سجلات المحكمة الشرعية وأهميتها
في تاريخ طرابلس العثمانية(1)
بقلم الأستاذ الدكتور عمر تدمري
تحتفظ المحكمة الشرعية في طرابلس بكمية ضخمة من السجلات الرسمية ذات القيمة التاريخية والتراثية والوثائقية التي لا تقدَّر بثمن، لكثافة المواد والمعارف الإنسانية والمعلومات والقضايا التي تشتمل عليها، والتي يمكن أن تقدّم مَعيناً ثرّاً من المعطيات التاريخية، والسياسية، والعسكرية والعمرانية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية والدينية والرياضية... ،الموثّقة والرسمية، خلال حقبة طويلة من العصر العثماني، ليس عن مدينة طرابلس فحسب، بل عن معظم ساحل بلاد الشام، باعتبار أن طرابلس هي عاصمة الولاية العثمانية على هذا الساحل، والتي تمتد حدودُها الساحلية من الجبل الأقرع بنواحي أنطاكية شمالاً، حتى جسر المعاملتين عند جونية جنوباً. وتمتد حدودها الداخلية لتشمل اللاذقية، وجبلة وحماة وحمص وطرطوس وقلاع الدعوة العلوية، ونواحي صافيتا شمالاً، حتى جبال الجرد والعاقورة جنوباً، مروراً بالبُقَيعة والشَعرا والهرمل وعكار والضنية والزاوية والكورة وجبّة بشري وجرود البترون وجبيل. ولا يَخْفى ما لهذه السجلات من قيمة علمية في توضيح المسار الحضاري لتاريخ طرابلس وإيالتها في العصر العثماني.
وتغطي السجلات حقبة زمنية تمتد من بُعيْد النصف الثاني من القرن السابع عشر بقليل، وبالتحديد من سنة 1077هـ/1666م. حتى الآن. ويزيد عدد السجلات على المئة، بحيث أن السجل الواحد لا يقتصر على قضايا سنة واحدة فقط، بل قد يحتوي على وقائع سنتين أو أكثر. كما أن كل سجل يتألف في المتوسط من نحو 300 ثلاث مئة صفحة من القطع الكبير (طول الورقة بمعدل 40 سم) والسجل بدوره يشتمل على نحو 500 (خمس مئة) قضية في المعدَّل.
هذه القضايا تختلف وتتنوع، وتطول وتقصر بحسب موضوعها، وهي تندرج تحت أكثر من مئة عنوان، مثل:
قضية بيع وشراء، قضية دعوى، قضية التزام مقاطعة، قضية احتكار، إجارة، مقاسَمَة، فرمان (مرسوم سلطاني شريف) بيورَلْدي (مكاتبة ديوانية رسمية)، فراغ وظيفة، تقرير في وظيفة، تنصيب مشيخة، إقرار أصناف الحِرَف، نفقة، وصية، عتق، بناء، ترميم، بناء، وقف، تولية، إثبات نسب، كشف على مبنى، وكالة، صُلْح، إبراء، حجر، إخبار، تنفيذ وصية، رواتب أنفار القلعة والأبراج، خسائر فيضانات النهر، تحرير تركة، دفتر متروكات، أثمان الكتب، إحصاء الحارات، بوابات البلد، الأفران، الخانات، الحمامات، الجوامع، القناقات (الفنادق)، المصابن، مطابخ الطعام، أسعار الخبز واللحم والخُضْروات والبقول، مرسوم المحلات...
وهذه العناوين العامة يتفرع عنها مئات العناوين الأخرى، وهذه المجموعة الهائلة من عناوين الموضوعات والقضايا بحاجة ماسة إلى فهرستها وتصنيفها فهرسةً وتصنيفاً علمياً وأميناً. وحتى يستقيم هذا العمل ويؤدي المحصلة المرجوّة منه، والتي تيسّر للباحثين سُبُل البحث والدراسة، يقتضي وضع فهارس تفصيلية إضافة إلى الفهرس العام، منها: فهرس خاص بالأعلام، وفهرس بالأسر والأنساب، وفهرس بالأماكن والبلدان والمواقع، وفهرس بالمفردات والمصطلحات والألقاب، وإلى جانب هذا وذاك، ترجمة الفَرَمانات والأوامر والمراسلات التركية العثمانية التي تحفل بها السجلات، فضلاً عن ترقيم الصفحات، وترقيم القضايا، وترقيم الأسطر في كل صفحة.
يتبع