رشيد رضا والمسألة العربية
بقلم الدكتور أنيس الأبيض
نشأة رشيد رضا .
قبل أن نستعرض موقف السيد رشيد رضا من المسألة العربية ، لا بد أن نعرّج ، ولو بشكلٍ موجز ، على مسيرته . فهو مؤسس وصاحب مجلة المنار وتفسيره وغيرها من الآثار . فقد عاش نحو من سبعين سنة ، كانت حافلة بالأحداث والأعمال ، وما قيل عن هذه السيرة ، أو ظهر بشأنها ، لا يتجاوز نطاق الإجمال . فهي تكمن في أمرين : أحدهما فطري ، وهو الاستعداد الذي يتوافر له من كمال الخلقة ، واعتدال المزاج ، وحسن الوراثة للوالدين والأجداد . وثانيهما مكتسب ، وهو التربية والتعليم النافع . وقد اجتمع هذان الأمران في شخص محمد رشيد رضا ، إذ هو سليل بيت عربي إسلامي عريق ، يتحدّر من نسل الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، ويستمد بالتالي الشرف والسيادة من انتمائه الى العترّة النبوية الشريفة [1] .
ولنسمعه يحدّثنا عن بيئته وبيته : " ولدت ونشأت في قرية تسمى القلمون على شاطئ البحر المتوسط من جبل لبنان . تبعد عن مدينة طرابلس الشام زهاء ثلاثة أميال ، وكان جميع أهل هذه القرية من السادة الأشراف المتواترين النسب . وأهل بيئتنا ممتازون ، ويعرفون بأنهم أهل العلم والإرشاد والرياسة ويلقبون بالمشايخ للتمييز " [2] .
في هذه البلدة – القلمون ، ولد محمد رشيد رضا في العام 1282 هـ / 1865 م ، وتوفي العام 1354 هـ / 1935م . فلا غرابة في أن يكون السيد الإمام قد اصطبغ بصبغة ذلك الوسط الديني الصافي ، وأن تكون تلك الطبيعة التي ترعرع في أحضانها ، قد فرغت فيه الشيء الكثير مما أغدقته على بلدته ، فجاء شامخ الرأس كجبال القلمون ، صلباً في دينه وعقيدته كصخورها ، فيّاضاً في علمه ، كذلك البحر الزاخر . الذي كان يجلس على شاطئه في ريعان شبابه فكان أن طلب العلم بالإخلاص ، وتوجيه الإرادة ليكمل به نفسه ويؤهلها للإصلاح الديني والإجتماعي ، حتى أصبح من أشجع دعاته وأشدهم جرأةً في مواطن الحق على الحكّام والعلماء [3] .
ويعرّج رشيد رضا في سيرته للحديث عن أساتذته الذين تخرّج عليهم ، فيشير الى أنه قد تخرّج في العلوم العربية والشرعية العقلية على الشيخ حسين الجسر ، الذي يصفه بأنه كان له إلمام واسع بالعلوم العصرية . وكان كاتباً وشاعراً عصرياً يكتب وينظم في كل موضوع بعبارة سهلة . كما كان من أساتذته الشيخ محمود نشابه ، والشيخ عبد الغني الرافعي ، والشيخ محمد القاوقجي كما يذكر بعض من طلبة العلم الذين عاش معهم ، كالعالم الأديب الشيخ عبد القادر المغربي ، وسعيد كرامه ، وعبد الغني الأدهمي ، والشيخ عبد المجيد المغربي والشيخ محمد الحسيني [4] .
هجرته الى مصر .
لخّص رشيد رضا ترجمة سيرته وما انتهى إليه في وطنه من تربية وتعليم استقلالي ، وآثار قلمية وشهرة علمية وأدبية وقناعة بضرورة السفر للإستزادة من العلم والإختيار ، حتى يتمكن من مواصلة خدمة دينه وأمته : " عزمت على الهجرة الى مصر ، لما فيها من حرية العمل واللسان والقلم ، ومن مناهل العلم العذبة الموارد ، ومن طرق النشر الكثيرة المصادر ... " [5] .
