الميناء
مدينة البحر تروي قصتها
عبد الله ممتاز كبارة
الميناء: إسماً، موقعاً وتاريخاً
إسم الميناء:
عرفت الميناء خلال تاريخها الطويل أسماء كثيرة. فحتى العام 1289م. كانت تعرف باسم طرابلس. ومنذ أمر السلطان قلاوون بدكّ المدينة وهدم مبانيها عام 1289م. وبناء مدينة جديدة (طرابلس الحالية)، عرفت الميناء بأسماء كثيرة كانت تتغيّر بتغيّر المحتلّ، من هذه الأسماء: ميناء طرابلس- الميناء- ميناء طرابلس الشام- أسكلة طرابلس الشام- أسكلة طرابلس- الأسكلة. وكانت تعرف بهذا الاسم الأخير (الأسكلة) حتى فترة قريبة، الى ان صدر القانون رقم 9/79 القاضي بإبدال اسم الاسكلة بالميناء، والمنشور بتاريخ 21/12/1979.
ومنذ ذلك التاريخ شطب اسم (الأسكلة) من السجلات الرسمية واستبدل بالميناء.
بين طرابلس والميناء
تعتبر مدينة الميناء، الأساس لمدينة طرابلس القديمة، والتي يمتّد تاريخها الى ثلاثة آلاف سنة. وبقيت طرابلس، طوال هذه الفترة تشغل جغرافياً المساحة التي تشغلها حالياً مدينة الميناء، وذلك حتى العام 688هـ/1289م. حين استطاع سلطان دولة المماليك في مصر والشّام الملك المنصور قلاوون فتح المدينة، وبالتالي هدمها وتسويتها بالارض، والأمر ببناء مدينة طرابلس من جديد في المكان التي هي عليه اليوم.
من هنا نستطيع القول إنّ جميع الاحداث التي دارت في طرابلس حتّى العام 688هـ/1289م. إنما جرت على أرض الميناء.
موقع مدينة الميناء
الميناء روضة غنّاء منبسطة يكتنفها البحر من جهاتها الثلاث (الشمالية والغربية والجنوبية)، لذلك فأنّ الأرواديّين والصيّدانيّن والصّوريّين رأوا أنّ الطبيعة تجبرهم على اتخاذ هذه البقعة مكاناً صالحاً لاجتماعاتهم، فاختار كل منهم حيّاً لإقامته أثناء انعقاد مؤتمرهم للنظر في الشّؤون المتبادلة فيما بينهم وتقرير ما فيه لصالح الجميع.
وهكذا نشأت مدينة طرابلس (الميناء) مع الزمن وعمّرت الأحياء الثلاثة. وقد حظيت بمكانة متميّزة على سائر المدن الفينيقية، وازدادت أهميتها لدى الفينيقيّين، إذ كانوا يعقدون فيها مجامعهم ويتشاورون في أمورهم المهمّة. وفي هذه المدينة بالذّات اجتمعت وفود المدن الفينيقيّة حوالي سنة 351ق.م. وقررت إعلان الثّورة على الفرس الذّين كانوا يحكمون فينيقيا كلّها.
والميناء بوضعها الجغرافيّ شبه جزيرة، لكنّ دراسة تربتها دلّت على أنها فيما مضى كانت جزيرة بكلّ ما في الكلمة من معنى.
والميناء تبعد حوالي ثلاثة كيلومترات عن طرابلس (العاصمة الثانية). وهي تؤلف مركزاً عمرانياً قائماً بذاته، وإن كان هذا العمران يتّجه الى الاتصال بمدينة طرابلس، بسبب النّموّ العمراني السريع الذي تشهده الميناء في سائر الاتجاهات، ولا سيّما بامتداد الطّرق الثّلاث (المئتين، عزمي، الميناء) الواصلة بين المدينتين، عبر بساتين البرتقال.
وكان لموقع مدينة الميناء أهميته الحربيّة والاقتصاديّة والتجارية على مرّ العصور. فالميناء تقع عند منتصف الطريق الساحليّ الشرقيّ للبحر الابيض المتوسط، بين الاسكندرون في الشّمال وغزّة في الجنوب. وقد سلكت بعض الحملات البيزنطية والصليبيّة هذا الطريق الساحلي.
