الانفوميديا والاعلام الشبكي واشكالية الهوية الثقافية
الدكتور عبد الغني عماد
إذا كان الباب الاقتصادي والسياسي قد شرع أمام العولمة، فإنه من الطبيعي أن يصبح المجال الثقافي بكل أبعاده مجالاً خصباً لتداعياتها. ولعل هذا المجال بالتحديد من أخطر النتائج المترتبة على العولمة لاتصالها بالشخصية الثقافية والهوية والانتماء للشعوب والأمم التي أصبحت مكشوفة أمام مؤثرات وتحديات لم تعد تنفع معها الدفاعات الثقافية التقليدية السابقة للحفاظ على الخصوصيات والهويات المحلية.
كانت الثقافة ولا تزال أحد المجالات المصاحبة للصراع بين الأمم والحضارات. وهي اقتصرت في الماضي على التأثير والتأثر المتبادل عبر التجاور الجغرافي والسفر والتجارة، ومن ثم عبرالحروب التي تفرض في نتيجتها ثقافة الغالب وطرائقه في العيش عبر آلية التقليد والمحاكاة التي أجاد العلامة ابن خلدون تفسيرها، فالمغلوب "مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده".
لقد كانت العوامل العسكرية والاقتصادية القائمة على استعمال القوة المادية هي الحاسمة في إخضاع الآخرين وفرض شروط المنتصرين عليهم، لكننا نشهد اليوم تحولاً جذرياً في أدوات وتقنيات إدارة الصراع، سببه التطور الذي نشهده في ميدان إنتاج المعارف والأفكار والرموز والقيم، أي أن ميدان الثقافة انتقل من كونه عاملاً مساعداً ليصبح من أبرز حقول الصراع المعاصرة[1]. وما الحديث عن صدام الحضارات الذي دشّنه هانتنغتون مصنفاً فيه الإسلام من الحضارات المتحدية إلا دليل على المكانة التي أخذ يتبوأها هذا الرأسمال الرمزي الممثل بالثقافة- الحضارة، بوصفها فعل ممانعة ينتج خصوصيته وأتباعه وأدواته، خصوصاً في المناطق التي لم ينجح فيها الاستعمار التقليدي في الحصول على تسليم ثقافي وحضاري كاملين كما في اليابان والوطن العربي والصين والعديد من الدول الإسلامية، وذلك بخلاف ما جرى في معظم أفريقيا وأمريكا الوسطى والجنوبية، فضلاً عن أمريكا الشمالية التي نجح فيها الاستعمار الانكلوساكسوني ومن ثم البرتغالي والإسباني والفرنسي، وتمكن من مسخ شخصيتها الحضارية وتوطين لغاته وثقافاته على حساب ثقافات سكان البلاد الأصليين.
[1] كريم أبو حلاوة، "الآثار الثقافية للعولمة: حظوظ الخصوصيات الثقافية في بناء عولمة بديلة،" عالم الفكر، السنة 29، العدد 3 (كانون الثاني/يناير-آذار/مارس 2001)، ص 181.
لمزيد من المعلومات أنظر الرابط التالي: