جزر الميناء :
مواقع رائعة و مؤهلة للاستثمار في مشاريع سياحية ضخمة
تحقيق كارينا أبو نعيم
جريدة البيان 28 تموز 2010
تتفرّد مدينةُ الميناء بامتلاكها كنزاً عائماً على سطح مياهها، وتنفرد بهذا "الإرث الطبيعي" عن كافة مناطق لبنان البحرية. في مياه هذه المدينة البحرية بقعٌ صخرية ورملية هي عبارة عن جزر صغيرة لكنها غنية ببيئة بحرية طبيعية.
فوجود مثل هذه الجزر على بعد كيلومترات من الشواطئ الشمالية في لبنان يمكنه أن يحرّك المشاريع السياحية التي بالإمكان القيام بها على أرض تلك الجزر. وعلى الرغم من كون جزر النخيل الثلاث (الأرانب - سنني - ورامكين) قد صُنِّفت "محمية طبيعية"، فهي لا تملك حتى الآن بعداً سياحياً ذا منفعة اقتصادية.
تبعد جزر النخيل نحو 4 كيلومترات عن شاطئ الميناء في طرابلس شمال لبنان، وهي تتألف من ثلاث جزر، وجزيرة الأرانب هي أكبرها. تشكّل جزيرة الأرانب ملجأ لـ156 نوعاً من الطيور، وتستريح عليها العديد من الطيور المهاجرة، منها 7 أنواع معرضة للإنقراض. تتألف جزيرة الأرانب من قسمين، قسم صخري يمتد من الشمال الغربي إلى الجنوب، وقسم رملي يمتد من الشمال إلى الشرق، وتضم الجزيرة آثاراً لكنيسة صليبية تعود إلى القرن الثالث ميلادي وبقايا ملاحة تقليدية وبئر مياه عذبة، بالإضافة إلى أخدود صخري تحوّل إلى مربع للطيور والحيوانات تغبّ منه مياه الأمطار. أما في ما يختص بشاطئها الرملي فهو من المواقع القليلة على غرار محمية صور، الذي تتكاثر عليه السلاحف البحرية المعرَّضة للإنقراض كالسلحفاة الخضراء والسلحفاة الضخمة الرأس.
الجزيرة الثانية، تسمّى رامكين وتقع على بعد 600 متر من جزيرة الأرانب. تكوينها صخريٌ مع وجود بعض المساحات الرملية الصغيرة. تعرف أيضا بجزيرة "الفنار" لوجود منارة قديمة كانت تعمل على الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى خنادق ومواقع مدفعيّة تعود إلى فترة الإنتداب الفرنسي.
أما الجزيرة الثالثة، فهي "جزيرة سنني" التي تبعد 500 متر عن جزيرة الأرانب. ظلّت تلك الجزر مقفلة من العام 1992 حتى أيلول 1999 حين بدأت تستقبل زوارها لشهرين في السنة.
وتبقى تلك الجزر بحاجة الى رؤية سياحية- إقتصادية تتبلور عبر مشاريع سياحية وإنمائية ودراسات وبحوث متخصصة لإستثمارها في تنشيط السياحة في طرابلس، وفي نفس الوقت للحفاظ عليها.
وقد يتساءل المرء: ما هي المشاريع التي يمكن أن تقام على أرض تلك الجزر؟
طبعاً، بداية عندما نتكلم عن الواجهة البحرية، علينا أن ننطلق من اليابسة أي الكورنيش البحري الحالي في الميناء.
هذا الكورنيش لا يمكن إهمالُه في حال قررت الدولة أو القطاعان العام والخاص إستثمار مشاريع سياحية بحرية لمدينتي طرابلس والميناء.
لهذا ستضع الشركة التي ستتقدم بعرضها تصميماً جديداً وجميلاً يتناسب مع الطابع البحري لهذا الكورنيش البائس في وضعه الحالي. فتحوّله الى ضفة رائعة الجمال يستقبل المتنزهين ويمكن إقامة أكشاك صغيرة متنوعة ذات مواصفات سياحية جيدة للمحافظة على جمالية المكان. وخلال هذا الوقت، تكون بلدية الميناء قد توصلت الى رؤية نهائية لإعادة هندسة الكورنيش البحري لأنها في صدد إعداد دراسة مفصَّلة تشمل كل مشاكل هذا الكورنيش.
