محمد أمين الصوفي السكري
(1868-1933)
أديب وباحث جغرافي ومؤرخ.
ولد في طرابلس وتعلّم في مدارسها ثم راح يتردد على أهل العلم والأدب فأتقن العربية والتركية وألم بالفارسية. وكان كثير المطالعة كثير الأسفار. والده هو عمر باشا، وكان جنرالاً في الجيش التركي من أصول ألبانية. وشغل المترجم بعض الوظائف الحكومية فعّين عضواً في مجلس بلدية طرابلس سنة 1901؛ وكان آخر منصبين تقلدهما باشكاتب مجلس الإدارة في طرابلس والشمال، ثم باشكاتب الأوقاف . وكان صاحب خط جميل على الطريقة الفارسية.
وقد وضع كتاباً مشوقاً مسلياً فيه ظرف وطرافة ومعرفة وثقافة. ودعاه سمير الليالي (وهو في عشرة أجزاء: تناول في الأول جغرافية الدول العثمانية وفصّل ولاياتها وطريقة الحكم فيها وعدد السكان والفرق الدينية وفي الثاني أشهر الحوادث التاريخية وفي الثالث ما اتصفت به سكان الكرة الأرضية من العوائد الغربية والأخلاق العجيبة، وفي الرابع غرائب في الفوائد العلمية، وفي السادس حكايات شيقة ونوادر عصرية، وفي السابع أمثالاً شعرية ونثرية وعامية. وفي الثامن بعض فوائد صناعية وفوائد طبية، وفي التاسع ألغازاً وأحاجي شهية وألعاباً سيماوية وفي العاشر حكايات ومناقب عن الصحابة الكرام.
طبع الكتاب للمرة الأولى في العام 1317هـ في مطبعة البلاغة بطرابلس الشام، برخصة نظارة المعارف الجليلة رقم 29 صفر سنة 1316هـ عدد 405 في 262 صفحة من القطع المتوسط.
ثم طبع طبعة ثانية في المطبعة ذاتها سنة 1328هـ مع إضافات كثيرة تتميماً للفائدة (الجزء الثاني)، أما الجزء الأول فطبع للمرة الثانية في مطبعة الحضارة بطرابلس الشام سنة 1327هـ. والكتاب مثقّف لتعدّد موضوعاته وللفوائد الكثيرة التي يشتمل عليها وأسلوبه واضح لا تعقيد فيه.
وفي ما يأتي نماذج من الكتاب:
أولاً: وصف طرابلس في عهده: ص102-106.
ثانياً: وصف الأسكلة ( الميناء اليوم ): ص107-108.
ومن الطرائف التي يذكرها ما تفعله العامة وقت الكسوف والخسوف، وما يفعله العوام من النذر للأموات، فضلاً عن أوهام النساء الخرافية.
ثالثاً: سبب ما تفعله العامة وقت الكسوف والخسوف: ص317-318.
رابعاً: ما يفعله العوام من النذر للأموات: ص325-326.
خامساً: أوهام النساء الخرافية: ص326-327.
أولاً: وصف طرابلس في عهده
طرابلس وهي بلدة وافرة المياه كثيرة المنتزهات ذات حدائق غناء ورياض فيحاء تجري مياهها في دورها وشوارعها وجوامعها وحماماتها ومحلاتها العمومية ويحيط بها البساتين والجنائن المزدانة بأنواع الأثمار سيما الليمون والبرتقان على اختلاف أنواعهما من الغرب والجنوب والشمال حتى البحر ويصل إليها الماء بقناة وأصل منبعه من نبع يقال له نبع رشعين وهو يبتدئ أولاً من بقعته المعروفة ويجري نهراً عذباً سائغاً وبعد مسافة قليلة ينفصل منه سكر يدعى بسكر المرداشية مسامتاً له ثم يعود إليه من طاحونة المرداشية أمام قرية زغرتا وبعد أن يتجاوز طاحونة المرداشية وسكرها المنصب فيه بمسافة قليلة ينقسم إلى ثلاثة أقسام قسم منه يدخل في قناة البلدة المخصوصة وينتهي إلى طرابلس وقسم منه يدخل فيسكر مخصوص للطواحين وقسم يبقى جارياً في الوسط نهراً يجري بين بساتين حتى يختلط بنهر أبي علي غير أنه من الأسف أن ماء طرابلس يرد في فصل الشتاء إلى البلد ممزوجاً بالمواد الغريبة التي تغير أوصافه الثلاث وذلك من السواريط التي تنصب في القناة ولا طريقة لوصول الماء سالماً ومنع هذه الأوخام عنه سوى جريان الماء بقساطل من حديد أو تصليح القناة وتغطيتها. ونهر أبي علي يدخل البلدة في محلة السويقة فيجعل البلدة شطرين وعليه جسران داخل البلدة وهو بعد أن يدير طواحينها ويسقي بساتينها يصب في البحر عند مرج بديع موسوم ببرج رأس النهر وفي الجهة الشرقية من طرابلس ( قلعة) من آثار الصليبيين بناها ريموند من تولوس سنة 1103 ميلادية على ذروة جبل وهي تشرف على عموم البلدة والجنائن والأسكلة وعلى قسم من جبال الضنية وجبل لبنان وهي الآن محبس عمومي.
