أبو جعفر الطرابُلُسي المعروف بالأفْطَسي
الدكتور عمر تدمري
هو محمد بن محمد بن هبة الله بن علي بن الحسين بن محمد، الذي يصل نَسَبُه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكنيتُه: أبو جعفر العلوي، الحسيني، الطرابلُسي المعروف بالأفطَسي، الزكيّ أمين الدولة.
من مشاهير الشعراء الذين أخرجتهم طرابلس، ومن معاصري الشاعر "أحمد بن منير الطرابلسي"، وهو من أهل الأدب، واشتهر بعلم الأنساب، وخاصة أنساب قريش.
وُلد بطرابلس في سنة 462هـ، وأخذ علم النسب عن علي بن محمد بن ملقطة العلوي النسّابة بطرابلس، وقرأ العربية على أبي عبد الله أحمد بن محمد الطُليطُلي الأندلسي ناظر دار العلم بطرابلس، وكتب الخط المنسوب على طريقة أبي عبيد الله بن مُقْلة، وقال الشعر.
مدح في طرابلس أميرها جلال المُلك ابن عمار، وغيره في سنة 485هـ. وهو أول ما ظهر شِعره، ثم اعتقله الأمير فخر الملك ابن عمار مدّة، وأفرج عنه، فخرج إلى القاهرة في سنة 501هـ. ومدح الأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش بدر الجمالي، ثم عاد إلى طرابلس وهي محاصرة من الفرنج (الصليبيين)، ولما سقطت بأيديهم اصطحب أهله وأولاده إلى مصر سنة 503هـ ولازم الأفضل شاهنشاه، وأكثر من مديحه، ووُلّي قضاء مدينة عسقلان بساحل فلسطين للفاطميين سنة 510هـ ثم صُرف في السنة التالية 511هـ وعاد إلى القاهرة، فولّي صاحب ديوان الأحباس، والجامع العتيق، والأوقاف، والمواريث بمصر القديمة والقاهرة المُعِزيّة وأعمالها في سنة 515هـ، ثم ولّي قضاء المحلة الغربية من غربي الفسطاط، ورُشح لولاية نقابة الأشراف.ولما بنى "الأفضل" أمير الجيوش جامع الفِيَلة مات ولم يكتمل، فأتمه الوزير المأمون بن البطائحي، وعيّن فيه الشريف أبا جعفر الطرابلسي هذا خطيباً، وحضر سائر وجوه الدولة ورؤساؤها لسماع خطبته، فلما رقي المنبر قال: "الحمد لله..."، ولم يزل يكررها إلى أن ضجر من حضر، ونزل وقد حُمّ، فصلى بالناس قيّم الجامع، ومضى هو إلى داره ولم يزل عليلاً حتى مات سنة 518هـ.
وصفه القاضي الرشيد أحمد بن الزبير في كتاب "الجنان ورياض الأذهان" بأنه من القضاة الأدباء، والشيوخ الظرفاء، وقال: شاهدته بمصر في سنة 517هـ فرأيت شخصاً كامل الأدوات، قد أحرز الفضل من كل الجهات، ومحله في الأدب موازٍ محله في العلم والنسب. وذكر له من شعره وقد نام مع جاريته على سطوح داره بطرابلس، فطلع القمر عليهمان فارتاعا، وكشفهما الجيران، ونزلا فقال:
ولما تلاقينا وغاب رقيبُنا
ورُمتُ الثُمُكُم في خفية وفي سِرِ
بدا ضوء بدرٍ فافترقنا بضوئه
فيا من رأى بدراً يغُم على بدر
له ديوان شعر أكثره في مدح فخر الملك ابن عمار قبل أن يغضب منه.
وكان فخر المُلْك بنى داراً فخمة في طرابلس القديمة (الميناء) وقد تفنّن الصُنّاع بتزيينها، فبدّت قبّتها المذهّبة وكأنها روضة غنّاء، فقصدها "أبو جعفر" مع بعض أصحابه للتهنئة، وأنشد قصيدة أولها:
جعلنا التشاكي موضع العتْبِ بيننا
فأصدقُ في دعوى الغرام وتكذبُ
ذريني أصل ليل الغرام بعزمةٍ
تكفّلُ بالإقبال عنها فتعزب
فلا والعوالي - إنها قسم العُلا-
أقيم ولي عن ساحة الذلّ مذهب
ومن كان فخر الملك مرسى رجائه
أصاب من الحظ الذي يتطلب
بعيدُ مناط السيف لو طال القنا
تساوى لدى الهيجا لواء ومنكب
وله من قصيدة يرثي بها فخر الملك وقد توفي بمصر:
أمّ المعالي بعد يومك ثاكِلُ
والدهر حزبٌ والتجلّد خاذل
يا نصلُ قلِّل غربة من بعدما
طلبت به عند الأنام طوايل
ألا إنّ بعدك -لا أراعي- لنازل
فليفعل الحدثان ما هو فاعل