من جهة أخرى، من الضروري العمل قبل كل شيء على إيجاد الحلول النهائية للمجارير التي تصب في البحر والتي تصدر عنها روائح كريهة منفِّرة لروّاد الكورنيش.
لن ننسى أن جزيرة البقر مُنيت بمشروع الحديقة البحرية الفاشل لعدم الجدية في متابعة المشروع من قبل المسؤولين عنها. فتُركت كما هي اليوم. لهذا فهي تحتاج الى إعادة دراسة لما يمكن أن يُستخدم على أرضها من مشاريع،.وهذا يفتح الباب على الجسر المهترئ الذي يربطها باليابسة. وأعتقد أن الوقت قد حان حتى تباشر وزارة الأشغال في ترميمه. يمكن لهذه الجزيرة أن تحمل أكثر من مشروع. مشروع حديقة بيئية بكل معنى الكلمة بمواصفات تتوافق مع طبيعة الموقع الجغرافي، خاصة وأن بلدية الميناء يمكن الإستفادة منها لجعلها حديقة عامة ذات مواصفات بحرية. ويمكن إستخدامها كمسرح بحري طبيعي عائم تستخدمه البلدية في استقبال الأعمال الفنية، وتستأجره الشركات الخاصة لإقامة الحفلات والمعارض، الى جانب إقامة مطعم لتقديم المأكولات البحرية. فميزة هذه الجزيرة قربُها من اليابسة، بحيث لا تحتاج الى وسائل نقل بحراً للوصول إليها.
لقد إستطاعت جميع المدن والبلدان التي تمتلك جزراً بحرية أو تكون هي، بلدان جزر، من إستغلال مواقعها السياحي لإنعاش الإقتصاد الوطني. والأمثلة على ذلك كثيرة وقريبة منها اليونان وقبرص ومالطا وتركيا وغيرها من الدول البحرية.
لقد استطاعت تلك الدول أن تعتمد مشاريع سياحية بسيطة لكنها منتجة، وتستقطب ملايين السياح طوال السنة.
إن جزر الأرانب والسنني والرمكين لا يمكن أن تستوعب مشاريع سياحية ضخمة لصغر حجمها. لكن يمكنها أن تقدم خطوة نوعية في السياحة البحرية وتستقطب آلاف السواح العرب والأجانب، فتكون محطة لممارسة الرياضة البحرية من غطس وتزلّج على المياه وركوب المراكب الشراعية وتنظيم رحلات بحرية على ظهر سفن صغيرة تضم مطاعم وتقدم برنامجاً سياحياً متكاملاً. ويمكن أن تقدم البديل عن المسبح الشعبي الذي تفتقر إليه كل من طرابلس والميناء.
ويمكن أن تقام على أرضها مطاعم ذات طابع بحري وتراعي في الوقت عينه البيئة، إلى جانب إقامة مركز صغير للتعرف على الحيوانات البحرية والنباتات والطيور، خاصة تلك التي أصبحت مهدَّدة بالإنقراض. وهذا يتطلب أخصائيين بيئيين يشرفون على هذا المركز.
كما يمكن إعتماد التلفريك بين الجزر واليابسة. وقد قدمت في سبعينات القرن المنصرم شركة يابانية للدولة اللبنانية مشروعاً مماثلاً، ولكنه ذهب أدراج رياح الحرب الأهلية.
رغم كل ما تقدّمنا به من أفكار أولية ونهضوية في آن، سيواجهنا صوتٌ ميناويٌّ معارض للقيام بمشاريع على أرض الجزر. فواقع الحال لا يبشر بالخير.
تعيش الجزر على إختلاف أنواعها وكذلك مياه بحرنا مختلف الإنتهاكات البيئية التي تهدّد صحة البيئة البحرية وتوازنها. هذا الى جانب عدم إحترام قوانين البيئة التي تحث المواطن على المحافظة عليها عبر إلتزامه بالقانون.
ألا يدعو هذا الواقع الى تحرّك عاجل ومسؤول؟