رمضان عبر السنين
إعداد معتز مطرجي
رمضان الشهر التاسع من شهور السنة، وفق التقويم الهجري، سمِّي بهذا الإسم عام 412م على وجه التقريب، وذلك في عهد كلاب بن مرّة، الجدّ الخامس للرسول عليه الصلاة والسلام، واشتق اسمه من الرمض، وهو حر الحجارة من شدة حر الشمس، ويقول بعض العلماء: ان شهر رمضان مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حرّ جوفه من شدة العطش، وقد فُرض الصوم المسلمين في السنة الثانية من الهجرة وكان الرسول يتعبد فيه بغار حراء حتى قبل البعثة الشريفة.
وكان المشهد الرمضاني في طرابلس خلال منتصف القرن الماضي ينبض بالتقوى ويشرق بالبهجة ويعكس تراث المجتمع الطرابلسي، وهو مشهد يجمع بين الصوم والصلاة وحلقات الدرس والذكر وقراءة القرآن، وكانت المساجد تعمر بالوعّاظ منذ صلاة الظهر لا سيما في الجامع المنصوري الكبير مع العلماء الشيخ عبد الكريم عويضة والشيخ صلاح الدين أبو علي مبعوث الأزهر الشريف، ثم بعد العصر مع الشيخ فؤاد اشراقية ومع حفظة القرآن الكريم في غرفة الأثر الشريف للتلاوة والختمية. ولا أدري ماذا أصاب الدنيا وماذا دهى الناس في هذه الأيام، فلم تعد الاحتفالات بمقدم رمضان كما كانت تشيع فيها الفرحة المشوبة بالحنين الى عصور الورع، كما عرفناها ونحن في سن مبكرة، وقليل من الناس استطاع ان يحتفظ بعادة الاحتفالات القديمة... فأين ما نصنعه اليوم مما شهدناه ونحن صغار...
ومن ناحية أخرى ارتبط شهر رمضان عند الكثير من الناس بموائد الطعام الدسمة الفاخرة المتنوعة التي جذبت انتباه من خالَطَ أهل المدينة أو جاورهم. وقد ينطبق هذا على أكثر المدن العربية والاسلامية، واللافت عند بعض الرحالة ان اليونانيين حتى وقت قريب كانوا يطلقون على موائدهم الفخمة اسم رمضان.
وفي كتب المؤرخين نصوص تفصيلية عن الاحتفالات بشهر رمضان في العصور السابقة والتواصل بين الحكام والناس، ففي الدولة الفاطمية كانت الاحتفالات من أهم دعائم سياسة السلطة تجاه المصريين، ربما كان القصد منها المبالغة في في إظهار عظمة الدولة الشيعية في عيون رعاياها السنّة، وربما كانت الدولة الفاطمية تتصرف بمنطق حكومات الاقلية على حد تعبيرنا المعاصر.
وكان للخليفة في مصر عدة مواكب دينية عظيمة في رمضان منها موكب رؤية الهلال والذي ألغاه القائد العسكري جوهر الصقلي المرسل من قبل المعز بدين الله من تونس لاحتلال مصر، لأن الفاطميين كانوا يعتمدون على حساب شهر رمضان ثلاثين يوماً، وكان لإلغاء الصقلي موكب الاستطلاع أن أغضب أهل مصر لأن لموكب رؤية الهلال ترتيبات كبيرة معقدة ألفها المصريون، ففيه يخرج الخليفة بثيابه الفخمة المزركشة، وعلى رأسه التاج الشريف، والدرة اليتيمة على جبهته، متقلداً بالسيف العربي، وقضيب الملك بيده ومعه الوزراء وكبار رجال حاشيته وعسكره، وفي أوائل العسكر ومتقدميه والي القاهرة ذاهباً وعائداً لفسح الطريق وتسيير من يقف... ويسير الموكب بصحبة الموسيقى من باب القصر، ويدور ول جزء من سور القاهرة، كما كان خلفاء الدولة الفاطمية يخرجون بمواكب أيام الجمع، فالجمعة الثالثة بالجامع الأزهر، في حين كانت الجمعة الرابعة بالفسطاط العاصمة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في ذلك الزمان، والتي كان أهلها يكرهون الفاطميين.
شهر رمضان المبارك أيام نادرة ومتكررة في حساب السنين، وهو شهر لا مثيل له في أي تقويم لأية أمة من أمم الارض، يجيء كل سنة في موعد مختلف عن الموعد السابق أو اللاحق، لكنه يجيء. وشهر رمضان مدهش حقاً فقد يأتي في قيظ الصيف أو في برد الشتاء أو في أيام الربيع أو الخريف. وكل عام وأنتم ورمضان بخير.
نشرت في جريدة البيان بتاريخ 25 تموز 2012