الميناء خلال العصور
في سنة 334ق.م. إجتاح الاسكندر، الذي كان على رأس جيش كبير، آسيا الصغرى، ثم تابع سيره نحو سوريا، فهزم جيوش الفرس عام 333ق.م. فعمّ الرّعب فينيقيا خوفاَ من غارات الاسكندر، وأخذت المدن الفينيقيّة تفتح أبوابها مستقبلة جيوشه، كأرواد وجبيل، باستثناء صور، كما خضعت له طرابلس (الميناء) وبيروت.
وفي سنة 364ق.م. ضمّ القائد الروماني بومبيوس لبنان الى الامبراطورية الرومانيّة، ما جعل طرابلس (الميناء) خلال ستة قرون تحت الحكم الرومانيّ، فكانت من المدن التي أنشئت فيها المصانع لبناء السّفن. واستقدمت الاخشاب من أعالي جبل لبنان وجرى نقلها الى الشاطئ بواسطة الثّيران. وقد ارتكب الرّومان أكبر مجزرة بيئية بحق لبنان حين اقتطعوا قسماً كبيراً جداً من أحراجه.
وكما خضعت طرابلس (الميناء) للاسكندر وللرّومان، خضعت للمسلمين الذين فتحوا جميع المدن الدّاخليّة السورية ثم بعد ذلك المدن السّاحليّة، ولم يأتِ العام السّابع للهجرة حتى كان المسلمون قد استولوا على المدن السّاحلية، فدانت لهم صيدا وعرقا وجبيل وبيروت باستثناء طرابلس (الميناء)، نظراً لمناعتها، ولأنّ فتحها يستلزم حصاراً من البرّ والبحر في آن واحد، لذلك رأى المسلمون إرجاء فتح طرابلس (الميناء) الى أن تتوفّر الامكانات.
وعندما تهيأت لمعاوية بن أبي سفيان الأسباب لفتح طرابلس (الميناء)، وجّه لهذا الغرض سفيان بن مجيب الأزديّ، الذّي بنى على أميال من طرابلس (الميناء) حصناً منيعاً سمّاه حصن سفيان، ثم قطع عن الأهالي المؤن وحاصر المدينة من البرّ بجنوده ومن البحر بالاسطول الذي أنشأه لهذه الغاية، فتمّ له فتح المدينة عام 638 ميلادية.
حظيت طرابلس (الميناء) باهتمام وعناية خلفاء بني أمية، فاتخذوا منها قاعدة بحريّة رئيسة لبناء الاسطول الاسلامي. كما خضعت كذلك للعبّاسيّين وللطّولونيّين وللفاطميّين.
وعندما بدأ سلطان الفاطميّين يتزعزع في بلاد الشّام، أعلن قاضي طرابلس (الميناء) أبو طالب الحسن بن عمّار عام 462هـ. إستقلاله عن حكم الفاطميّين، إسوة بدمشق وصور وفلسطين. وقد عمل ابن عمّار على تحويل طرابلس (الميناء) لمركز ثقافي فأسّس فيها داراً للكتب والعلم.
رزحت طرابلس (الميناء) تحت حكم الصليبيّين مئة وثمانين عاماً، تحيّن خلالها المماليك الفرص المؤاتية للاستيلاء على المدينة. وعندما اضّطربت أحوال المدينة، وانقسم اهلها شيعاً مختلفة، جمع سلطان المماليك في مصر المنصور قلاوون قوّاته وجهّزها تجهيزاً كاملاً للاستيلاء على طرابلس (الميناء).
شرع السلطان قلاوون بمحاصرة المدينة في 24 شباط 1289م.، وضايق أهلها كلّ المضايقة، فاستولى على طرابلس (الميناء) في 26 نيسان 1289م. ثم أمر بتدميرها، وخرّب سورها، حتى أصبحت قاعاً صفصفاً. ولليوم يطلق أهالي الميناء على الحي الغربي من المدينة إسم (سوق الخراب)، نسبة للخراب الذي أحدثه السلطان قلاوون. وقد أمر هذا الأخير ببناء المدينة مجدداً على بعد ثلاثة كيلومترات من المدينة الأولى، وذلك لكي يأمن هجوم الاساطيل البحرية. وأول بناء شاده، هو الجامع المنصوريّ الكبير.
