تأسيس المدينة....
بقلم السيد عبد العزيز سالم
" اشرنا فيما سبق إلى أن مدينة طرابلس مدينة فينيقية الانشاء، أسسها الفينيقيون في تاريخ لا يمكننا تحديده على وجه الدقة، على امتداد الساحل الشمالي لشبه جزيرة الميناء، وأشرنا ايضاً الى عدم توصلنا الى معرفة اسمها الفينيقي القديم، وان كنا نرجح رأي الدكتور أنيس فريحة في احتمال تسميتها بتربيل. وعلى هذا الاساس فانني أميل الى تسميتها بتربيل او طوربيل، في الفترة الواقعة ما بين انشائها الى ان تأسست فيها الاحياء الثلاثة الممثلة لمدن فينيقيا الكبرى: صور وصيدا وأرواد. ولم تكن طوربيل في هذا العصر القديم سوى قرية صغيرة لا حظّ من الأهمية/ ولم تبدأ طوربيل تأخذ طريقها في الظهور الا بعد أن أصبحت مركزا للاتحاد الفينيقي الذي يضم المدن الثلاثة المذكورة التي رأت ضرورة اقامة مركز لهذا الاتحاد يرعى مصالحها كمدن فينيقية مستقلة. وقد وقع اختيار ممثلو هذا الاتحاد على قرية طوربيل لهذا الغرض باعتبارها موضعاً غير معروف، تجنباً لعوامل النزاع والخلاف التي يمكن ان تنشب لو أن هذا الاتحاد أقيم في احدى هذه المدن. وأطلق على المدينة طوربيل اسم سامي هو "أثر"، وقد بدل هذا الاسم فيما بعد الى تريبوليس وهي لفظة اغريقية تعني المدينة الثلاثية او الثلاث مدن، تعبيراً عن الاحياء الثلاثة التي أصبحت تتألف منها المدينة، وكان يحيط بكل من هذه الاحياء سور قائم بذاته. ووردت أسماء هذه الأحياء في حوليات آشور نصربال على هذه الصورة: مخلات وماييز وكايير. وهكذا أقيمت مدينة أثر أو طرابلس وأصبحت مركزاً للاتحاد الفينيقي، ومقراً لاجتماع المؤتمر الفينيقي العام، وهو مؤتمر كان يعقد في أوقات الخطر، ويحضره نحو ثلاثماية عضو يمثلون المدن الفينيقية الثلاثة المذكورة، للبحث في المشاكل التي تتعلق بمصالح البلاد. وكانت المدن الفينيقية في العصر الفارسي تتمتع بحرية كبيرة في التجارة واستقلال جزئي، ويبدو ان التدخل المتواصل الذي كان يقوم به الملك ارتحشستا الثالث في شؤون هذا المؤتمر، وأعمال العنف التي يمارسها الفرس وتسلطهم في البلاد، يبدو ان كل ذلك أثار عوامل الثورة في النفوس. فعندما انعقد المؤتمر في سنة 352-351 ق.م. في طرابلس، تباحث المؤتمرون في ضرورة المحافظة على استقلال مدنهم، ورفع راية الثورة بطبيعة الحال ضد السيادة الفارسية."
طرابلس الشام في
التاريخ الاسلامي ص 18-19
الاسكندرية 1967