أتيحت للسيد الإمام ، وبعد صدور العدد الأول من المنار ، في الثاني والعشرين من شوال 1315 / 1898 ، نشر آرائه الإصلاحية الدينية والإجتماعية والسياسية ، فكان أن جال قلمه في كل القضايا التي تخص العالمين العربي والإسلامي ، بدءًا بموقفه من الانقلاب العثماني ، مروراً بالوثائق الرسمية للمسألة العربية ، وملاحظاته على الرسائل المتبادلة بين مكماهون والشريف حسين وانخراطه الفاعل في المؤتمرات التي عقدت آنذاك ، كالمؤتمر السوري العام الذي عقد في أوائل سنة 1919 ، وسائر المؤتمرات الأخرى . وتطرّقه الى وضع الخلافة أو الإمامة العظمى ، ورأيه في الثورة السورية والحركة الوهابية ، وموقفه المتميّز من الحركة الصهيونية وعملها لاحتلال فلسطين وسائر البلاد .
المسألة العربية عند رشيد رضا .
تولّدت عند رشيد رضا قناعة مفادها أن العرب بأغلبيتهم الساحقة كانوا غير ميالين الى الإنفصال عن جسم الدولة العثمانية ، رغم شعورهم بالنقمة وعدم الرضى عن المساوئ الناتجة عن تصرفات الحكام في الولايات والأقاليم ، بل كانوا يطالبون بإلحاح بالإصلاح الإداري والسياسي والعسكري والإقتصادي ويصرّون على التماسك العربي – التركي في وجه أطماع الدول الغربية في ممتلكات الدولة العثمانية . على أن صفاء النوايا العربية ، وولائهم لدولة الخلافة في فترة حكم الاتحاديين ، لم ينسِ رشيد رضا موقف الاتحاديين من المسألة العربية . فبعد أن اتهمهم بإضاعة ثلثي المملكة العثمانية ، وجميع الولايات العربية ومعظم الجزر البحرية ، شنَّ عليهم هجوماً عنيفاً ، واتهمهم بإفساد الجيش العثماني والتفريق بين العناصر المكوّنة له ، وإضاعة الأموال . وأنهم عمدوا لتأسيس بعض الجرائد العربية في عاصمة الدولة الأستانة ، غرضها التفريق بين العرب وغشّهم ومخادعتهم ، وتحقير مصلحتهم ، وإيقاع الشقاق بين مسلمي سوريا والنصارى منهم ، بالرغم من معرفتهم أن أواصر التآخي والوفاق قد شدت المسلمين والنصارى في بيروت . وأجمع الطرفان على أن يكونوا يداً واحدة في طلب الإصلاح لبلادهم ، وهذا ما لا يطيقه الإتحاديون . ويعتقد رشيد رضا أن تعريض البلاد العربية لاستيلاء أوروبا عليها ، أخف على قلوب الإتحاديين وأدنى في سياستهم ، من اتفاق أهلها وصلاح حالهم[6].
ويناشد رشيد رضا عقلاء البلاد السورية من المسلمين والنصارى ليعتبروا بهذا الآخاء ، فيزدادوا استمساكاً بحبل الوفاق والتآلف الذي وفقهم الله له وأن يعني كتّاب المسلمين منهم خاصة برد كل كلام يكتب لإفساد ذات بينهم بإسم الإسلام ، وبتحريك نعرة العصبية الدينية ، فإن هذا الإفساد مخالف لهدي الإسلام .
هذا الحرص الذي أبداه رشيد رضا على ضرورة تعاون أبناء البلاد السورية ، جعله يوجّه نداءً الى مسلمي سوريا بضرورة التعاون مع أبناء جنسهم من النصارى ، رافضاً أساليب منتحلي الدعوة الى قيام الجامعة الإسلامية الذين يستدلون بالآيات القرآنية ، ولا يعقلون مدلولاتها . إذ أن بينهم ممن يلفظ بالدعوة الى الجامعة الإسلامية ، دون أن يعرف حقيقة دعوة الإسلام ، فلا يصلي ولا يصوم . وأمثال هؤلاء أبرع في فن التجارة والدين " فلا تغتروا بما يقولون ، ولا بما يكتبون . ورب كلمة حق أريد بها باطل " . لذلك كان إصراره على ضرورة اتفاق أبناء الجنس والوطن على كل ما فيه المصلحة المشتركة التي تجمع المسلمين والنصارى على قاعدة المنار الذهبية " نتعاون فيما نشترك فيه ، ويعذر بعضها بعضاً فيما يختلف فيه ، ونحن متفقون في اللغة ، وفي مصالح البلاد الزراعية والصناعية والتجارية والإجتماعية ، فنتعاون على ذلك بغاية الإخلاص ويعذر بعضنا بعضاً في أمر الدين"[7] .
أما موقفه من المسألة العربية ، فلقد ظهر من خلال نقاط عدة أبرزها :
1. موقفه الإصلاحي غير الطائفي ، وتثمينه لأهمية العنصر العربي في جسم الدولة العثمانية .
2. ميله الى الوحدة العربية في إطار الوحدة الإسلامية .
3. موقفه من القضية اللبنانية ، واهتمامه بالقضية الفلسطينية .
يرى رشيد رشا أن العصبية الجنسية في ذلك العصر ، قد دخلت في طور سياسي جديد ، وذلك بسبب السياسة التي اتبعها الاتحاديون . فالأستانة بسياسة حكومتها وإدارتها بعد الدستور ، وسياسة جرائدها ، قد كوّنت هذا الشعور ، وجعلته حياً نامياً ، وينفي عند العرب صفة التعصّب الحبشي والعرقي ، إذ أنهم آخر الأجناس شعوراً بها ، لأن سوادهم الأعظم مسلمون ، لا يكادون يشعرون بغير الجنسية الدينية . ويتهم الاتحاديون بأنهم وراء هذه السياسة الجديدة التي ظهرت في العاصمة ، وهي أن العصبية الجنسية نافعة أو ضرورية ليرتقي كل جنس ، وأنه يمكن الجميع بينها وبين الوحدة العثمانية ، ولا سيما الوحدة بين العرب والترك من العثمانيين ، وأنه يجب على كل جنس أن يُرقّي نفسه من غير أن يضر غيره ، أو يحول دون الوحدة العثمانية .
ولا يرى السيد الإمام إحراجاً في الجهر بانتسابه العربي ، فنراه يكتب في مقال عن المسألة العربية قائلاً : إني عربي مسلم ، أو مسلم عربي . فأنا قرشي علوي من ذرية محمد النبي العربي الذي ينتهي نسبه الشريف الى اسماعيل بن ابراهيم عليهم الصلاة والسلام . فإسلامي مقارن في التاريخ لعربيتي ... فأنا أخٌ في الدين لألوف الألوف من المسلمين من العرب وغير العرب ، وأخٌ في الجنس لألوف الألوف من العرب المسلمين وغير المسلمين [8] .
هذا التوافق بين مصالح العرب والمسلمين ، دفع رشيد رضا للتطلّع الى نهضة العرب ومستقبلهم ، دون أن يكون ذلك متعارضاً مع مصلحة الدين ، وبعيداً أن يكون في هذا الموقف تعصباً للجنس العربي الذي ينتسب إليه .
من هنا يرى أن في خدمة جنسه العربي خدمة لدينه ، وهذا ما يفسّر دعوته وإعلانه أن مصلحة العرب والمسلمين في أن يكون للعرب دولة . ويرى أن السبب في ضعف الأمة الإسلامية ، يعود الى ضعف مزايا أمة العرب ولغتها وإهمال معظم شريعتها . وكل ذلك لعدم وجود دولة مستقلة [9].
إن هذا المنحى الذي سلكه رشيد رضا في المزج بين مصلحة العرب والمسلمين ، دفعه للعمل على نهضة العرب ، مبيّناً أهمية العلاقة بين مسلمي ومسيحيي العرب في آنٍ معاً . كما شدّد على ضرورة اتفاق الشعوب العربية فيما بينهم على اختلاف مذاهبهم ودينهم . كما أصرَّ على أهمية اتفاق المسلمين والنصارى في داخل الوطن السوري ، خاصةً أن السوريين كانوا سبّاقين في وعيهم بأن يكون لهم وطن خاص بهم ، معلوم الحدود والمصالح . وأهله مكوّنون من أصحاب ملل ومذاهب يرجعون في أكثريتهم الى فريقين : مسلمين ومسيحيين حيث يتوقف عمران البلاد وتطورها على تعاون الفريقين .
ويصرّ رشيد رضا على ضرورة التعاون بين أبناء الأمة العربية الواحدة . وكانت تشده روابط قوية بعدد كبير من النهضويين المسيحيين ، بل إنه ذهب الى حد القبول برئاسة أحدهم الذي انخرط فيه ، وهو الاتحاد السوري الذي ترأسه ميشال لطف الله .
من هنا ، وجدنا حرصه على ضرورة التعامل مع المسيحيين العرب بدليل إصراره على مشاركتهم في كل جمعية أو حزب سياسي ، كجمعية الشورى العثمانية ، وغيرها من الجمعيات والأحزاب . بل نجده يرد على جرجي زيدان في كتابه " التمدن الإسلامي " ، ص 39 ، نافياً الخلط بين العروبة والإسلام مميزاً بينهما ، دون أن يجد التعارض في ذلك .
عمله في سبيل الوحدة العربية في نطاق الوحدة الإسلامية .
من خلال متابعة النهج الإصلاحي الذي سار عليه رشيد رضا ، نراه يدعو العرب الى التمسك باللغة العربية ، ويستنهض الهمم العربية ضمن الهمم العثمانية ولم يتعدى تجاهه حدود المطالبة بتحسين أوضاع الولايات العربية ، دون أن يصل الى حد المطالبة بالاستقلال والتخلي عن وحدة الدولة العلية .
من هنا ظهرت رغبة رشيد رشا واضحة في الإصلاح ، ومحاولة رأب الصدع ، وتلافي الانشقاق بين العنصرين العربي والتركي ، وحرصه على تفنبد ادعاء كل من الفريقين بالأفضلية على الآخر ، لقناعته بوجوب تجاوز هذه الاختلافات ، لما تشكله من خطورة على وحدة الدولة العلية ، ولاعتقاده بحسن التجاوب عند المسؤولين في عاصمة الدولة الأستانة . وكان حريصاً في كل ما كتبه حول هذا الموضوع على ضرورة نبذ فكرة التباعد والتنابذ بين الفريقين .
وبالرغم من دعوته هذه ، نراه لا يخفي قلقه تجاه سياسة الاتحاديين في العاصمة ، ضده العناصر العربية ، حيث عزل العرب عن وظائفهم ، وشكا من ضعف اللغة العربية ، وإحلال التركية مكانها في الدوائر الرسمية وفي الكشوفات التجارية في الولايات العربية . ومع ذلك ، فلقد بقي يدعو الى تقوية الأمة الإسلامية ، عن طريق تقوية العناصر المكوّنة لها ، وخاصةً العنصر العربي فيها لما له من فضل في تطور الدولة العثمانية عسكرياً وثقافياً وسياسياً .
