فهرس المقال |
---|
كلمة المركز الثقافي للحوار والدراسات |
كلمة جمعية العزم والسعادة الاجتماعية |
كلمة رئيس بلدية طرابلس |
كلمة وزير الثقافة |
كلمة راعي المؤتمر |
الجمعة 27/3/2009
10.00 – 11.30 الجلسة الافتتاحية
- الافتتاح بالقرآن الكريم يليه النشيد الوطني اللبناني
- كلمة المركز الثقافي للحوار والدراسات الدكتور عبد الغني عماد
- كلمة جمعية العزم والسعادة الاجتماعية الدكتور عبدالإله ميقاتي
- كلمة رئيس بلدية طرابلس الاستاذ رشيد جمالي
- كلمة وزير الثقافة معالي الاستاذ تمام سلام
- كلمة راعي المؤتمر دولة الرئيس نجيب ميقاتي
قدم الخطباء الاستاذ مقبل ملك
15.00 – 16.30 الجلسة الأولى: السلطة والمجتمع في طرابلس، محطات ووقائع في تاريخ العيش المشترك
رئيس الجلسة: النقيب الأستاذ رشيد درباس
البحث الأول: المسلمون والنصارى في طرابلس، ملامح من التاريخ المشترك د. عمر تدمري
البحث الثاني: العيش المشترك في طرابلس خلال العهد العثماني: اتجاهات وثائقية د. سعاد سليم
البحث الثالث: في سوسيولوجيا العلاقات والصراعات والعيش المشترك خلال العهد العثماني د. عبد الغني عماد
البحث الرابع: علاقة أهل السلطة بمسيحيي طرابلس، علي باشا الأسعد نموذجاً د. قاسم الصمد
16.30 – 17.00 : استراحة
17 – 18.30 الجلسة الثانية: واقع العلاقات الأهلية في المجتمع الطرابلسي
رئيس الجلسة: الدكتور نزيه كبارة
البحث الأول: الجغرافية التاريخية لتموضع الأديان في مدينة طرابلس في العصر العثماني ومدلولاتها التاريخية من خلال الوثائق الرسمية العثمانية د. فاروق حبلص
البحث الثاني: أرثوذكس طرابلس في القرن التاسع عشر الأستاذ ابراهيم دربلي
البحث الثالث: المسلمون والمسيحيون في طرابلس من خلال الحوليات وكتابات الرحالة الأجانب في القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر الأب الدكتور كرم رزق
البحث الرابع: العلويون في طرابلس مع بدايات القرن العشرين د. خليل شتوي
السبت 28/3/2009
10.00 – 11.30 الجلسة الثالثة: مظاهر من الحراك الثقافي والاجتماعي في طرابلس
رئيس الجلسة: الأستاذ رشيد جمالي رئيس بلدية طرابلس
البحث الأول: شعراء طرابلس الفيحاء، صورة زاهية للوطنية والعيش المشترك د. نزيه كبارة
البحث الثاني: المرأة من الخاص الى العام، مسيرة النضال الصامت د. هند صوفي
البحث الثالث: صحافة طرابلس والعيش المشترك الأستاذ مايز الأدهمي
البحث الرابع: إشكالية المدينة البحرية د. جان توما
11.30 – 12.00 استراحة
12.00 – 1.30 الجلسة الرابعة: التيارات الفكرية .. شخصيات وشهادات
رئيس الجلسة: الدكتور فريدريك معتوق عميد معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية
البحث الأول: الحراك الفكري في طرابلس أواخر القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين الأستاذ مارون عيسى الخوري
البحث الثاني: لطف الله خلاط، الأهل والمدينة الدكتور عاطف عطية
البحث الثالث: غريغوريوس حداد، نموذج فريد في العيش الإسلامي المسيحي الأب ابراهيم سروج
البحث الرابع: رشيد رضا والمسألة العربية د. أنيس الأبيض
ملحق وثائقي : مذكرة اوغست اندريا مبعوث حكومة الامبرطور نابليون بونابرت عن باشوية طرابلس ( 1812) ترجمة عبد اللطيف كريم
1.40 الجلسة الختامية:
- كلمة المشاركين في المؤتمر
- التوصيات النهائية للمؤتمر
كلمة الدكتور عبد الغني عماد رئيس المركز الثقافي للحوار والدراسات
دولة الرئيس نجيب ميقاتي راعي هذا المؤتمر
معالي وزير الثقافة الأستاذ تمام سلام المحترم
صاحب السماحة
أصحاب المعالي والسعادة والسيادة والفضيلة
ضيوف طرابلس الأكارم
أيها الحفل الكريم
يسرني أن أرحب بكم جميعاً في مؤتمر طرابلس عيش واحد، هذا المؤتمر الذي أردناه في المركز الثقافي للحوار والدراسات الإطلالة الأولى لعمل مركزنا معززاً بعمل مشترك مع الأخوة الأفاضل في جمعية العزم والسعادة الإجتماعية.