وهكذا خلت طرابلس (الميناء) من السّكان والعمران لسنوات قليلة، ولكنّها ما لبثت ان استعادت حياتها تدريجياً مع مطلع القرن الثّامن الهجري (مطلع القرن الرّابع عشر الميلادي) حيث اهتم نوّاب السّلطنة المماليك ببناء أبراج حربيّة، على امتداد ساحل الميناء.
وقد دام الحكم المملوكي لكلّ من طرابلس والميناء نحو قرنين وربع القرن (من عام 1289م. الى عام 1516م.). وقد احتّل السّلطان سليم العثماني طرابلس والميناء في جملة ما احتله من البلاد العربية، التي كانت تحت حكم المماليك. وقد بقي العثمانيون في بلادنا حتى العام 1918 ليحلّ محلهم الفرنسيون والانكليز تحت اسم الانتداب.
"سفر برلك وار عسكر أولانار سلاح باشينه" كلمات تركية، كان لها وقع الصّاعقة على كلّ من سمعها حين أذيعت لأول مرة في منتصف شهر تموز من عام 1914 ومعناها: "نفير عام، من يكون تحت سنّ الجندية فليبادر لحمل السلاح". فخلت الأسواق من الرّجال ولم يبقَ في الميناء سوى النّساء والأولاد والمتقدّمين بالسّنّ ومن سمحت له أحواله الماليّة بدفع البدل النقديّ عن الإنخراط بالجندية. وأثناء الحرب العالمية الأولى، أخذت الأسعار ترتفع تدريجياً، فأقفلت الأسواق، واستبدّت المجاعة بالمواطنين واعتاض النّاس عن الخبز بالليمون الحامض وكان الجياع ينتشرون في الشوارع مستغيثين طالبين الطعام.
وفي أوائل عام 1939 أنشأت فرنسا وظيفة جديدة في طرابلس هي منصب مدير بلديتي طرابلس والميناء، وعيّنت لهذه الوظيفة انطون أدّه، فدبّت الحياة في البلديّتين بعد أن نظّم أمورهما. ولكن عندما أعلنت الحرب العالمّية الثانية أخذت الأسعار بالارتفاع واختفى السّكّر من الأسواق وكذلك قسم كبير من الحاجيات وخاصة القمح. فاهتم اده كل الاهتمام لهذا الأمر وابتاع كميةً من القمح أخذ يطحنها ويوزّعها على الأفراد بعدما حدّد سعر كيلو الخبز. كما أوجد مكتب الاعاشة البلدي، ووزّع السّكر والارز على الاهلين.
ضواحي المدينة
1- حوش العبيد
وهو أقدم ضواحي الميناء... ويعود تاريخ هذا الحوش الضّاحية إلى بداية القرن التاسع عشر.
ويستدل من اسم هذه الضّاحية، أن أصل سكّانها يرجع الى قارة أفريقيا وقد قدمت هذه المجموعات السّكانية من تلك القارة البعيدة نسبيّاً في ظروف مختلفة وأوقات متفاوتة، كما أنّهم أتوا من مناطق متعددة، فمنهم من جاء من المغرب ومنهم من أتى من السّودان وخاصّة الخرطوم، وبعضهم من السّنغال.
وقد وَفَدَ هؤلاء السّكان الى الميناء إمّا بحراً او براً. أما المجالات التي عملوا فيها عند وصولهم الى الميناء فهي حمل البضائع في الجمرك، العمل في البلدية كعمّال في مختلف الورش وصيد السّمك.
ومن أوّل الوافدين الى الميناء من سكان حوش العبيد: موسى العبد والحاج أحمد مرجان والحاج عبد الله النّعسان الملقّب بالأسمر.
وأوّل من جاء بهؤلاء الأفارقة الى الميناء الريّس حسن درويش على متن سفينته الشراعية (سْكونة).
2- الحارة الجديدة
الحارة الجديدة هي أكبر ضواحي الميناء ويعود تاريخ السكن فيها الى الحرب العالمّية الأولى حين سكنها الحاج أحمد بن أحمد حسن المير الأيوبي عام 1914. وقد كانت أراضي الحارة الجديدة بساتين تعود ملكّيتها للطّليان وبعض أهالي الميناء.
