآن الكريم بأسلوب سهل مختصر، وكتب رسالة في إستخراج الزيوت من النباتات، ثم ألّف رسالة في تربية دود القزّ نال على أثرها جائزة من الحكومة العثمانية مع وسام مذهّب، وتمكن من تركيب المتفجرات بدون ان يطلع على اختراع ألفرد نوبل الكيميائي السويدي سنة 1866، وصفه صاحب كتاب تاريخ طرابلس سميح الزين بنابغة طرابلس بلا مِراء، وعالمها الذي لا يجارى، كما أفرد له المؤرخ عبد الله نوفل حيزاً في كتابه تراجم علماء طرابلس، عدد فيه مآثره وإنجازاته.

ولد محمد علي بن يوسف الشهال سنة 1868 من أسرة معروفة بطرابلس تمتُّ بصلة النسب الى آل سيفا حكام طرابلس وعكار وحصن الاكراد، وشهال عند العرب، اسم قديم سمّي به أحد بطون حِْميَر، كما جاء في الإشتقاق لابن دريد، ولفظه مشتق من قوله: عين شهلاء اي ذات شهَلَ، والشهل أقل من الزرقة في حدقة العين وأحسن منها، أما المنجد فيقول ان بني سيفا هم أمراء من التركمان المماليك، كما يؤكد المؤرخ نوفل، انه اطلع على حجج ووثائق شرعية ممهورة بأختام قضاة ومفتين تؤكد صحة اتصالهم بنسب آل سيفا.

تلقى مترجمنا تعليمه الاول في طرابلس، ولازم الشيخ حسين الجسر لمدة عشر سنوات، ثم إنقطع للتدريس، وعندما اختاره البطريرك غرغوريس لتدريس اللغة العربية في مدرسة كفتين، قام بكتابة رسالة في علم المعاني والبيان بشكل موجز، وجعلها سهلة المأخذ لتعليم الطلبة بطريقة ميسرة، كما ألقى دروساً في مدرسة الفرير.

سافر الى الاستانة عاصمة دولة الخلافة للحصول على مزيد من العلم والمعرفة، وبعد عودته شرع في تأليف بحث بعلم الفلك، بأسلوب سلس يفهمه أكثر الناس، وخلال الحرب العالمية الاولى، ونظراً لانقطاع ورود المواد الكيمائية، إشتكى اليه دباغو طرابلس لكثرة ما يعانونه من طول المدة التي تستغرقها دباغة الجلود، فهداهم الى طريقة سهلة تمكنوا معها من إنتاج دباغات جيدة بفترة قصيرة. ومما يروى عنه، انه خلال العهد الحميدي، كان أرباب العلم ورجال الدين يعفون من الخدمة العسكرية، شرط تقديم امتحان امام اللجان الفاحصة، وكانت اللجنة تتقاضى من المتقدمين مالاً بصورة غير مشروعة لإعفائهم، وحين جاء دور الشيخ محمد أبدى للوسيط عدم رغبته بدفع اي شيء، وقال على اللجنة ان تسأل ما تريد، وخلال الامتحان شدد أعضاء اللجنة عليه بأسئلتهم ظناً منهم إحراجه وإخراجه، إلا أنه أدهشهم بأجوبته السريعة المحكمة، واعترفوا له بمقدرته وعلمه وذكائه وسعة إطلاعه، في حين كان بعض اعضاء اللجنة لا يحسنون الاجابات الصحيحة، وهكذا أعفي من الخدمة العسكرية.

ويذكر المؤرخ نوفل ان للشيخ محمد الشهال خدمات وطنية تذكر بالشكر، وكانت زاويته قرب الجامع الكبير ملتقى العلماء والادباء، وكان يقدم لزواره وجلسائه أطيب أنواع السكاكر. وفي كل مرة كان يطعمهم نوعاً جديداً لم يسبق ان تذوقوه، وكله من صنعه وابتكاره. وتذكر كتب التاريخ واصفة إياه بحسن المعشر ورضى الاخلاق والوفاء لأصدقائه.

في آخر أيامه أصيب بحمى التيفوئيد حيث لم تنفع نطاسة الاطباء، فتوفي على أثرها سنة 1918. رحمه الله وأنابه.

Categories
من علماء طرابلس

الأستاذ ممدوح النملي

الأستاذ ممدوح النملي

       الاستاذ معتز مطرجي

 

     كان معاصرو المربي ممدوح النملي يسمعون ترديده الدعاء التالي: “اللهم اجعلني خيراً مما يظنون”.

وكانت العرب تقول للرجال المعطاء: لله دَرّك ما خرج منك من خير، فكان رحمه الله كثير العطاء، جمّ الأفعال، ارتبط اسمُهُ مع نشأة كلية التربية والتعليم الإسلامية، ومع جمعية الخدمات الاجتماعية، وهو ممدوح السيرة بين الناس، مُثنى عليه، فكان لاسمه معه نصيب.