لم يكن إختيارنا لموضوع المؤتمر أيها الحفل الكريم عملاً متسرعاً يستهدف إستعراضاً إعلامياً، كما لم يكن إختياراً عشوائياً لموضوع إشكالي في لبنان، وما أكثرها المواضيع الإشكالية في لبنان، وإنما كان إختياراً مدروساً يستهدف فيما يستهدف، إحياء النقاش حول مسألة العيش الواحد التي يكاد ضجيج الإنقسامات والإصطفافات والولاءات أن يطيح بها.
نعم لقد إخترنا العيش الواحد كقضية، وليس كموضوع لمؤتمر يستمر مفعوله ليومين أوأكثر قليلاً. إخترناها كقضية لسبب بسيط وهو أنه لا قيامة للبنان ولا إستقرار فيه بدون العيش الواحد.
وإذا كان لبنان يعيش على تخوم الموت منذ سبعينات القرن الماضي ويترجح على شفير الهاوية طالباً الحياة منذ ذلك الحين، فإنه أصيب بنتيجة هذا المخاض العسير بأدهى النكبات ولعل أكثرها وجعاً وألماً قضية "العيش الواحد " التي أصبحت مدار شك ومحط تساؤل وقضية بحث في أساسها وحقيقتها.
ترى هل سقطت ثقافة العيش الواحد في لبنان ؟
هل تهاوت قضية لبنان المتنوع في هذا الشرق وأصبحت هذه الصيغة الفريدة أقرب الى الأسطورة منها الى الواقع ؟
أي ثقافة تنبعث اليوم في ظل تحويل الدولة الى غنيمة والطائفة الى قبيلة والشعب الى رعية ؟
أي ثقافة تطل برأسها مهددة الوحدة الوطنية والعيش الواحد في الصميم ؟
مع ذلك نقول، كلا، ثقافة العيش الواحد لم تسقط، ولم تتهاوى بعد في لبنان، وان وجهت لها طعنات وسقط بين دعاتها شهداء، وهي إن تراجعت خطوة جاهزة لتتقدم خطوات، لأنها ليست ثقافة عابرة في تاريخنا وليست حالة مصطنعة فرضها حاكم أو إستوردتها سلطة، إنها نسيج حر صنعه الأجداد في علاقات يومية تراكمت فأصبحت نمط حياة وعيشاً واحداً مشتركاً في السراء والضراء. العيش الواحد لم يصنع فوق،على مستوى السلطات، بل صنع بين الناس أولا ًفي القرى والبلدات، في الأحياء والحارات والأزقة والشوارع، في الأسواق والحرف في التجارة والأعمال، في العادات والتقاليد والأنشطة المختلفة التي يمارسها الناس في حياتهم اليومية، تلك هي الأطر التي صنعت عيشنا الواحد، وحصنته وحمته على مدى الأيام من جنون متطرف ينمو على ضفاف الحقد والكراهية هنا أو هناك.
لقد كتب تاريخ لبنان وقدم بروايات متعددة، ربما على عدد الطوائف والمذاهب. درسنا، وحتى عهد قريب، " تاريخ جبل لبنان" ورجالاته ومآثره، ومدنه وقراه، ونزاعاته وانقساماته ومذابحه، على انها " تاريخ لبنان".
تحت هذا العنوان طمس تاريخ طرابلس وبيروت وصيدا وصور وما يسمى بالأطراف. إقتصروا على تدريسنا تاريخ فخر الدين وبشير الشهابي وبيت الدين ودير القمر والقائمقميتين والمتصرفية، وكأن ما بقي من لبنان لا تاريخ له يستحق أن يدرس.
لقد أثبت جيل جديد من المؤرخين والباحثين في لبنان من خلال إنتاجه المميز إنه لا بد من إعادة النظر في هذه المنهجية الإستبعادية والمتحيزة في قراءة تاريخ لبنان، لأنها لا تنتج ثقافة العيش الواحد ولا تؤسس لوحدة وطنية بقدر ما تسهم بإيقاظ ذاكرة الإنقسام والتنازع التي لم تشهدها باقي المناطق خارج جبل لبنان.
إن طرابلس التي نعتز بإنتمائنا اليها، قدمت في هذا المجال مشهداً متميزاً بين مدن الساحل في بلاد الشام تضمن فيما تضمن نماذج وصوراً من العيش الواحد تستحق أن نتوقف عندها بالدراسة والتحليل. هو تاريخ وذاكرة، ولانه كذلك هو عبر ودروس تحملها لنا الأيام وثائق مبعثرة هنا وهناك وخبرات وحكايا وتواريخ يقصها الأجداد تحملها لنا الأيام تضعها بين أيدينا، لنستفيد نحن، ولا يكرر أبناؤنا الأخطاء.
لهذا كان هذا المؤتمر الذي أردناه مساهمة، عسى أن تكون فاعلة، في دفع مسيرة العيش الواحد قدماً الى الأمام.
أيها السادة الحضور
إن طرابلس مدينة عريقة بتاريخها وآثارها التي لا تزال، رغم كل ما أصابها من إهمال وتخريب، ناطقة ومعبرة عن دور حضاري فاعل لعبته على مدى أجيال وحقب تاريخية مديدة. لذلك هي تشكل منجماً غنياً من الناحية الوثائقية والأثرية والتاريخية، فيه من الحضارة والعراقة ما يحفز أقلام الباحثين الى المزيد من البحث والتدقيق لكشف هذه الكنوز التي لا يزال يلفها النسيان.
وكم عانى الباحثون من أبناء طرابلس، ومن العلماء الذين أحبوا طرابلس، من مشقة البحث عن المراجع والمصادر الأصلية الخاصة بهذه المدينة. هذه الوثائق المشتتة والمبعثرة في عواصم شتى بين استنبول والقاهرة وباريس ولندن وغيرها، والقليل منها الموجود في طرابلس مبعثر أيضاً في مواقع مختلفة، والموجود منها يفتقر الى الحد الأدنى من التوثيق والفهرسة والأرشفة الدقيقة والصحيحة، الأمر الذي يعرقل كشف المزيد من كنوز هذه المدينة ومخطوطاتها الضائعة.
لهذه الأسباب لابد لنا في المركز الثقافي للحوار والدراسات من أن نتقدم بجزيل الشكر لراعي هذا المؤتمر، دولة الرئيس نجيب ميقاتي ولشقيقه الحاج طه وللأخوة في جمعية العزم والسعادة الإجتماعية ممثلة بالصديق الدكتور عبد الإله ميقاتي، الذين احتضنوا منذ اللحظة الأولى مشروع إحياء التراث الوثائقي والثقافي لمدينة طرابلس الفيحاء. هذا المشروع الذي يتطلع إلى جعل التراث الثقافي في المدينة لا يختزل في المباني الأثرية على أهميتها، بل يريده أن يشمل ما تمتلكه طرابلس من رأسمال ثقافي وكنوز وثائقية ومخطوطات مبعثرة. إنها مهمة تستهدف أن يحتضن الحجر ما أنتجه البشر من فكر وثقافة ومعرفة على مرّ الأيام، بحيث تتكامل المباني والمعاني ويتحقق البعد الحضاري لمشروع إحياء الإرث الثقافي في المدينة.
ولكي يكتمل هذا الأمر لا بد من إنشاء مكتبة عامة متخصصة ومتحف للمخطوطات والوثائق تتضمن كل ما كتب عن طرابلس وتتابع ما يكتب عنها، بحيث تصبح هذه المكتبة مقصداً لكل الباحثين الذين يريدون الإطلاع على تراث المدينة وإنتاج أبنائها ومخطوطاتهم.
إننا نتطلع يا دولة الرئيس إلى أن يتحقق هذا الهدف برعايتكم، وهي مناسبة اليوم لنتمنى على معالي وزير الثقافة الأستاذ تمام سلام، الذي نعرف صدق محبته لطرابلس، والذي لم يتردد في تلبية دعوتنا للمشاركة في هذا المؤتمر، أن يولي هذا المشروع الدعم والتشجيع المطلوبين.
ان طرابلس الحضارة والتاريخ ظلمت مرتين، مرة حين غضب نهر أبو علي عام 1955 وطاف مخلفاً خسائر مادية وبشرية أدت الى تصدع العديد من المعالم الأثرية والسياحية، وكانت هذه نكبة من نكبات الطبيعة لا حيلة لنا فيها. ومرة ثانية بحجة ازالة آثار هذه النكبة ، حين ترك مصير هذه المدينة لأخطر مشروع عرفته في تاريخها بإدارة مصلحة التعمير في وزارة الأشغال التي ارتكبت أكبر جريمة في حق طرابلس وآثارها في غفلة من أهلها ومسؤوليها، فجاءت جرافات "التعمير" لتقوم بالتهديم، فأزالت بدلاًُ من أن تعمر، وهدمت بدلاً من أن ترمم، فجرفت درًة الكنوز الأثرية على ضفاف النهر، والتي كان يشعر المرء قربها بكثافة الزمن الممتد عبر القرون. أكثر من عشرين معلماً أثرياً تمت إزالتها فضلاً عن مئات البيوت التي كانت تتكىء بشرفاتها الخشبية ومشربياتها فوق مياه النهر. "بندقية الشرق" طرابلس كما كانت تعرف، أثخنتها جرافات مصلحة "التعمير" بالهدم... واليوم يكاد ما تبقى من كنوز ومخطوطات ووثائق وإرث ثقافي، مبعثر في البيوتات العتيقة، والتخاتي المظلمة والاقبية العفنة، والعواصم البعيدة، ان يضيع أو يتعرض للتلف والإهمال والنسيان (ونعرض لحضراتكم نماذج متواضعة من هذه التحف والوثائق والمخطوطات في قاعة الفندق).
وإذا قيل يوماً عن طرابلس إنها كانت داراً للعلم والعلماء فمن حق هؤلاء علينا أن نحفظ انتاجهم في مكان يليق بهم وبتاريخ المدينة. هذه المدينة التي قيل إنها مدينة مملوكية في متحف، ومع ذلك قصرنا في أن نقيم متحفاً في مدينة، يحكي قصة حضارة يتنامى فيها الاعتزاز بماضٍ عريق، وتتسامى معها مشاعر تستنهض أهلها نحو مستقبل أكثر إشراقاً.