ونراه يقول : " ... يجب على كل بلد أو ولاية عثمانية ، أن تعنى بترقية نفسها بالعلم والثروة ، لتكون عضواً قوياً عاملاً في بنية الأمة ، لا لأجل انفراد أهلها بنفسهم ، أو اعتصامهم بأبناء جنسهم ، فإن الأمم المستقلة في أحكامها المختلفة في لغاتها ومذاهبها ومواقفها ، يتحد بعضها ببعض ليقوى الجميع بالمحالفة ... فكيف تضعف الشعوب العثمانية نفسها وهي أمة واحدة [10] .
من هنا نلاحظ أن السيد رشيد رضا كان متفهماً للواقع السياسي الذي كان يعيشه ، فالأمة العربية في خطر ، والأمة العثمانية في خطر . وبما أن الخطر مشترك ، فهو يدعو الى الوقوف والتنسيق معاً ، شرط الإحترام المتبادل ، وشرط أن تتم الوحدة العربية في نطاق الوحدة الإسلامية . وهكذا نرى أن موقف رشيد رضا في حالة قيام الدولة العربية ، وتحقيق الإصلاح في داخل الولايات العربية بقي مرتبطاً ، على أهمية آنذاك بالحفاظ على وحدة الدولة العثمانية والخوف عليها من التشتت والضياع ، والوقوع فريسة الأطماع الأوروبية التي كانت تتحيّن الفرص للإنقضاض على ممتلكات الدولة العثمانية ، واقتسامها . لذلك ظل يرفع شعار إصلاح العرب لأنفسهم ، لأن في هذا الإصلاح والرقي ، ضمانة لاستمرار وحدة الدولة العثمانية والحفاظ على تماسكها في وجه الرياح العاتية التي كانت تهب على مناطقها المتعددة ، وتنذرها بأوخم العواقب [11] .
موقف رشيد رضا من القضية اللبنانية .
جال رشيد رضا في مختلف القضايا التي تخص العالم العربي آنذاك . من هنا وجدناه يعرّج في مناره على القضية اللبنانية ، متناولاً موقف المسلمين المسيحيين . فالمسلمون اللبنانيون يتعلّقون بالدولة العثمانية على أنها دولة إسلامية استمرارية ، ولكنهم بدأوا يتأففون من سياسة التتريك على أيدي الإتحاديين . أما المسيحيون ، فكانوا يريدون التخلّص من الحكم التركي ، ويريدون الاستقلال أو التبعية لدولة أوروبية ، وخاصةً فرنسا . لكن رشيد رضا يدعو الجميع الى التماسك والتحابب والوقوف جنباً الى جنب ضد سياسة التتريك ، وضد سياسة الهيمنة الأوروبية . كما يتناول مبادئ " جمعية النهضة اللبنانية " بعنوان " من مبادئ النهضة اللبنانية ومنازعها " المنشورة في جريدة الهدى التي كانت تصدر في نيويورك ، وقد تضمّنت هذه المبادئ ستة وأربعين بنداً ، تناولت وضع اللبنانيين في الداخل وفي الخارج ، ودعت الى الاستقلاق الموروث ، وغير ذلك من الأمور السياسية والاقتصادية والثقافية والإجتماعية التي تخص اللبنانيين .
ويشير رشيد رضا للغلو في هذه الدعوة ، بحيث أنها باعدت بين أفراد المجتمع اللبناني من ناحية الانتماء العربي والعادات والتقاليد المشتركة ، ولغة الأم أي اللغة العربية [12] .
وينصح اللبنانيين بعدم الإنسلاخ عن الأمة العربية وعن البلاد السورية في تلك الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد ، نظراً لتكالب الأعداء على ابتلاع المناطق العربية من قبل الغربيين ، ويطلب منهم الاعتدال ، والمقصود هنا جماعة النهضة اللبنانية . وفي هذا الصدد يقول : " يظهر مما نشرنا ، ومما لم ينشر مما يكتبه غلاة الدعوة اللبنانية ، أنهم يمنّون أنفسهم مما ليس في طاقتهم ، يعنون أنفسهم بأن يكونوا دولة قوية مستقلة تمام الاستقلال ، منفصلة عن جدتهم الأمة العربية ، وأمهم سوريا نفسها ، لا عن الدولة العثمانية فقط ، ولا يكون مثل هذا إلا لشعب حربي قوي . وكذلك تكثر أصحاب دعوة الاستقلال من ذكر قوة الجبل وامتناعه عن الفاتحين ، وانتصاره على المصريين ، وإخراجهم جيش محمد علي الكبير من سوريا وردها الى الدولة ، والاسترسال في المبالغات [13] .
أما في موضوع الخطر الصهيوني على البلاد العربية ، وإدراكاً منه بفداحة الخطر اليهودي الصهيوني على مستقبل فلسطين ، فإنه يناشد زعماء العرب فيقول : " يجب على زعماء العرب ، أهل البلاد أحد أمرين . إما عقد اتفاق مع زعماء الصهيونيين على الجمع بين مصلحة الفريقين في البلاد إن أمكن ، وهو ممكن قريب إذا دخلوا عليه من بابه ، وطلبوه بأسبابه ، وإما جمع قواهم كلها لمقاومة الصهيونيين بكل طرق المقاومة ، وأولها تأليف الجمعيات والشركات وآخرها تأليف العصابات المسلحة التي تقاومهم بالقوة ، وهو ما تحدث به بعضهم على أن يكون أول ما يعمل ، وإنما الكي ، والكي آخر العلاج [14] .
وهكذا بقي رشيد رضا حريصاً على وحدة العرب ، مسلمين ومسيحيين . من هنا كان تشديده على وجوب اتفاق السوريين من مسلمين ونصارى ، خاصةً بعد إعلان الأمير فيصل حكومته العربية في دمشق . ولهذا الغرض ، كتب عدة مقالات ، دعا فيها الى الاتفاق ، مشدداً على ضرورة التربية والتعليم ، عن طريق إنشاء مدارس وطنية ، جاعلاً في جانب منها مسجداً ، وفي جانب آخر كنيسة ، ولذلك لتربية الجيل الناشئ تربية دينية وطنية ، لأنه على الديانتين الإسلامية والمسيحية فضائل كافية ، وهي متفقة أو متقاربة على قاعدة المنار الذهبية نتعاون ونشترك فيه ، ويعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف فيه [15] .
مراجع البحث
[1] - أنيس الأبيض : رشيد رضا ، تاريخ وسيرة . جروس برس ، الطبعة الأولى 1993 ، ص 12 .
[2] - رشيد رضا : المنار والأزهر ، ص 133 .
[3] - أنيس الأبيض : المرجع السابق ، ص 12 .
[4] - رشيد رضا : المصدر السابق ، ص 141 .
[5] - رشيد رضا : المصدر نفسه ، ص 191 .
[6] - رشيد رضا : المنار . ج4 ، م 16 ، ص 315 – 316 .
[7] - رشيد رضا : المنار . ج2 ، م 17 ، ص 957 – 959 ، 1913م
[8] - رشيد رضا : المنار . ج7 ، م17 ، ص 536 .
[9] - رشيد رضا : المنار ، ج1 ، م.20 ، 1917 ، ص 34 .
[10] - رشيد رضا : المنار ، ج12 ، م12 ، ص 921 .
[11] - أنيس الأبيض : المرجع السابق ، ص 56 .
[12] - رشيد رضا : المنار ، ج8 ، م17 ، ص 617 .
[13] - رشيد رضا : المصدر نفسه ، ص 627 .
[14] - رشيد رضا : المنار ، ج4 ، م 17 ، 1914 ، ص 320
[15] - رشيد رضا : المنار ، ج8 ، م22 ، ص 617 – 619 .