وفي رجب 1350هـ/1930م. بنى الحاج أحمد بن أحمد حسن المير الأيّوبي جامع الحارة الجديدة، لكي يشجّع أهالي الميناء على السّكن في جواره.
وفي العام 1932، بنى الحاج توفيق محمد الجاموس ثالث بيت في هذه الضاحية ليسكنه.
وخلال وجود الفرنسيين وجيوشهم في البلاد، شادوا ثكنة لجيوشهم في الحارة الجديدة ما لبثوا أن أخلوها في نهاية الحرب العالمّية الثانية، فاستولى عليها الجيش اللبناني الذي تركها بدوره ما بين العامين 1968 و1969.
أمّا اليوم فالحارة الجديدة أصبحت مدينة صغيرة، تنتشر فيها صناعات مختلفة تشكل الامتداد الطبيعيّ للصّناعة في الميناء.
3- المساكن الشعبية
في إطار خطة اعتمدتها وزارة الاسكان والتعاونيّات بإقامة مساكن شعبيّة في المناطق اللبنانية وتمليكها من قبل ذوي الدّخل المحدود، أقرّت هذه الوزارة بناء 200 مسكن في مدينة الميناء.
وفي 25 آذار 1971 وضع الحجر الأساس لهذا المشروع. ولكن نتيجة للأحداث التي بدأت في 13 نيسان 1975 توقفت أعمال هذا المشروع، بعد تشييد المنازل وشقّ الطرق ولم يبقَ سوى التوريق والطرش والدهان.
وفي آب 1975، إحتلت بعض العائلات هذه المساكن وأهَّلتهّا للسكن.
وهكذا نشأت هذه الضّاحية في الميناء وبدأت بالتّوسّع، ولتنتشر فيها المحلات والمصانع والمعامل.
الآثار في الميناء
كان الفينيقيّون رجال سفر وأصحاب أسطول بحري لا يستهان به، يجوبون به البحار. وبما ان مدينة الميناء تمتدّ على الشّاطئ الشّرقي للبحر الأبيض المتوسّط ومعرّضة للأنواء التي تثيرها الريّاح الشّمالية الجنوبيّة، التي تهبّ خلال فصل الشتاء، فقد عمد الفينيقيون الى إقامة حاجز، قبالة الشاطئ في الطّرف الشّمالي من المدينة، ويسمونه اليوم السّنسول او كاسر الأمواج. وقد أقاموه لحماية سفنهم، أثناء رسوّها، من الأمواج. وبقي هذا الحاجز على رُغم مرور الزمن الطويل وتعرّضه للأنواء العاتية، حتى أنشأت الحكومة الفرنسية في مطلع القرن العشرين الحاجز الحالي، مزيلة الحاجز الفينيقيّ.
أولاً: الحمّامات
تولى على طرابلس والميناء عدد كبير من آل العظم من دمشق، وقد تنبّهوا لعدم وجود حمّام في الميناء، الأمر الذي يضطر الأهالي للانتقال الى طرابلس للاغتسال في حماماتها. وكان هذا الأمر صعباً ومتعباً لأن الانتقال بين المدينتين كان يتم على ظهر الدّواب الأمر الذي تضيقُ به السيدات.
وقد استولى والي طرابلس (أسعد باشا العظم) حوالي سنة 1740 على قطعة الأرض الكائنة في وسط سوق الخضار، تحت الجامع العالي الكبير، وبنى عليها حمّاماً صغيراً مؤلفاً من عقد مربع في أعلاه فتحة كبيرة مدوّرة.
كان الحمّام مخصّصاً للمغتسلين من الرّجال في الصّباح، أما بعد الظهر فللنساء، حيث يرفع صاحب الحمّام العلم العثماني على باب الحمّام دلالة على انه مخصّص للنساء. وكان يؤمّ الحمّام كل الناس، من علِّيةِ القوم الى أصغرهم.
وقد سمّي هذا الحمّام "بالحمّام العتيق" تمييزاً له عن الحمّام الجديد الذي بناه نقولا قرب كنيسة مار جاورجيوس، ويستعمل اليوم، بعد تغيير معالمه، كمنشرة لصنع أثاث المنازل.
ويشكل (الحمام القديم) أقدم أثر في الميناء من أيام الحكم العثماني. وقد تحوّل هذا الحمّام أواخر العام 1982 الى مقهى شعبي، بعد ان أغلق في وجه المغتسلين القلائل. وفي العام 1985 أصبح الحمّام مركزاً لبيع البيض والفراريج.