أيها السادة الحضور
ان هذا التعاون المشترك بين المركز الثقافي للحوار والدراسات وجمعية العزم والسعادة الاجتماعية أثمر بعون الله انطلاق المرحلة الأولى من مشروع إحياء التراث الوثائقي والثقافي، وهي مناسبة لنتوجه الى كل العائلات الطرابلسية الكريمة التي تمتلك في خزائنها وثائق ومخطوطات للتعاون معنا من أجل حفظها أو ترميمها أو تصويرها تمهيداً للاستفادة منها من قبل الباحثين والمهتمين بتاريخ طرابلس.
وإذا كانت المرحلة الأولى قد انطلقت لحفظ وأرشفة وفهرسة سجلات محكمة طرابلس الشرعية، فإن أمامنا خطوات أخرى نتطلع الى انجازها، آملين كل التشجيع والتعاون من مثقفي طرابلس وفعالياتها وعائلاتها لإنجاح هذا المشروع الحضاري، والذي يعتبر هذا المؤتمر باكورة أعماله.
فأهلاً وسهلاً بكم جميعاً في مؤتمركم العامر بحضوركم جميعاً وبمشاركتكم الفاعلة. وفقكم الله لكل خير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كلمة الدكتور عبد الغني عماد في مؤتمر طرابلس عيش واحد ( 27-3 -2009)
دولة الرئيس الأستاذ نجيب ميقاتي راعي هذا المؤتمر
معالي وزير الثقافة الأستاذ تمام سلام المحترم
أيها الأخوة الأكارم
نلتقي اليوم في رحاب مدينة طرابلس، مدينة العلم والعلماء، مدينة ماضيها يذخر بصفحات ناصعة، وبقامات شامخة، وبإرادة قوية، ومشاريع تنموية، حققها أجدادنا بفخر واعتزاز. أما حاضرها فيبعث على الخوف والقلق، لكثرة الخلافات، ويفتقد الرؤية الواحدة والهدف المشترك.
ولذلك فإن مستقبلها غامض ومقلق، مصيرها مرتبط بنا بشكل مباشر. إذا نحن أحسنّا قراءة الماضي، والاستفادة من عبره وإشراقاته. وإذا اتفقنا على تحديد الرؤية والأهداف، وعملنا لذلك بجد وحزم، نكون قد وضعنا القطار على السكة، لننطلق به جميعاً، يداً بيد نحو مستقبل مشرق، بإذن الله.
لقد حفل ماضي المدينة، برجالات كثيرين، رفعوا من شأنها، لأنهم كانوا متعاونين إلى أقصى الحدود، يفكرون سوياً، ويعملون سوياً، همهم شأن المدينة وأهلها جميعاً. آمنوا بأنّ يد الله مع الجماعة، أيقنوا أن الحاضر والمستقبل بيدهم مجتمعين، يبنونه بكل ثقة وإرادة، فعملوا لذلك بصدق وإخلاص.
بنوا المستشفى الإسلامي وسمّوه مشروع قرش الفقير، ليكون لجميع الفقراء والمحتاجين في أيامهم ولمن بعدهم.
جعلوا المدينة قبلة للتجار، فأقاموا فيها مرفأً، وعملوا على تطويره ليكون منطلقاً لتجار السواحل اللبنانية والسورية والفلسطينية إلى أوروبا والعالم، وكانت توسعته الأخيرة منذ بضع سنوات، بناء لمخططات وضعوها منذ أكثر من ستين عاماً!!
أقاموا في المدينة مشروعهم لسكة الحديد، فاستحصلوا على ترخيص عثماني بمبادرة فردية، وجمعوا الأموال فيما بينهم مسلمين ومسيحيين، في شركة مساهمة، وأنشاؤا أول خط حديدي يربط طرابلس بالشام، ومنها إلى العالم الشرقي وعلى الأخص بلاد الحجاز لأداء فريضة الحج، ولتوسيع نشاطهم التجاري.
أقاموا شركاتهم الخاصة للكهرباء والماء، واستقدموا الخبراء والأخصائيين، وإقاموا مختلف معامل الإنتاج الكبيرة في ضواحي المدينة، وأوجدوا آلاف فرص العمل لأبنائها.
لم ينتظروا مشاريع الدولة، ولا مجالسها، ولا تمويلها وموازناتها، ولم ينتظروا قرارات سياسية، قد تأتي وقد لا تأتي، بل قاموا بمبادرات فردية، تؤازرها رغبة جماعية، وإرادة حديدية وتعاون بلا حدود، فكان لهم ما أرادوا.
ذلك هو الماضي المشرِّف، وكذلك كان أجدادنا، نفخر بهم ونعتز بإنجازاتهم.
أما الحاضر، فلن أسترسل في وصفه، لأننا جميعاً نحياه يوماً بيوم، وساعة بساعة، تمزقٌ واختلاف، وإغلاقٌ للمؤسسات وفقدان لفرص العمل، وهجرةٌ كثيفةٌ إلى الخارج، بحثاً عن لقمة العيش.
