الشيخ محمد يمن الجسر
(1880-1936)
ولد في طرابلس وتعلم على والده الشيخ حسين، وكان من مريديه في الطريقة الخلوتية التي سلكها عدد من علماء طرابلس[1].
تولى مديرية المدرسة الإعدادية في طرابلس ثم في اللاذقية منذ العام 1907 وحتى العام 1909. وفي العام 1912 انتخب ممثلاً لطرابلس في مجلس المبعوثان العثماني. وبعد اندلاع الحرب الأولى (1914) عاد إلى طرابلس وكلف بنيابة رياسة المجلس العمومي لولاية بيروت باعتبار أن الوالي كان هو الرئيس. وكان المجلس هذا بمثابة مجلس نيابي مصغر. كما كلف في تلك الفترة مراقبة توزيع الإعاشة على الملاجئ والمياتم. "فكان خلال عمله هذا مثال النزاهة والتجرد والبعد عن التعصب الديني. وقد أجمع أبناء مختلف الطوائف الدينية على تقدير مواقفه الإنسانية هذه".
وبعد جلاء الأتراك عن البلاد استمر الشيخ في رياسة المجلس العمومي حتى العام 1919 حيث استقال منها لخلاف وقع بينه وبين حاكم لبنان الإفرنسي (أوبوار) على طريقة وضع الموازنة. وعقد العزم على افتتاح محل تجاري مع أحد أبناء (شقير) في ساحة البرج ببيروت.
غير أنه في العام 1920 عين رئيساً لمحكمة الجنايات في بيروت ثم مدعياً عاماً لمحكمة التمييز. وفي العام 1923 تولى منصب نظارة الداخلية ثم انتقل في العام 1924 إلى نظارة المعارف.
وبعد إعلان الدستور في لبنان (1926) عين بقرار من المفوض السامي رئيساً لمجلس الشيوخ. وبعد الغاء مجلس الشيوخ (1927) انتخب رئيساً لمجلس النواب. وبقي في مركزه هذا حتى 9 أيار سنة 1932 يوم علق المفوض السامي الدستور ليحول دون وصول الشيخ الجسر إلى رئاسة الجمهورية التي كان رشح نفسه لها وأصر على الترشيح على الرغم من كل المغريات التي قدمها له المفوض السامي لينصرف عن هذا الترشيح[2].
ويقول نجله الدكتور باسم[3]، عن أحداث تلك الفترة من العام 1932 وتعطيل الدستور..
"وهكذا عندما قاربت ولاية الرئيس شارل دباس على الإنتهاء أجمع الموارنة على المطالبة بأن يكون رئيس الجمهورية المقبل مارونياً باعتبارهم أكبر الطوائف اللبنانية. ولكنهم انقسموا حول مرشحين هما: الشيخ بشارة الخوري وإميل إده. وأثار المسلمون الذين كانوا قد اندمجوا إلى حد بعيد في الحياة السياسية اللبنانية وإدارات الدولة قضية حقهم في الوصول إلى الرئاسة الأولى، باعتبار أن الدستور اللبناني لا يحول دون ذلك وهكذا برز ترشيح الشيخ محمد الجسر، وكان رئيساً لمجلس النواب، لرئاسة الجمهورية".
ويضيف: "لقد تعددت الروايات حول الأسباب التي دفعت الشيخ محمد الجسر إلى تقديم ترشيحه، ولكن أياً كانت الأسباب الشخصية أو السياسية فإن هذا الترشيح أثار حماس المسلمين الذين رأوا في وصول أحدهم إلى رئاسة الجمهورية تدعيماً لمركزهم في الجمهورية الجديدة. غير أن سلطات الانتداب عارضت هذا الترشيح وأفهمت صاحبه بأن أوامر باريس تقضي بعدم السماح لمسلم بأن يصل إلى رئاسة الجمهورية. وعندما عجز المفوض السامي عن إقناع الشيخ محمد الجسر بسحب ترشيحه، وأيقن أن أكثرية النواب ستصوت له، أصدر قراراً (9 أيار 1932) بتعطيل الدستور وحل مجلس النواب".
ويقول يوسف سالم[4]: "وفي صباح ذلك اليوم عينه نزل الشيخ محمد الجسر رئيس المجلس إلى مكتبه في سرايا البرج ليجمع أوراقه الخاصة. وكان قد سمع قرار المفوض السامي من إذاعة راديو الشرق".
قال شاهد عيان عاش تلك الأحداث: "دخل على الشيخ محمد عدد من النواب والوزراء، والجميع ساهمون وقد صعقهم قرار التعطيل".
وفجأة ارتفع صوت النائب ميشال زكور يقول، مخاطباً الشيخ محمد: "يا سماحة الرئيس، لماذا لا تدعو المجلس على الفور إلى عقد جلسة رسمية تتخذ فيها تحت قبة البرلمان قراراً بالاحتجاج على العمل الذي أقدم عليه ممثل الانتداب والذي يراه اللبنانيون عملاً تعسفياً وعدواناً صارخاً على الحياة الديمقراطية في لبنان" ؟
لكن الشيخ محمد ابتسم ابتسامة حزينة وأجاب النائب المتحمس الشاب: "وهل نسيت يا أخي ميشال أننا تحت حكم الإنتداب؟ ".
وبعد تعطيل الدستور "قبع الشيخ محمد في بيته وغاب عن مسرح السياسة وابتعد عن الأضواء..".
[1] د. محمد درنيقة: الطرق الصوفية ومشايخها في طرابلس، دار الإنشاء للصحافة والطباعة والنشر، 1984، ص 273.
[2] محمد نور الدين ميقاتي: طرابلس في النصف الأول من القرن العشرين الميلادي. 1978، ص 70-71.
[3] باسم الجسر: الصراعات اللبنانية والوفاق (1920-1975)، دار النهار للنشر، بيروت، 1981، ص 212-213.
[4] يوسف سالم: 50 سنة مع الناس. الطبعة الثانية. دار النهار للنشر، 1998، ص 85.