جامع البرطاسي
يقع في محلة باب الحديد على ضفّة النهر، يذكره الرحالة العرب باسم البرطاسية[1]، يصفه العطيفي بقوله: "وبها جامع يقال له البرطاسية، من بابه إلى محرابه مفروش بالرخام المنّوع الذي يدهش الأبصار ويحيّر الأفكار وكذلك حيطانه.. وسقف معقود بالأحجار، وبه من الجام الملوّن ما يشبه النجوم والعقد المنظوم... وبه بركة ماء مفصّصة بأنواع الرخام الملّون"[2]. وهو من أجمل جوامع طرابلس، به تأثيرات فاطمية، وبيزنطية، ومغربية، وأندلسية، ومحرابه أجمل محاريب الجوامع المملوكية في لبنان على الإطلاق[3]. تزيّنه فسيفساء مذهّبة، ورسوم نباتية، وتقاطع رخاميات مختلفة الألوان. أمّا مئذنته فتحمل طوابع أموية أندلسية وسمات مغربية، يحملها عقد مجوّف، هو آية في الإعجاز العمراني، ومن حوله غرف للطلبة على المذهب الشافعي [4].
ورد اسم مؤسس هذا الجامع في كتابة منقوشة عند مدخله، جاء فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم، أوقف هذه المدرسة المباركة العبد الفقير إلى الله تعالى عيسى بن عمر البرطاسي عفا الله عنه، على المشتغلين بالعلم الشريف على مذهب الإمام الشافعي، وإقامة الجمع والصلوات المكتوبة وشرط أن لا يُرسم فيها على أحد ولا يسكنه من لا له الحق في ذلك". وقد طمس من هذه الكتابة الجزء الذي يتحدّث عن زمن بناء المسجد، مما جعل تاريخ بنائه مجهولاً. إلا أنّ المؤرخين اجتهدوا في ذلك، ورأى بعضهم أن طراز بنائه وزخارفه وأسلوب كتاباته تعود إلى أواخر عصر المماليك البحريين[5]، أي إلى السبعينات من القرن الرابع عشر لأن دولة المماليك البحريين امتدت من سنة 1250 م إلى سنة 1382 م. ورأى الدكتور عمر تدمري أن بناء الجامع كان حوالي سنة 710 هـ/1310 م. وأضاف إلى اسم مؤسسه (الذي ورد في النقش الكتابي عيسى بن عمر البرطاسي)، نسبة الكردي. فقال أنه "عيسى ابن عمر البرطاسي الكردي" ثم وصفه بالأمير، فقال عنه أنه "أحد أمراء الطبلخاناة"[6] وهي صفة لم نرها في النقش الكتابي، علماً بأنها من الألقاب التي كانت تلازم أسماء حامليها، كما يظهر في النقوش الكتابية في سائر المساجد[7].
[1] - عبد الغني النابلسي: التحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية، مخطوط، ص 75، وإبن محاسن: المنازل المحاسنية في الرحلة الطرابلسية، تحقيق عدنان البخيت، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1981، ص 83.
[2] - رمضان بن موسى العطيفي: رحلة من دمشق الشام إلى طرابلس الشام، تحقيق إسطفان فيلد، نشر بإسم رحلتان إلى لبنان، بيروت، 1979، ج2 ص 21 .
[3] - عبد العزيز سالم: طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي، الإسكندرية، 1967، ص 426، وعمر تدمري: تاريخ طرابلس السياسي والحضاري عبر العصور، دار البلاد، طرابلس، 1978، ج2، ص 307.
[4] - عبد العزيز سالم: مرجع سابق، ص 427.
[5] - التميمي وبهجت: ولاية بيروت، دار لحد خاطر، بيروت، 1979، ج2، ص 132. انظر أيضاً محمد كرد علي: خطط الشام، ج6، ص 54.
[6] - عمر عبد السلام تدمري: تاريخ طرابلس.. ج2، ص 306؛ وتاريخ وآثار مساجد طرابلس، ص 208.
[7] - فاروق حبلص: طرابلس/ المساجد والكنائس، دار الإنشاء للصحافة والطباعة والنشر، ط1، 1988، ص54.