أيها الإخوة الأكارم
إن المدن العريقة هي المدن التي تنبض ذاكرتها بالقيم والمبادئ السمحة وبالعلم والعمران وهي التي تحتفظ بتاريخها الناصع لتستمد منه قوة الصمود عند المحن وعند الشدائد. وما نحن بصدده في هذا المؤتمر من ذاكرة الماضي في بناء المدينة ومرافقها وفي نسيج العلاقات بين المسلمين والمسيحيين إنما هو تأكيد أن عمران المدينه والعيش الواحد فيها بين مختلف الطوائف والأطياف، ليس وليد فترة معينة وحسب، إنما يستمد جذوره من التاريخ المشرّف، ويرقى إلى مئات السنين وهذا كله يتجسد روحاً ونصاً ومضموناً في وثائق تاريخية، يجب أن نبرزها بكل صدق و موضوعية في سبيل تقوية دعائم الوحدة الوطنية، وفي سبيل إنطلاقة عمرانية علمية ومعرفية جديده لهذه المدينة تعيد لها مجدها التليد.
وإذا ما شابت الماضي بعض الغيوم التي تركت أحياناً أثراً سلبياً عند فئة أو أخرى فعلينا جميعاً أن نجلو آثارها ونعمل سوياً على الخروج من تداعياتها لأن الإنسان في حياته وحاضره وإبداعه إنما يستند غالباً على أسس من الماضي، وعلى إنجازات سبقت. لذلك علينا أن نجعل من الماضي كتاباً مفتوحاً نأخذ منه العبر ونهتدي به في دروب الحاضر والمستقبل فنتجنّب السلبيات ونتعاهد على معالجتها والحؤول دون تجدد مسبباتها، ونطور الإيجابيات ونعمل على تكريسها ونمائها لنضمن العيش الكريم لانفسنا، والمستقبل المشرق للأجيال القادمة من بعدنا.
وفقنا الله وإياكم لكل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة رئيس بلدية طرابلس المهندس رشيد الجمالي
في مؤتمر طرابلس عيش واحد في 28 آذار 2009
مشروع إحياء التراث الوثائقي والذي يشكل مؤتمرنا " طرابلس عيش واحد " احدى محطاته الرئيسية، وتنظمه "جمعية العزم والسعادة" بالتعاون مع "المركز الثقافي للحوار والدراسات": هو حدث مميز في اطار حياتنا الثقافية والوطنية، وكيف لايكون كذلك وهو يضيء عبر مداخلات الأخوة الباحثين جوانب هامة من تاريخ هذه المدينة العريقة وتراثها ، ويعرض لجذور معاناتها في حاضرها، وتوقها الى النهوض في مستقبل قريب. ويتلازم هذا المؤتمر مع الطموح الى قيام مركز ثقافي حديث ليضم بين جنباته تراث المدينة الثقافي فيصون ذاكرتها، ويجمع مخطوطات أبنائها ونتاجهم الفكري والعلمي. فهل من هدف أنبل وأهم ؟
ويكتسب مؤتمر " طرابلس عيش واحد " أهمية خاصة عبر دلالات عنوانه ، وتنوع مواضيعه ومشاركة اعلام في ميادين الثقافة والفكر والاجتماع في تقديم عصارة علمهم وخبراتهم ، فيغنوا حياتنا الثقافية بنتاجهم ويضيئوا جوانب من تاريخ مدينتنا ما زالت في غياهب الأقبية .
مؤتمرنا اليوم يطلق العنان لنهوض ثقافي وفكري جديد في فيحائنا ويتزامن مع تقدم العمل في مشروع احياء الارث الثقافي الممول بقرض من البنك الدولي ووكالة التنمية الفرنسية فيتلاقى المشروعان في أهدافهما وتتكامل الرؤى والانجازات وتتضافر الجهود .
أيها الحفل الكريم :
طرابلس المدينة الضاربة جذورها عميقاً في التاريخ ، والتي يعود تأسيسها الى ما يقرب من ألف وخمسمائة عام قبل الميلاد ، شكلت محضناً لأول برلمان فينيقي لمدن ثلاث ، وانعكس موقعها المديني هذا في اسمها ، وتوالت على أرضها العهود والحضارات من الفينيقيين وحتى الانتداب الفرنسي مروراً بالرومان والبيزنطيين والعرب والفرنجة والمماليك والعثمانيين ، فترك هذا التتابع الحضاري بصماته في تراث المدينة وعمارتها ، فيتنشق المرء في أسواقها عبق التاريخ، ويتنسم روح الشرق .
طرابلس هذه ، طرابلس التاريخ والحضارة، ما برحت حتى اليوم وستبقى مدينة تحترم حرية الفكر والرأي والمعتقد كما تحترم الحق في الاختلاف، وتتمسك بصيغة العيش الأخوي المشترك وتحرص عليه، وتلتزم بمشروع الدولة : مدينة منفتحة على الحضارة الانسانية ، مضيافة معطاءة وصابرة على الصعوبات التي ألقى بها في ساحتها تهميشها انمائياً منذ مطلع العهد الاستقلالي الأول .
طرابلس تعاني، اقتصادياً واجتماعياً، لكنها تبقى الحاضرة العربية الملتزمة بالعيش الواحد والوسطية والاعتدال والانفتاح، وهي تواقة ومؤهلة لأن تتجاوز صعوباتها الحالية ، وأن تنطلق الى رحاب الفعالية والحضور في وطننا وشرقنا العربي وفي العالم .