ثانياً: خان التّماثيلي
الخان، هو المكان الذي كان ينزل فيه زوّار المدينة القديمة مع دوابهم، حيث كان يخصّص الطابق الأرضي للدّواب، والعلوي للنزلاء.
ويعتقد أن خان التماثيلي من بناء المماليك، في الأصل، ثم جدّد بناءه الوزير التركي محمد الدفتردار التماثيلي في عهد السّلطان سليم. وقد احتفظ هذا الخان بخصائصه المعمارية التي تميّز بها المماليك، والمتمثلة بالمقرنصات والتجويفات التي تعلو الزوايا الأربع للخان في الرّواقات العليا.
ويُفضي المدخل الرئيسي الى باحة مستطيلة الشكل تتوسطها بركة ماء. وفي الجهة الشرقية منه معلف أبقار ومسرج خيول ومخازن ومستودعات.
ويتألف الطابق الأرضي من إحدى وثلاثين غرفة كان التجار يتّخذونها مكاتب لهم وأماكن لإيواء دوابهم.
ويتصل الطابق الأرضي بطابق علوي عَبْرَ ثلاث سلالم، حيث تتوزّع أربع وأربعون غرفة مخصصة ليبيت فيها التجار الوافدون من الأماكن البعيدة.
وقد استخدمت الجيوش المختلفة خلال الحربين الأولى والثانية (التركية، الالمانية، الانكليزية والفرنسية) الخان كثكنة عسكرية.
ثالثاً: الأبراج
تمتاز مدينة الميناء عن بقية المدن اللبنانية، بل عن جميع المدن الساحلية الواقعة على الشاطئ الشرقي للبحر الابيض المتوسط، بوجود عدد من الأبراج الحربية المتقاربة ضمن مساحة جغرافية صغيرة. ويعود تاريخ هذه الابراج الى عهد المماليك حيث أقيمت على أنقاض أبراج صليبية، كانت قد بنيت على أساس أبراج عربية أقيم بعضها بعد فتح طرابلس (الميناء) والساحل. وكان العرب قد وجدوا حصوناً وأبراجاً بيزنطية في الميناء حين حصارهم لها، والبيزنطيّون اتخذوا من الحصون الفينيقية القديمة أساساً لبناء تلك الأبراج.
وفي 4 أيلول 1897 وقّع قنصل فرنسا في طرابلس (بول سافوري)، الذي كان يسكن الميناء، مخططاً صغيراً يبَّين عليه المواقع والأسماء الشّائعة للأبراج في أواخر القرن الماضي.
وتعتبر هذه الأبراج أشهر ما وصلنا من عصر المماليك ضمن نطاق مدينة الميناء، وارتبط تاريخ كل من الأبراج والميناء ببعضها البعض، حتى أصبح وجود هذه الأبراج الحربية على الساحل الميناوي من أهمّ خصائص الميناء.
1- برج رأس النهر
هذا البرج موجود حتى اليوم بجانب الجسر الحديدي الذي أقامته شركة سكة الحديد على مصبّ نهر أبي علي. وهو أصغر الأبراج حجماً ويتألف من طابق واحد مربّع الشكل طول ضلعه 16 متراً.
ومن المرجّح أنّ هذا البرج من بناء السلطان الأشرف قايتباي الذي زار طرابلس أثناء رحلته الى الشّام في سنة 882هـ/1477م. ومما يؤيد عناية قايتباي بتجديد بناء البرج، طراز عمارته، إذ جاء بركائزه الاسطوانية الأربع عند زواياه صورة مصغّرة عن قلعة قايتباي بالاسكندرية، والتي بنيت في السّنة نفسها (سنة 882هـ). وقد حوّل هذا البرج الى مسجد في العام 1985.
2- برج السباع (برسباي)
بناه الامير "سيف الدين برسباي بن عبد الله بن حمزة الناصري" المتوفي سنة 851هـ/1446م. وكان برسباي قد وُلّي نيابة السّلطنة بطرابلس مدة ثماني سنوات، بين سنتي 843 و851هـ. ويعتبر هذا البرج أشهر أبراج الميناء. وهو الوحيد الذي وصلنا سليماً بعض الشيء في عمارته.