برز ممدوح النملي كمربٍّ قدير من مربّي التربية والتعليم، وكرائدٍ من روّاد العمل الاجتماعي، ومن رجالات السياسة والاقتصاد، ذي ثقافة ومعرفة عالية، دمث الأخلاق، كريم النفس، نذر نفسه وحياته لخدمة طرابلس ولبنان، وبذل الجهود لترسيخ الحياة العلمية والاجتماعية في ضمائر وعقول النشء الجديد، لإيمانه العميق أن هذا النشء هو رجاء الأمة ومعقد آمالها في مدارج التقدم والنجاح.

ولد ممدوح النملي إبن الشيخ محمد علي النملي في طرابلس سنة 1905 ودرس في كتاتيب المدينة حيث كان التعليم في مطلع القرن العشرين مقتصراً على مجموعة من (الخوجايات) للإناث، والكتاتيب لتعليم الذكور، وكانت هذه تعلّم القرآن الكريم والصرف والنحو وبعض الحساب، ثم انتقل الى مدرسة الفرير وأنهى تعليمه الثانوي فيها، وتابع تحصيله العلمي في مدينة حمص لينال من الكلية الرشيدية الإجازة في العلوم والتجارة.

ومترجمنا ينتمي الى أسرة إسلامية معروفة في طرابلس، وللإسم جذور في التاريخ الإسلامي، فهو اسم أسرة عباسية برز منها أبو حسان النملي نديم الخليفة المتوكل جعفر بن المعتصم، والنملي أيضاً اسم موقع للماء وجبال كثيرة قرب المدينة المنورة كما ورد في معجم أسماء الأسر.

في الثلاثينات من القرن الماضي شهدت كلية التربية والتعليم الإسلامية نهضة مذهلة، ولاقت إقبالاً منقطع النظير عندما أُسنِدت الإدارة الى المربي الحاج رفيق الفتال، والنظارة العامة الى المربي الأستاذ ممدوح النملي إمتدت الى الستينات، واختارته الإدارة لتعليم آداب اللغة الفرنسية مع الاستاذ محيي الدين مكوك للطبيعيات والاستاذ نور النعنعي للرياضيات والاستاذ درويش التدمري لآداب اللغة العربية، وكان أحد المعلمين في مدرسة الفرير.

في سنة 1947 عيّن عضواً في المجلس البلدي ثم نائباً لرئيس البلدية أيام المحافظ سميح عكاري، وسنة 1950 تولى رئاسة البلدية المحافظ غبريال أسود، ثم استُبدل بالزعيم نور الدين الرفاعي، وكان مع الاثنين نائباً لرئيس البلدية. وسنة 1951 ترشّح للانتخابات النيابية، وفي سنة 1955 إشترك مع عدد من العاملين بالحقل السياسي في الشمال بتأسيس الكتلة المتحدة، من بينهم الأساتذة قبولي ذوق، سالم كبارة، محمد حمزة، مصطفى المقدم، وسليمان فرنجية. ومن أهداف هذه الكتلة المطالبة بحقوق طرابلس والشمال، وكانت معارِضة لسياسة الرئيس رشيد كرامي.

وفي بداية القرن الماضي، كان سكان طرابلس لا يتجاوز عددهم الثلاثين ألفاً، يقيمون بالأحياء المملوكية القديمة، وعلى ضفتي نهر “أبو علي” فوق الرابيتين المطلتين على المدينة وحولها سهل مليء بالأشحار الظليلة وبساتين الاثمار اليانعة من الليمون والبرتقال، وكان اقتصاد طرابلس في جلّه يعتمد على الحمضيات والزيتون ومشتقاتها، فرأى مترجمُنا بنظره الثاقب وتفكيره الواعي حاجة المدينة الى جمعية ترعى المصالح، فتنادى مع نفر من أهل الاختصاص والمالكين الى تأسيس “جمعية ملاكي الجنائن”، وانتخب رئيساً لها، وانتخب الحاج عبد الرزاق الحسيني نائباً للرئيس، ومن الأعضاء فوزي فتال وعبد الله معصراني وفايز المطرجي ومحمد إحسان شطح وغيرهم.

في سنة 1991 توفي الاستاذ ممدوح النملي، وشيّعته طرابلس بمأتم كبير، وأقيم له حفل تأبيني نشرت تفاصيله صحف طرابلس المحلية، ونشرت جريدة “صوت الفيحاء” لصاحبها الأستاذ رهيف الحاج بتاريخ 31 كانون الاول 1991 عناوين الاحتفال: “الحمد لله على ما أنجز وعلى ما تيسر عمله” “تكريم الانسان” و “محبة الناس لا تقدر بثمن” وتحدثت عن الفقيد فقالت: أستاذ الجيل الذي أرسى من تاريخه في منعطف المدينة الثقافي إحتراماً استقر به مشروع مأوى العجزة، ونما على مر السنين… مع نمو جمعية الخدمات التي امتدت بثقافة وإدراك مؤسسها لتستقطب المبادرات الدولية الإنسانية حتى غدت معلماً من معالم المدينة”.

ممدوح النملي في حفل تكريمه الأخير: الحمد لله على ما أنجز وعلى ما تيسر عمله والفضل في ذلك حتماً، كما كان يقول، الى الله الذي يبارك أعمال الخير، وفي الدرجة الثانية الى صفاء النية واستقامة الطريق.