وفي اطار سعي البعض لتصوير طرابلس على أنها مدينة التطرف والانغلاق يبقى حاضر المدينة وتاريخها شاهداً لها لا عليها وستغدو فيحاؤنا باذن الله في زمن قريب درة المدن ومفخرة لبنان ومقصد أبنائه .
مؤتمر "طرابلس عيش واحد" الذي تنظمه جمعية العزم والسعادة والمركز الثقافي للحوار والدراسات هو مدماك هام في نهوض طرابلس، ينضوي في سياق نشاطات مشروع احياء التراث الثقافي الهام للمدينة ، فكل الشكر للهيئات المنظمة ، وكل التقدير لجمعية العزم والسعادة مبادراتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والانمائية وجهدها وبذلها على دروب نهوض طرابلس ، وكل المحبة والتقدير لعميدها دولة الرئيس نجيب ميقاتي رجل الحوار والعطاء والانماء والوطنية الصادقة .
كلمة معالي الأستاذ تمام سلام
وزير الثقافة
في مؤتمر طرابلس عيش واحد 28 آذار 2009
يسعدني أن أكون بينكم اليوم في طرابلس الفيحاء، هذه المدينة العريقة بأصالتها، المميّزة بطيبة أهلها، التي تجسّد الكثير من مفاهيم وحدة لبنان، وتنوّع وغنى المكوّنات المجتمعيّة فيه.
ويشرّفني أن ألبّي دعوة جمعيّة العزم والسعادة، والرئيس نجيب ميقاتي، إلى حفل إفتتاح مؤتمر "طرابلس عيشٌ واحد"، الذي تشارك فيه نُخبةٌ من القيادات الفكريّة تحت شعارات التسامح والوسطيّة والإعتدال. فطرابلس، ما كانت يوماً إلاّ مدينة الإنفتاح على الوطن، وما كانت تاريخياً، إلاّ المدينة المؤتمنة على العروبة ووحدةِ العيش بين جميع أبنائها.
إنّه قدر المدن الساحليّة في لبنان، التي تميّزت دائماً بقدرتها على استيعاب كل التنوّع والأطياف اللبنانيّة، بتسامح وثقة بنسيجها الوطني، والمصالح الوطنيّة التي تجمعُها.
هكذا هي بيروت، وهكذا هي صيدا وجبيل وصور، تترابط كحبّات عقدِ التواصل بين جميع فئات الوطن. وهكذا هي البلدات الأخرى، تأخذ نصيبها من هذه المعادلة، والدور الذي كان الضمانةَ في منع تقطيع أوصالِ الوطن.
إنّ طرابلس عاصمة الشمال، تنبض بأهلنا في هذه المنطقة العزيزة، يعيشون فيها بسلام آمنين، فهي تمثل تراثَهم وقيمَهم وأخلاقَهم، وهي الشعلةُ في حضورها الوطني، رغم ما تحمّلتهُ من حالات الحرمان، الذي دفع بأبنائها إلى الغربة أو الهجرة في الوطن، ورغم ما عانته من تقصيرٍ إنمائي منذ الإستقلال وحتّى اليوم.
العيشُ الواحد لم يكن يوماً شعاراً ظرفيّاً في هذه المدينة الصامدة والصابرة. فالمدينة إجتازت إمتحانات الحياة المجتمعيّة والحياة السياسيّة بجدارة، واستطاعت رغم ما مر به الوطن من خضّاتٍ وأزمات، أن تحافظَ على وحدة أبنائها بخاصّة، وأبناء الشمال بعامّة، حتّى في أحلك أيّام الحرب اللبنانيّة. فما عاشت الحواجز...بل لعلّها وفي فترات عصيبة دفعت ثمن هذا العيش غالياً عند حواجز الآخرين، فما تغيّرت وما تبدّلت وما سمحت لأي تحريض أن ينال مِنعتَها.
لا أعتقد أنّ من أهداف هذا المؤتمر تحديدَ عناصر العيش الواحد، لأنّ أيَّ تحديد سينتقص من القيمة الكليّة لهذا العيش، فهو إمّا يكونُ واحداً أو لا يكون. ولكنّني أدركُ أهميّة الأهداف، التي تريد تعزيزَ مناخِ الوحدة في طرابلس والشمال، بعد ما مرّت به المدينةُ وشمالُها، من مؤامرةٍ خطيرة استهدفت جيشَنا الوطني في مخيّم نهر البارد وما تلا ذلك من أحداثٍ مفتعلة في أحياء المدينة القديمة.
لقد استطاعت قياداتُ المدينة أن تتصدى لما كان يُحاكُ لها في الخفاء، وما يسعى إليه دعاةُ الفتنة لشق صفوفِ أبنائها، فتمكّنت المساعي الخيّرةُ من قطع دابر الفتنة. وتمكّن العاقلون، وهم كثيرون والحمد لله، من إطلاق حملة محبةٍ وسلام، توجتها مساعي رئيس تيّار المستقبل النائب سعد الحريري، في إنتاج وثيقة المصالحة في المدينة، والتي تم توقيعُها في منزل سماحة مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار.
ولا يستغربنَّ أحدٌ مثلَ هذه الوثيقة، لأنّ قوى المجتمع الحيّة وقياداتِه قادرةٌ في كلّ وقت على الإمساك بزمام الأمور وتصحيح المسار، ولاسيّما عندما يتهدّد العيش الواحد. أنّه قدرُ اللبنانيّين، ولكنّه أيضًا خيارُهم الحرّ. لقد خبروا العيشَ الواحد، بحريّة ومسؤوليّة على مدى قرونٍ طويلة، فكانت حقباتٌ مضيئة، لم تخلُ من بعض الصعوبات. لذلك، فهم اليوم يتحمّلون مسؤوليّةَ ترسيخِ هذا العيش، وتخطّي ما لحق به من خللٍ ومشاكل، لأنّ ما يجمعُ بينهم هو أكثرُ مما يفرّق، أنّه الإيمان بالله الواحد، والانتماءُ إلى وطنٍ واحد، والارتباطُ بمصير واحد.
أيّها الإخوة الكرام،
يمرّ لبنان اليوم في مرحلةٍ مصيريّة، تحتاج إلى جهد كل لبناني، أيّاً كان موقعُه، وهي مرحلة الخيارات الوطنيّة لمن سيمثّل السلطة التشريعيّة في لبنان في السنوات المقبلة. إنّنا نتمنّى أن تكون الخيارات خارج إطار فرزٍ يهدّدُ العيشَ الواحد، ونريدها خياراتٍ حاسمةً في ما يعزّز الوحدة الوطنية اللبنانيّة، ومكاسب الإستقلال، والسيادة والحريّة والعدالة.
إنّها مرحلة الإنتقال من العيش الواحد، إلى صيغة المواطن الواحد في حقوقِه، الآمنِ لمستقبلِه، الممثَّل بقياداته، المطمئن للعدالة والإنماء في وطنه، فوق كلّ انتماء طائفي أو مذهبي أو مناطقي. هذا هو العيشُ الواحد في أحسنِ صوره. عندها سنرى بسمةَ الرضا على وجوه أهلِنا في طرابلس، يردّدون قولَ المتنبي:
أكارمٌ حسدَ الأرضَ السَّماءُ بهمْ وقصَّرتْ كلُّ مِصْرٍ عن طرابُلُسِ
والسلام عليكم....
كلمة دولة الرئيس نجيب ميقاتي
أشعر اليوم ، وأنا أشارك في افتتاح مؤتمركم، بفخر كبير لأنني أنتمي الى طرابلس الفيحاء، مدينة العيش الواحد، التي تجسد صورة لبنان الواحد . ولأنكم أدركتم ما تمثل هذه المدينة من قيم وحضارة وتاريخ ، أتيتم اليوم اليها ، بدعوة من "جمعية العزم والسعادة الاجتماعية"، و"المركز الثقافي للحوار والدراسات"، لتشهدوا ، من خلال هذا المؤتمر الرائد، على تاريخها العريق وعلى ارادة شعب آمن بالقدر المشترك، وبالمصير الواحد.
حسناً فعلتم في اختيار موضوع هذا المؤتمر ، لأن طرابلس ، تمثل ، على مستوى اهلها وعائلاتها وتاريخها ، نموذجاً متقدماً في العيش الواحد على الرغم مما تعرضت له من اهمال ، وما تتعرض له من تشويه. ولقد نسج الطرابلسيون بين بعضهم البعض عيشا واحدا تجسد على مرّ الزمن ، عبر تقاليد عريقة وراسخة من العلاقات والأخوة ، قوامها التسامح والانفتاح والتعاون بين مختلف العائلات . فشكراً لحضوركم، وتحية امتنان الى منظمي المؤتمر والمشاركين في حلقاته الحوارية، الذين سيقدمون اضافات تبرز ما لطرابلس خصوصا وللشمال عموما، من رمزية يتطلع اليها اللبنانيون لمستقبل وطنهم ودوره.
وقال : إن إحياء التراث الثقافي بالنسبة للمدن العريقة ، يشكل المادة الاساسية لهويتها، كما أن مبادرة الاخوة في المركز الثقافي للحوار والدراسات الى إحياء التراث الوثائقي والثقافي هي ضرورة حضارية لمدينة طرابلس التي تمتلك إرثا ضخما من الوثائق ومن الآثار التي تشكل في حد ذاتها متحفا حيا يضج بالحياة، كان في ذاكرة من سبقونا وسعوا للحفاظ عليه ، ومنعه من السقوط في الاهمال والنسيان والضياع. ونحن سنتابع المسيرة ، إن شاء الله بانشاء "المتحف الدائم للتراث الثقافي والوثائقي" في طرابلس . وعلى خط مواز علينا العمل جميعا للحفاظ على التراث المعماري الذي تكتنزه المدينة ، وهذا الأمر نضعه أمانة في عهدتكم يا معالي الوزير ، وإنكم ستعملون من دون شك للحفاظ عليه . ومن ناحيتنا سنضع امكاناتنا في تصرفكم .