وهذا البرج مكعب الشكل، مشيّد بالأحجار المصقولة المسنّمة بطريقة منسقة. وهو مؤلف من طابقين، أرضي وعلوي أول.
وفي الطابق العلوي الأول مسجد صغير به محراب، ونافذتان، ومنور علوي. ويُعتبر برج السباع أو برسباي من أهم الآثار الاسلامية على ساحل طرابلس، وأجمل مثال لفن العمارة الحربية، بما يتضمّنه من عناصر معمارية وزخرفية متنوّعة وموزّعة جميعها في إيقاع وتصميم متناسقين.
3- برج الفاخورة أو القناطر
يقع هذا البرج في أوّل محطة سكة الحديد، بيع للسيد نقولا كرم، وهو من تجّار الميناء، فأزال معالمه وأقام مكانه بناءاً كبيراً مربّع الشّكل.
وكان هذا البرج موجوداً حتى النصّف الاول من القرن الماضي، على الاقل، كما يتّضح ذلك جليّاً من الصّورة التي أخذت لساحل طرابلس والميناء سنة 1836. ولم يعرف حتى الآن اسم باني هذا البرج ولا تاريخ بنائه.
4- برج الشّيخ عفّان أو التكيّة
ينسب هذا البرج الى ضريح شيخ اسمه "عفّان" كان مدفوناً بداخله. ويرجّح الدكتور عمر عبد السلام تدمري أنّ هذا البرج هو من بناء الامير "سيف الدين طرباي بن عبد الله الظاهري" المتوفّي بطرابلس سنة 838هـ/1434م. وكان وُلّي نيابتها منذ سنة 831هـ. ولم يبقَ من معالم البرج شيء سوى بعض الاحجار المبعثرة على الشاطئ، وضريح الشيخ عفان الذي نقل من موقعه بضعة أمتار، ليقوم في بدن الجدار الغربي للبناء الجديد.
5- برج الديوان او السراي
ويقع هذا البرج على مسافة 300 متر جنوب برج الشيخ عفّان، منحه أحد السّلاطين العثمانيين لآل الزّين الكجي في الميناء على أن يتّخذوه مسكناً، إلا أنّ السّلطة العسكرية العثمانية فيما بعد أجلتهم عنه بالقوّة.
يضم الطابق الأرضي من هذا البرج قاعة مستطيلة الشّكل بنيت جدرانها بالحجارة، وفي الجهة الشّمالية درج للطابق العلوي المؤلف من عدة غرف.
وكان هذا البرج قائماً حتى العام 1958 حيث تعرّض للنسف والتخريب. وكان يشغل هذا البرج مخفر درك الميناء، وحرّاس البلدية، ودائرة الهاتف، والكرنتينا أو دائرة الحجر الصحي، ورئاسة الميناء.
6- برج عزّ الدين
يقع هذا البرج في الطرف الغربي من الميناء على شاطئ البحر، إبتاعه أحد أبناء الميناء واستبقى عقوده وأقام فوقها مؤلفاً من ثلاثة مساكن. ثم بيع في نهاية السبعينات حيث شيّدت فوق العقود القديمة بناية ضخمة من عدة طوابق.
وما تزال عقود هذا البرج باقية على حالها، وهي عبارة عن عدة عقود متصلة ببعضها. وهو من بناء الأمير "سيف الدين جلبان" الذي تولّى نيابة طرابلس من سنة 838 الى سنة 842هـ. (1434- 1438م.).
رابعاً: المدرسة الماردانية
وهي من المباني الإسلامية الهامّة في المدينة، وقد بناها عام 707هـ/1307م. الأمير علاء الدين ايدغمش المارداني الاشرفي، حسب النص المنقوش في لوحة رخامية بيضاء مثبتة فوق عتبة الباب القبلي للمدرسة. وهي تقع في وسط سوق الخضار على يمين السّائر باتّجاه الجامع الكبير العالي.
وقد رمّمت هذه المدرسة في بداية الثمانينات، وحوّلت الى مسجد صغير في العام 1985. وتعرف هذه المدرسة عند أهالي الميناء بزاوية العريف.
