الأديب صموئيل يني
الأستاذ معتز مطرجي
ظهر صموئيل يني في نهاية القرن التاسع عشر، ونال شهرة في عالم الشعر والترجمة والبحوث الفلسفية والكتابات الصحفية، وأخذ مكانة مرموقة بين كبار شعراء عصره ومفكريه.
ان شاعراً رقيق العاطفة، وناثراً لا تقل كتاباته عن الشعر عذوبة وطرباً، وتحليلاته في المنطق واسلوبه اللبق، صحافياً نظر اليه الناس بعين الإعجاب. نذر صموئيل يني نفسه لخدمة مجتمعه، وأراد الخير أن يعمّ ابناء بلده. شارك مترجمنا في حوارات أدبية واجتماعية وفلسفية مع فرح انطون، واسعد باسيلي وخليل حايك ومتري السيوفي وعفيف عفيف، وراسل الصحف المعروفة في زمانه، فكتب المقالات الرائعة في المقتطف والهلال والجامعة، تارة باسمه الحقيقي وأخرى باسم مستعار، وأنشأ مع شقيقه المؤرخ الشهير جرجي يني أولى الجمعيات الأدبية الطرابلسية، وكان فاعلاً في نشاط الجمعية الثانية التي أنشئت سنة 1894، والقى المحاضرات القيّمة مع نخبة من الأدباء في جمعية "النادي الأدبي". ولد صموئيل انطونيوس جرجس يني في طرابلس سنة 1865 وتعلم في مدرسة طرابلس الأمريكية، وكان من أساتذته أعلام كبار أمثال يعقوب صروف وجبر ضومط وسعيد البستاني، ثم انتقل الى مدرسة ماريوحنا مارون في كفرحي بالبترون ومنها الى الكلية الأميركية في بيروت، ومن هذه الى مدرسة كفتين الداخلية عند بدء تأسيسها، كما أخذ الكثير من الدروس على شقيقه جرجي يني، وانصرف الى المطالعة فتزوّد بثقافات العالم، واطّلع على مختلف آدابها، وأتقن عدة لغات، وله كتابات شتى من تأليفه أو من ترجمته مع شقيقه: 1- تاريخ التعصب 2- اعلام الأماكن 3- رواية ستراترينكي 4- التمدن الحديث، وقد ترجمها بطلب من المؤرخ جرجي زيدان منشئ مجلة الهلال. 5- تعريب رواية فكتور هيجو الشهيرة" البؤساء". وخلال الحرب العالمية الاولى نظم قصيدة ندّد فيها بوحشية الإنسان ومما قاله: الأرضُ واجفةٌ تخضّبَ وجهُها بدم الشباب العُز كالأقمار ِ حسبوك يا إنسانُ اشرف خلقها فلأنتَ أحقرهم بلا إنكارِ السبعُ لا يؤذي الصغيرَ بنابه والناسُ تبتلع ُ الضعيف العاري اين الحضارة ُ لا سبيل لفخركم والحربُ دائرةٌ بكل ديار الى ان يقول: لا يحسب الغربي سرعة جريه فوزاً على الشرقي بالعمرانِ اذ شيمة الفتيان سبق شيوخهم في السير أو في حكمة وبيانِ وفي قصيدة يصف فيها آلامه وأوجاعه ويتغزّل بعشيقته العافية، بعنوان "أنه مريض" ما لي أراك وقد شكوت نحولا....جَفلى جررت من الدلال ذيولا وتركتَ قلبي للتهتك والنوى يلقى العذاب وما أراه حمولا ولقد ذكرتُك والضلوع ضوامرٌ .... والجسمُ مضطربٌ يئن هزيلا فوددتُ وصلك والبعادُ أمضّني والكل لا يغنيني عنك فتيلا هيهات يجمعنا الزمان ونلتقي وأقول للعزال صرت بليلا وعشيقتي قد تيّمت بجمالها أهل البسيطة رُضّعا وكهولا تاجاً اراها تزدهى فوي الذي شغفتهُ حباً واصطفته خليلا دعني أصرخ باسم حبي جهرة علّ الاباحة قد تبلُ غليلا داء عقام حل بين أضالعي ثم انتحى قلبي الكئيب مقيلا لم يشجني روضٌ ولا أرجُ الربى والجسمُ يندب شلوه المأكولا
في أواخر أيامه أصيب أديبنا صموئيل يني بمرض القلب الذي أودى بحياته في 11 نيسان سنة 1919، وقد أبّنه عدد من رجال الدين والأدب والفكر منهم المطران طحان وشكري فاخوري وفريد مسوح وجميل زريق وميشيل نوفل، وبلبل الفيحاء سابا زريق، ومما جاء في قصيدته: مصابٌ ألمّ وخطبٌ عرا جرى الدمع فيه دماً ماجرى أخطبُ صموئيل أم داهمٌ من الهول داهمنا مذعرا فصاد القلوب بحياتها وصال وكرَّ ما قصّرا فقيد اليراع ضجيع التراب لكَ اللهُ في القبر ماذا ترى؟ فلله عيشك كيف انقضى والله صدرك ما أصبرا سقتك الوجيعةُ كأس الضّنى وأنشب فيك البلا اظفرا