أضاف : إن هذه القيم والمرتكزات التي قامت عليها طرابلس عبر التاريخ، واستمرت في الحاضر، تشكل كلها أسس الوسطية التي هي حاضنة العيش المشترك والتي تعكس رغبات أبناء شعبنا في أن يكون لهم خيارهم الحر النابع عن قناعتهم الذاتية ، فلا يصنفون عنوة مع هذا الفريق أو ذاك، فيما هم يشكلون في حد ذاتهم، حالة خاصة لها نظرتها وقناعاتها التي لا يجوز أن تحتكرها جماعة، أو تهيمن عليها أخرى.
إن الوسطية ، التي قيل فيها أنها سلوك متزن قائم على ارساء اسلوب الحوار بعيدا عن الغلو والتطرف والعناد في الرأي ، تعني أيضا الاستقلالية في الالتزام ، والأقرب الى العدل والعدالة والاعتدال، والبعيدة كل البعد عن المساومات الرخصية التي تؤول بالنتيجة الى إصطفاف هنا أو ذوبان هناك.
ولأننا نسعى من خلال الوسطية الى احتضان هواجس الناس وقلقهم وأوجاعهم، كما قلنا في أكثر من مناسبة، فاننا دعونا الى أن تكون خيارات الطرابلسيين في الاستحقاق الانتخابي المقبل، وليدة قناعاتهم الراسخة ، وثقتهم الأكيدة بما يمكن أن يقدمه ممثلو مدينتهم في الندوة البرلمانية خصوصا، وكل الساحة الوطنية عموما، من افكار ومواقف ومشاريع انمائية ، فضلا عما يجسده هؤلاء من اعتدال وقيم اخلاقية ومناقبية عالية تؤسس لثقة بين المواطن وممثله في مجلس النواب فيبقى وفيا للامانة التي يحملها وجديرا بالثقة التي وضعها الشعب فيه.
من هذا المنطلق ، يجب أن تفهم ، أيها الاخوة والاخوات، مقاربتنا للاستحقاق الانتخابي المقبل والتي ترتكز أساسا على احترامنا لارادة أهلنا أبناء طرابلس ، وحقهم في اختيار ممثليهم ، واننا على يقين بأن خيارات أبناء طرابس الشرفاء، صافية ووطنية لانها نابعة من التاريخ المشرّف لهذه المدينة الغالية.
وقال : عندما اخترتم "طرابلس عيش واحد" عنوانا لمؤتمركم، يحضرني قول للمغفور له الرئيس صائب سلام قال فيه "لبنان لا يقوم إلاّ بجناحيه المسلم و المسيحي" ، ولا شك أنكم أردتم أن تبرزوا أهمية دور مدينتنا لتنطلقوا للدعوة الى تعميم النموذج الطرابلسي والشمالي على كل لبنان. حسبي أن أذكّركم أن لوطننا خصائص كثيرة هي ثمرة نضال طويل قاده رجال كبار وأفرز بلدا متعدد الطوائف في صيغة فريدة تحترم الهوية الثقافية لكل طائفة فيه. وهذه الهيكلية المتعددة الطوائف هي التي تسمح بالعيش المشترك الاسلامي - المسيحي في مناخ من الحرية والمساواة والتعاون المخلص.
فحذار أولا ، أن يجنح اللبنانيون ، أو فريق منهم نحو ممارسات تهدد هذه الصيغة أو تجرّحها سواء من خلال الدعوات السياسية الملتبسة ، أو الممارسات الطائفية المشبوهة.
وحذار ثانيا ، من أن تدفع المصالح الفئوية والمكتسبات الذاتية الى تشجيع محاولات عزل طوائفنا على ذاتها بحجة الدفاع عن مصالحها.
وحذار ثالثا، من تغليب الانتماء الطائفي على الانتماء الوطني، لأن في هذا السلوك، تغليبا للولاء للطائفة على الولاء للوطن الذي شكل اتفاق الطائف القاعدة المتينة له ، في اطار من الديمقراطية التوافقية القائمة على الحرية والعدالة والمساواة، وهي الأسس نفسها التي يقوم عليها خيار الوسطية.
لقد علمتنا الحرب التي كادت أن تقضي على عيشنا المشترك، كيف نحمي هذه الميزة الفريدة، ونحن مدعوون اليوم الى تجديد هذه التجربة ، لأن فيها ضمانة لمستقبل اللبنانيين من دون تمييز، وضرورة أيضا لمحيطهم العربي، وإرادة طوعية لتجاوز هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة. فالتجربة اللبنانية ليست فقط للداخل اللبناني، بل هي من خلال صيغتها المتجددة ، النموذج الذي يمكن للعالم العربي الافادة منه لأنه حاجة للمجتمعات التي تتميز بالتنوع والتعدد.
وختم بالقول : أني ، اذ أتمنى لمؤتمركم النجاح، آمل أن تحمل توصياتكم التجربة الطرابلسية الى العيش الواحد، الى الوطن كله، ولتكن الدعوة الأكثر ابرازا فيها هي لهدم الجدران التي تفصل بين اللبنانيين وازالة الحدود المصطنعة، والنفسية، والمادية إن وجدت، ويكون المرتجى تقوية الوحدة بين اللبنانيين، لأن في الاتحاد قوة ، ولأن يد الله مع الجماعة... وفقكم الله لما فيه مرضاته، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.