بركة السمك في البداوي
بقلم جومانة بغدادي
اشتهرت البداوي منذ مئات السنين، ببركتها التي كان يعيش فيها أكثر من ستة آلاف سمكة تتغذى من مياه نبع يصب فيها، ثم يسقي نحو خمسمئة فدان من بساتين الليمون المحيطة بها. وتقع بلدة البداوي، شمالي مدينة طرابلس، وهي حي من احيائها، وتكاد تندمج معها، بعدما امتدّ البناء من طرابلس إلى البداوي ومن البداوي نحو طرابلس.
ولهذه البركة أسطورة غريبة يتناقلها الناس، وهي أن السمك المقدس الذي كان موجوداً فيها، ممنوع أكله، وإن من كان يصطاده يصاب بالمرض او بالتسمم اذا أكله.
ويروى أن إحدى الفرق العسكرية الأسترالية التي خيّمت في منطقة البداوي أيّام الحرب العالمية الثانية، اصطاد بعض افرادها عدداً من هذه الأسماك وحاولوا أكلها بعد قليها، فأصيبوا جميعاً بعوارض التسمم والهستيريا!
هذه الأساطير التي كانت تروى عن السمك المقدس، حفظته طوال مئات السنين من تعدي الانسان عليه، فكانت البركة مزاراً لا يقتصر على الطرابلسيين وحسب، بل كان يفد اليها الزوار من كل المناطق اللبنانية والعربية، بحيث يتسلى الزائر برمي «القضامة» وفتات الخبز إلى السمك لمشاهدة الآلاف منها كيف تتدافع وتتصارع لتحصل على حبة قضامة او قطعة خبز.
في مطلع السبعينيات، حفرت إدارة مصفاة طرابلس المجاورة للبركة، سبع آبار بالقرب منها، لمد المصفاة بالمياه، إضافة إلى عدد من الآبار الخاصة، الأمر الذي أثر على المياه المتدفقة على البركة، والتي ما لبثت أن انكفأت نحو الآبار التي حفرتها المصفاة، فنضبت المياه في البركة، ومات جميع السمك فيها...
وانتهت بذلك أسطورة السمك المقدس...
وحرمت المنطقة من الزوار الذين كانوا يأتون لمشاهدته.
زارها علامة دمشق الشيخ عبد الغني النابلسي وذكرها في رحلته الكبرى المسماة بالحقيقة والمجاز ونظم فيها أبياتاً حيث قال:
وبركة البداوي****بمائها تداوي
يسبح فيها سمك****يصلح للتداوي
وهو كثير فيها***لسرها السماوي
مولاه قد حماه****بغر شيخ ثاوي
هناك في جامعه***مقامه العلاوي
فان من يصيده*يمرض وهو الغاوي
وجربت مرارا*جميع ذي الدعاوي
بها طرابلوس*****لجنة تساوي