التربية على الاستبداد في العالم العربي
هل يأتي زمن التربية على المواطنة؟
أ.د. علي أسعد وطفة
كم هي مريرة صورة المقارنة بين الإنسان المواطن في وطن ديمقراطي وبين الرّعي المطحون بذُلَّ الاستبداد والاستعباد في الدول العربية الشمولية ؛ فالإنسان العربي في ظل أنظمته الاستبدادية يعيش مطاردا في أصقاع الأرض وملاحقا في أقاصي الكون؛ ليس لا إلا لأنه أجرم في قول كلمة حق، أو في الإعلان عن رأي، أو في وقع في اتهام بعدائه المبطن للنظام. وكم هي مؤلمة المقارنة بين حكومات ديمقراطية تقوم بالدفاع عن مواطنيها واحترامهم والاحتفاء بهم وبين حكوماتنا العربية المنهمكة بإذلال رعاياها واستلابهم ومطاردتهم.
لقد عملت أنظمة الاستبداد في بلداننا بكل ما أوتيت من قوة إلى تحويل المواطنين إلى رعايا وعبيد، إلى أفراد يدينون بالولاء الأعمى لنظام الفساد والقهر والاستبداد. والمواطنة في منظور النظام السياسي المستبد لا تعدو أن تكون ولاء المحكوم للحاكم ورضوخ المواطن لإرادة النظام الحاكم، حيث يشكل الخضوع المطلق للحاكم المستبد مبتدأ المواطنة والإذلال خبرها ومنتهاها.
وذلك هو حال الأنظمة التربوية في البلدان الاستبدادية التي تدجن البشر على مفاهيم العبودية، وتلقنهم أساليب الخضوع والمذلة، وتدفعهم إلى تقديس رموز النظام، وتدفعهم إلى تأليه الحاكم الصائر صنما للعبادة. هذه الأنظمة علمتنا، وما زالت تعلم أطفالنا، بأن كرامة المواطن تكون قبل كل شيء في الخضوع للحاكم، وفي تمجيد نظامه وتقديس رموزه!
هذه التربية المأساوية أصبحت اليوم تربية بائدة ومرفوضة، في أنظمة أكل الدهر عليها وشرب، وقد حان الوقت لتربية جديدة، تنظف عقل الإنسان العربي من أوهام التسلط في نظام الاستبداد. لقد آن الأوان وحان الحين من أجل تربية جديدة تؤصل لرؤية جديدة للوطن والمواطن والعلاقة بين الوطن والمواطن بوصفها علاقة إنسانية تسمو على كل أشكال القهر والمعاناة والاستلاب في أنظمتنا السياسية العربية.
ولا مندوحة لنا في البداية من القول بأن التربية على المواطنة قد أصبحت ضرورة حضارية لازبة في بناء المجتمعات الديمقراطية، وفي المحافظة على التقاليد الديمقراطية في المجتمعات الحرة. ولم يعد ممكنا الحديث عن تحولات ديمقراطية حقيقية في أي مجتمع ما لم يترافق ذلك بالحديث عن تربية ديمقراطية. فالديمقراطية لا تتحرك في الفراغ بل هي حقيقة تربوية تفرض نفسها في مختلف جوانب الحياة الديمقراطية في المجتمعات الحديثة. فالحديث عن مجتمع ديمقراطي هو نوع من الهرطقة الفكرية إذا لم يقترن ذلك بإنسان ديمقراطي. إذ لا يمكن لنا أن نتحدث عن ديمقراطية من غير ديمقراطيين. وهذا يعني أن الإنسان الديمقراطي هو الركن الأساسي في تكوين المجتمعات الديمقراطية. ومن غير الإنسان الديمقراطي فإن الحديث عن الديمقراطية هراء وهرطقة وعبث فكري.
جديد المركز تجدها كاملة في الباب الخاص بـ:دراسات في علم اجتماع التربية