وبطرابلس اثنا عشر جامعاً منها (الجامع الكبير) ويعرف بالمنصوري وهو أعظمها أنشئ سنة 693 وله أربعة أبواب أعظمها الباب الشمالي الموصل إلى سويقة النوري ويليه الباب الشرقي ومنه يتوصل إلى سوق العطارين وبحذاء هذا الباب مدرسة القرطائية وفي وسط صحن الجامع حوض ماء كبير وعليه قبة وبحذائه مصلى وعلى دائرة صحن الجامع أروقة وبجانب الحرم في الجهة الغربية عن يمين الداخل إليه غرفة بها الآثار النبوية ومنها (جامع العطار) وقفه الشيخ ناصر الدين العطار المتوفي سنة 749هـ و (جامع طينال) وهو خارج البلدة من الجهة الغربية منتهى مقبرة باب الرمل و (جامع أرغون شاه) و (جامع محمود الزعيم) ويعرف بجامع المعلق في محلة الحدادين و (جامع الطحام) و (جامع البرطاسي) و (جامع محمود بك).
وبها ثمانية حمامات متقنة نظيفة أرحبها وأبهجها (حمام الجديد) في محلة الحدادين و (حمام عزالدين) و (حمام النوري) و (حمام الحاجب) وبها (مارستان) بناه الأمير بدرالدين محمد بن الحاج أبو بكر أحد الأمراء بحلب المتوفي والمدفون بها سنة 742هـ و (خانقاه) معدة لسكنى الأرامل من فقراء النساء و (مطبعة البلاغة) تطبع بها جريدة طرابلس أيضاً وهي جنوبي دار الحكومة و (مطبعة الحضارة) و (مكتب اعدادي) في موقع التل و (مولويخانه) مبنية في واد بهيج على ضفة نهر أبي علي بها مياه وافرة و (مدرسة للبنات) وتجاهها (دير الراهبات العازارية) و (ثلاث عشرة مصبنة) لطبخ الصابون و (ثمانية طواحين) للدقيق مبنية على ضفاف نهر أبي علي ومن أشهر منتزهاتها (موقع التل) وهو ميدان فسيح واقع شمالي البلدة على الطريق الاخذ إلى الأسكلة ويشتمل على مبان أنيقة أحدثت على الطرز الجديد منها (دار الحكومة) صرف على إنشاءه نحو ثمانية آلاف ليرة ومنها (المكتب الإعدادي) وبحذائه قهوة بها حديقة نضرة (لوكندة بهجة الشرق) و (البنك العثماني) و (قهوة التل) النادرة المثال لما اشتملت عليه من حسن المنظر ولطافة الموقع وهي على ربوة بديعة ضمن حديقة مزدانة بأنواع الأشجار والأزهار وفي بهرة الحديقة حوض ماء تستقي منه أشجارها وترتوي أنوارها وتتخلل هاتيك البنايات البديعة والمنازل العمومية والقهاوي خضرة الأشجار وحمرة الرمول وقد شيد في هذا الموقع سنة 1318هـ ساعة عمومية تجاه دار الحكومة وقد كان هذا الموقع منذ أمد لا يتجاوز الثلاثين عاماً قاعاً صفصفاً. ومن منتزهاتها (البداوي) وهوّ موقع بهيج شرقي طرابلس على بعد نصف ساعة عنها وفيه ينبوع ماء زلال مستدير يحيط به جدار محيطه نحو ثمانين ذراعاً وترى السمك يتخلل ذلك الماء وعلى دائرة الينبوع مصاطب مبلطة بأحجار ملونة وبحذائه مقام البداوي وهناك مصلى أيضاً. وأزقة طرابلس وشوارعها مبلطة نظيفة وأشهر شوارعها (سوق البازركان) و (سوق العقادين) و (الصياغة) ولها شارع عمومي يبدأ من أول البلدة وينتهي بأخرها بطول ثلث ساعة ويشتمل على مخازن ودكاكين وخانات وقهاوي وحمامات وجوامع وأسبلة متعددة وتتفرع منه شوارع وأزقة كثيرة ومبدأ هذا الشارع محلة الحدادين قرب المقبرة العمومية المدعوة بباب الرمل وهناك الطريق العمومي الآخذ إلى جبل لبنان وبيوت وينتهي إلى باب التبانة شرقي البلد ومتى خرجت من باب التبانة وسرت قليلاً تجد أمامك طريق الشوسة الممتد إلى حمص وحماه. وبين طرابلس واسكلتها التي تبعد عنها نحو نصف ساعة (خط ترامواي) يبلغ طوله أربعة آلاف متر وهو مملوك لشركة وطنية بموجب فرمان عال وبينهما (طريق شوسة) أيضاً تسير عليه عربات تظللها افنان الأشجار المغروسة على حافتي الطريق وبين طرابلس وحمص فحماه (طريق شوسه) تمر عليه عربات منتظمة طوله 135 كيلومتراً ومدة امتيازه خمسون سنة اعتباراً من 5 صفر سنة 1300. وفي شوال سنة 1327 صدرت الإرادة السلطانية بإعطاء الامتياز للخط الحديدي بين طرابلس وحمص إلى شركة دمشق وحماه وبوشر بالعمل.
