الشيخ محمد علي الشهال
الأستاذ معتز مطرجي
في أواخر القرن التاسع عشر ظهر في طرابلس عالم نابغة من نوع مفرد، جمع العلوم الكيميائية الصناعية وعلوم الفلك، وبرع في آداب اللغة العربية، قام بتفسير القرآن الكريم بأسلوب سهل مختصر، وكتب رسالة في إستخراج الزيوت من النباتات، ثم ألّف رسالة في تربية دود القزّ نال على أثرها جائزة من الحكومة العثمانية مع وسام مذهّب، وتمكن من تركيب المتفجرات بدون ان يطلع على اختراع ألفرد نوبل الكيميائي السويدي سنة 1866، وصفه صاحب كتاب تاريخ طرابلس سميح الزين بنابغة طرابلس بلا مِراء، وعالمها الذي لا يجارى، كما أفرد له المؤرخ عبد الله نوفل حيزاً في كتابه تراجم علماء طرابلس، عدد فيه مآثره وإنجازاته.
ولد محمد علي بن يوسف الشهال سنة 1868 من أسرة معروفة بطرابلس تمتُّ بصلة النسب الى آل سيفا حكام طرابلس وعكار وحصن الاكراد، وشهال عند العرب، اسم قديم سمّي به أحد بطون حِْميَر، كما جاء في الإشتقاق لابن دريد، ولفظه مشتق من قوله: عين شهلاء اي ذات شهَلَ، والشهل أقل من الزرقة في حدقة العين وأحسن منها، أما المنجد فيقول ان بني سيفا هم أمراء من التركمان المماليك، كما يؤكد المؤرخ نوفل، انه اطلع على حجج ووثائق شرعية ممهورة بأختام قضاة ومفتين تؤكد صحة اتصالهم بنسب آل سيفا.
تلقى مترجمنا تعليمه الاول في طرابلس، ولازم الشيخ حسين الجسر لمدة عشر سنوات، ثم إنقطع للتدريس، وعندما اختاره البطريرك غرغوريس لتدريس اللغة العربية في مدرسة كفتين، قام بكتابة رسالة في علم المعاني والبيان بشكل موجز، وجعلها سهلة المأخذ لتعليم الطلبة بطريقة ميسرة، كما ألقى دروساً في مدرسة الفرير.
سافر الى الاستانة عاصمة دولة الخلافة للحصول على مزيد من العلم والمعرفة، وبعد عودته شرع في تأليف بحث بعلم الفلك، بأسلوب سلس يفهمه أكثر الناس، وخلال الحرب العالمية الاولى، ونظراً لانقطاع ورود المواد الكيمائية، إشتكى اليه دباغو طرابلس لكثرة ما يعانونه من طول المدة التي تستغرقها دباغة الجلود، فهداهم الى طريقة سهلة تمكنوا معها من إنتاج دباغات جيدة بفترة قصيرة. ومما يروى عنه، انه خلال العهد الحميدي، كان أرباب العلم ورجال الدين يعفون من الخدمة العسكرية، شرط تقديم امتحان امام اللجان الفاحصة، وكانت اللجنة تتقاضى من المتقدمين مالاً بصورة غير مشروعة لإعفائهم، وحين جاء دور الشيخ محمد أبدى للوسيط عدم رغبته بدفع اي شيء، وقال على اللجنة ان تسأل ما تريد، وخلال الامتحان شدد أعضاء اللجنة عليه بأسئلتهم ظناً منهم إحراجه وإخراجه، إلا أنه أدهشهم بأجوبته السريعة المحكمة، واعترفوا له بمقدرته وعلمه وذكائه وسعة إطلاعه، في حين كان بعض اعضاء اللجنة لا يحسنون الاجابات الصحيحة، وهكذا أعفي من الخدمة العسكرية.
ويذكر المؤرخ نوفل ان للشيخ محمد الشهال خدمات وطنية تذكر بالشكر، وكانت زاويته قرب الجامع الكبير ملتقى العلماء والادباء، وكان يقدم لزواره وجلسائه أطيب أنواع السكاكر. وفي كل مرة كان يطعمهم نوعاً جديداً لم يسبق ان تذوقوه، وكله من صنعه وابتكاره. وتذكر كتب التاريخ واصفة إياه بحسن المعشر ورضى الاخلاق والوفاء لأصدقائه.
في آخر أيامه أصيب بحمى التيفوئيد حيث لم تنفع نطاسة الاطباء، فتوفي على أثرها سنة 1918. رحمه الله وأنابه.