رحم الله أبا علي جزاء عمله الخير، وترديده الدائم: اللهم إجعلني خيراً مما يظنون.

Categories
من علماء طرابلس

الشاعرة ناديا نصار

الشاعرة ناديا نصار

الأستاذ معتز مطرجي

 

     كانت ناديا نصار من الشاعرات القليلات في حياة طرابلس الأدبية في منتصف القرن العشرين. فَتَنَها الأدبُ العربي الراقي فأقبلت عليه في مطالعات متصلة، متذوقة بنهم قوي، سحر شعراء العربية في العصور الذهبية، وراقَها أن يكون هذا التراث أثراً باقياً على الحياة، فانكبت على أسفار الأدب ودواوين شعره تلتهمها وتطالعها بعمق، حتى أصبحت وهي في حياتها الخاصة وتفكيرها الأدبي، عربية النزعة والميول، فتنتقي الكلمات وتصوغها كما يصوغ الجوهري قطعة من الحلي، ثم تعود فتسبك هذه الألفاظ في قالب من الشعر فتخرج منها أبياتاً وقصائد جميلة، موسيقية النبرات، رنانة الألفاظ، وتمتعت بشهرة واسعة لم تتوصل اليها سيدة أخرى في زمانها، وهذه المكانة مدينة بها إلى ثقافتها الأدبية ولحسن إلقائها الشعر في منتديات المدن العربية، ولقد صفّق لها الجمهور الأدبي وهو مأخوذ بموسيقى الكلمات، ووصفتها إحدى رفيقاتها بأنها متحف جميل مكوّن من عناصر جميلة، وأن فنَّها الشعري مثل روحها والحقيقة.

وشاعرتُنا مخلصة في حبّها لمجتمعها ووطنها ولصداقاتها وعلاقاتها مع الآخرين، تقف عند قولها، لا تتغير ولا تتحول عن أخلاقها النبيلة مهما تغير الناس.

وفي شعر ناديا نصّار تتجلى البساطةُ والصدق، ذاك أن الشاعرة اصطبغ شعرُها بصبغتها، ومن جميل ما أعطت وبديع ما أتت به قصيدتها بعنوان “شوق السلام”:

وأحب آفاق الحياة

مدى انتشاء وانعتاقْ

وأعيش في ظمأ القلوب

مع اللهيب.. صدى احتراقْ

وأطوف في شُعبِ الضلوع

الحانيات.. هوىً يُراق

وشفاً من الأحلام في

ليلى المريضة في العراقْ

خذني إليك عبر حبٍّ

منعشٍ، ولظى عناقْ

خذني إليك سماتِ وجدٍ

خالدٍ، ومدى انسياق

إلى أن تقول:

أأراك يا لبنان عُدتَ

وقد حنوتَ على الرفاق

وأراك بالإنسان لا خِدَعَ

الضمير ولا النفاقْ

فالبغضُ جوعُ الشرِّ

وهو يعيش من زرع الشقاق

وفي قصيدة السراب تقول:

كان عمري عذاب عمر وجيع

وحياتي مرّت بغير ربيع

وحياتي رماد ماضٍ تولى

ذاب في هيكل الأسى كالشموع

وحياتي دموع قلب شجيّ

ربَّ قلبٍ بكى بغير دموعِ

يا أساة الجراح عمري صقيعٌ

علِّلوني فقد يذوب صفيعي

أيعود الزمان؟ أسفح عمري

علّلوني… أما له من رجوعِ؟

كان دفءُ الحياةِ عندي سراباً

عطشي ظلُّ للسراب وجوعي

وجاء في ديوان الشعر الشمالي الذي أصدره المجلس الثقافي للبنان الشمالي سنة 1996 عن الشاعرة ناديا نصار ما يلي:

ولدت في طرابلس سنة 1934. تلقّت دروسها الابتدائية في مدرسة راهبات المحبة بطرابلس وأتمّت دراستَها الثانوية في كفرون رفقه.

درست في طرابلس أعمال السكرتيريا وعملت موظفة في شركة نفط العراق مدة 15 عاماً.

كانت عضواً في منتدى طرابلس الشعري وهي رائدة فكرة إنشاء الصالونات الأدبية.

شاركت في عدد كبير من الأمسيات الشعرية في طرابلس ودمشق واللاذقية وحماه وجبلة.

قدّمت شعراً في إذاعات الوطن العربي كما في بيروت والكويت. كتبت في الصحافة الأدبية كناقدة وبشكل خاص في مجال النقد التشكيلي.

نشرت ثلاثة كتب هي:

        ديوان: وجد تعرّى منشورات بعلبكي عام 1969.

– خطرات على ساحل المعرفة. كتاب وجداني نثري.

– ديوان زمن العشق بمساعدة اتحاد الكتاب العرب بدمشق.

– وهي عضو اتحاد الكتاب العرب بدمشق، ولها محاولات لإنشاء فرع له في طرابلس. توفيت في 11 نيسان 1994 بطرابلس.