وأهلها يبلغون خمسة وعشرين ألف شخص ثلاثة أرباعهم مسلمون وهم موصوفون بشدة الشكيمة وعزة النفس وحب المجد ولديهم سرف في المأكل والملبس وبها عدد وافر من العلماء والأدباء. وقيل أن أصل أهاليها من أناس هاجروا من صيدا وصور وارواد فبنت كل فرقة محلة لها ومن ثمة دعيت باسم (ترثيوبوليس) ومعناه في اليونانية المدن الثلاث. وهذه المدينة استولى عليها الافرنج أيام حروب الصليبيين وذلك سنة 503 للهجرة واستمرت بأيديهم إلى أن قيض الله لها الملك المنصور قلاوون فافتتحها أوائل سنة 688 فتكون مدة لبثهم بها 185 عاماً وكانت حينئذ بغاية المنعة والحصانة ويحيط البحر بغالب جهاتها إلا الجهة الشرقية وحينما حاربها الملك المنصور واستولى عليها عنوة هرب أهلها إلى الميناء فنجى اقلهم في المراكب وقتل غالب رجالها وذكر الملك المؤيد إسماعيل أبو الفدا في تاريخه ما نصه: " وحصار طرابلس هو أيضاً مما شاهدته وكنت حاضراً فيه مع والدي الملك الأفضل وابن عمي الملك المظفر صاحب حماه قال ولما فرغ المسلمون من قتل أهالي طرابلس ونهبهم أمر السلطان المنصور فهدمت ودكت إلى الأرض وكان في البحر قريباً من طرابلس جزيرة وفيها كنيسة تسمى كنيسة سنسطماس وبينها وبين طرابلس المينا فلما أخذت طرابلس هرب عالم عظيم من الافرنج والنساء إلى الجزيرة المذكورة والى الكنيسة التي فيها فاقتحم العسكر الإسلامي البحر وعبروا بخيولهم سباحة إلى الجزيرة المذكورة فقتلوا جميع من فيها قال وهذه الجزيرة بعد فراغ الناس من النهب عبرت اليها في مركب فوجدتها ملأى من القتلى بحيث لا يستطيع الإنسان الوقوف فيها من نتن القتلى ا. هـ.
ثم أن المسلمين بنوا على ميل عن طرابلس مدينة أخرى دعيت باسمها واستوطنوها. وحين حضور الافرنج إلى طرابلس كان بالمينا مكتبة جمعها القاضي أبو طالب تحتوي على ثلاثمائة ألف مجلد فاحترقت وفي سنة 1366 مسيحية استرجع طرابلس ملك قبرص فأحرقها ثم عمرت أيضاً وفي سنة 922 هجرية استظلت تحت لواء السلطان سليم الأول والى هذا التاريخ لم يعلم بالتحقيق محل طرابلس الأصلي.
ثانياً: وأما الأسكلة فهي على لسان داخل في البحر وبينها وبين طرابلس نحو نصف ساعة ودار حكومتها على جانب الرصيف الحجري ومتى انتهى القادم من البحر إلى نصف الرصيف يشاهد على يساره دار الحكومة وعلى مقربة منه حوض ماء جار وبقربه (جامع الداكيز) ثم يدخل الشارع المسمى بسوق المسلمين وبعد بضعة خطوات يتراءى له جامع الاسكلة وهو راكب على الطريق فيجتاز من تحته وهناك على يمين السائر (حمام) وبعد أن ينتهي من السوق يرى (جامع غازي) على يمينه وورائه جبانة ثم يصل إلى (الجامع الحميدي) وهناك يتراءى له محطة خط التراموي الموصل إلى طرابلس فيدفع متالكين ويركب التراموي فيسير به بين الجنائن والبساتين وحينما ينتهي إلى نصف الطريق وهو موقع (بركة المرج) يرى على يمينه بناية كانت (مستشفى للغرباء) وعلى يساره طريق الشوسة وبحذائه حوض ماء عذب ومصلى فيقف التراموي ريثما تصل العربة الثانية الآتية من طرابلس ثم يسير به بين الجنائن والبنايات إلى موقع التل السابق ذكره فيرى (دار الحكومة) على يمينه و (الساعة العمومية) على يساره ثم تبدو له بناية (البنك العثماني) على يمينه وتجاهها حديقة وحوض ماء ثم يرى (المكتب الاعدادي) على يساره وتجاهها (لوكندة بهجة الشرق) وغيرها من المباني البديعة ثم ينتهي إلى موقف التراموي وعدد نفوس الأسكلة زهاء ستة آلاف شخص وأعظم شوارعها سوق المسلمين وسوق الخراب وبها أربع جوامع أعظمها جامع الأسكلة ومكاتب عادية والمكتب التهذيبي وكمرك أنشئ حديثاً وحمامان أنظمهما (الحمام الجديد.