كنيس اليهود
بالإضافة إلى معابد المسلمين والمسيحيين، كانت طرابلس تضم كنيساً لليهود وكان هذا الأخير قائماً جنوبي خان العسكر في محلة الدبّاغة التي كانت تعرف قديماً بمحلة اليهود[1]، ويعرف اليوم بوقف اليهود. ولا نعلم بالضبط تاريخ تأسيس هذا الكنيس، وجلّ ما نعلمه عنه أنه كان قائماً في العام 1230هـ/1814م. وكان له أوقاف ملحقة به كما نتبين من نص الوثيقة الآتية:
"حجة بيع لكنيسة اليهود
بمجلس الشرع الشريف بطرابلس الشام المحمية لدى متوليه مولانا الدرويش محمد أفندي الحاكم الشرعي بها حالاً، حضر كل من اليهوديان خضر وسليمان ولدي اليهودي يوسف وباعا وهما في حال من صحتهما ونفوذ تصرفاتهما الشرعية ما هو لهما وملكهما وتحت طلق تصرفهما ومنتقل إليهما بالشراء الشرعي بموجب حجة شرعية سابقة التاريخ على تاريخه، بحيث يسوغ لهما بيعه وقبض ثمنه وأنواع التصرف فيه شرعاً من حافظ هذا الكتاب الشرعي وناقل ذا الخطاب المرعي اليهودي خضر ولد سليمان اليهودي المتكلّم على وقف كنيسة اليهود بالمحمية، وهو إشترى منهما بمال وقفها لها دون المتكلم وغيره، وذلك جميع النصف الشايع وقدره إثني عشر قيراطاً من أصل أربعة وعشرين قيراطاً من كامل الدار الكاينة في محلة اليهود من محلات طرابلس الشام المحمية الشهيرة بدار اليهودي مراد هارون دانا، يحدها قبلة القليط وشرقاً قسيمها وشمالاً الطريق وفيه الباب وغرباً بيت اليهود المرتب على كامل الدار لوقف جامعي الكبير والتوبة بطريق الحكر الشرعي في كل سنة قرش واحد وبما لذلك كذلك النصف الشايع من كامل الأدب والمطبخ المشترك وبكل حق وتابع هو للمبيع شرعاً من طرق وطرايق ومضافاة ولواحق وما يعرف به ويعزى إليه شرعاً بيعاً باتاً قطيعاً وشراءً صحيحاً مرعياً عن الغبن والضرر والمفاسد الشرعية كل منهما خليا بالإيجاب والقبول والتسلم والتسليم الشرعي بثمن وقدره من القروش الأسدية ثمانماية قرش وخمسة وعشرون قرشاً دراهم سلطانية معاملة يومئذ مقبوضة تماماً بيد البايعين من يد المشتري من مال وقف الكنيسة القبض التام الشرعي بالإعتراف المرعي، فبريت بذلك ذمة المشتري والوقف من عامة الثمن المعين ومن كل جزء ومنه البراءة الشرعية غب الروية والخبرة والمعاقدة الشرعية وضمان الدرك والتبعة لازمة (اللازمة) شرعاً حيث يجب قطعاً. وأجاز مولانا وسيدنا الحاكم الشرعي المومى إليه ذلك وحكم بصحته ولزومه وأمر بتسطيره، فسطّر بالطلب في ثالث عشر صفر الخير سنة ثنتين وثلاثين ومايتين وألف"[2].
ونستدل من عبارة "المرتب على كامل الدار لوقف جامعي الكبير والتوبة بطريق الحكر الشرعي في كل سنة قرش واحد" التي وردت في نص الوثيقة، أنّ هذه الدار التي بيعت لوقف كنيس اليهود، مبنيّة في عقار تابع لوقف الجامعين المذكورين، وأن أحد اليهود كان قد اشتراها دون أرض الوقف المنشأة عليها والتي بقيت ملكاً لوقف الجامعين. فأصبحت الدار ملكه ملكاً صحيحاً شرط استمراره في دفع إيجار أرض الوقف المبنيّة فيها والمحدّد بقرش واحد في كل سنة[3].
وهكذا نتبين الأخلاق السامية التي حافظ عليها المسلمون من أبناء طرابلس في معاملة اليهود فيها إذ أنهم تسامحوا معهم في استخدام أراضي أوقاف الجوامع لمصالح معابدهم.
[1] - تم تحويله مؤخراً إلى محل لدبغ الجلود بعد أن هجر اليهود مدينة طرابلس.
[2] - سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس: سجل42، ص204، تاريخ 1232هـ.
[3] - لم يكن مسموحاً بيع الأوقاف قبل عهد الإنتداب، بل كان يجوز إيجارها بطريق الحكر الشرعي أو الجدك. وبموجب صك الإيجار كان يحق للمستأجر زراعة أرض الوقف أو إقامة منشآت معمارية فيها على أن تبقى الأرض ملكاً للوقف وأن تكون الأغراس أو المنشآت المعمارية ملكاً للمستأجر يحق له التصرف به أو بيعه متى شاء شرط استمراره في دفع بدل الإيجار الذي يعرف بالحكر الشرعي أو قيمة الجدك.