الحالة الاقتصادية في الميناء
أولاً: التّجارة
إن الحديث عن التّجارة يقتضي ألاّ نغفل الاشارة الى أهمية موقع الميناء الممتاز على البحر المتوسّط، ودوره في دفع الحركة التّجارية فيها، حتّى بلغت شأواً بعيداً من الازدهار. فكما ازدهرت الحركة التّجارية في أرواد وصيدا وصور وجبيل في التاريخ القديم، فقد شاركت الميناء بشكل أو بآخر في هذه الحركة عندما تأسست وأصبحت سوقاً تجارياً هامّاً يربط هذه المدن ببعضها.
وكان أهمّ ما تصدّره الميناء من انتاجها هو القطن. كما حظيت صناعة الأقمشة والمنسوجات الحريرية والقطنية... والمخملية النفيسة بإقبال شديد من المشترين، وحازت على إعجاب أمراء الافرنج.
وفي هذه الأيام تزدهر في الميناء تجارة الأخشاب ويتمّ استيرادها بواسطة المرفأ حيث يوجد في الميناء أكبر مستودعات للأخشاب في لبنان قاطبة.
إضافةً إلى تجارة الأخشاب هناك تجارةً أخرى مزدهرة وهي تجارة المفروشات حيث تنتشر في الميناء (خاصّةً في شارع بور سعيد) المعارض التي تقدّم أحدث المفروشات الوطنية والأوروبية الستيل والمودرن.
ثانياً: الزّراعة
إشتهر الميناء في العصر الإسلامي بزراعة الحمضيات وقصب السكر والفواكه، وكذلك الزيتون. أما في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر فقد ازدهرت زراعة أشجار الزيتون والليمون والتّوت والموز والنخيل والرمّان.
ويعود إزدهار زراعة التّوت للاهتمام بتربية دودة القزّ التي اشتهر بها لبنان في تلك الحقبة. وفي نهاية القرن التاسع عشر اقتلع الطرابلسيون والميناويّون شجر الرمّان وزرعوا مكانها شجر الليمون الحامض.
أمّا اليوم، وبعد أن سطا العمران بأبنيته المرتفعة على بساتين الميناء ومزارعها فقد انقرضت أنواع المزروعات المختلفة التي اشتهرت بها الميناء على مرّ العصور وبقيت بعض البساتين ببرتقالها وليمونها الحامض (المراكبي).
ثالثاً: الصّناعة
إشتهرت طرابلس (الميناء) على مرّ العصور بمختلف الصّناعات.
ولما كان قصب السكر ينمو بغزارة حول المدينة، فقد أقيمت المصانع لعصره وتصنيعه. وكانت مدينة الميناء تموّن أوروبا، حتى أواخر العصور الوسطى، بالسّكر بجميع أشكاله المعروفة آنذاك، بشكل رقائق أو ناعم، بشكل دقيق، أو بشكل حلوى.
ولم تكن صناعة السّكر هي الوحيدة في مدينة الميناء، بل كانت هناك صناعة الورق أيضاً، وهي الصّناعة التي ساهمت بانتشار حركة التأليف وقيام المكتبات ودور العلم. وكذلك صناعة النّسيج التي أعجب بها الصّليبيّون حين احتلّوا بلاد الشام السّاحلية، الى جانب صناعة ألواح الثّلج وحفظها.
إضافة الى ذلك فقد اشتهرت الميناء أيضاً بصناعة الصّابون وزيت الزّيتون وحياكة الحرير.
أما اليوم فما زالت صناعة القوارب وتوابعها ناشطة في الميناء، إضافة الى صناعة الفخّار. كما توجد فيها معامل كبيرة للميكانيك، ومعامل لصبّ أحجار الخفّان والبلاط وجليه وقصّ الرّخام وحفره. أما أهمّ الصّناعات فهي:
1- صناعة الفخّار
تعود هذه الصّناعة الى مئات السّنين (حوالي 250-300 سنة) وهذه الصناعة قائمة على الشّاطئ الغربي لمدينة الميناء، بقرار من الوالي التّركي أواخر الحكم العثماني لهذه البلاد. وكانت قبل ذلك في برج الفاخورة، وقبل برج الفاخورة كانت هذه الصّناعة قائمة قرب برج عزّ الدين.
واليوم فإن إنتاج الفخار مركّز على المزهريات، وإن كان الاترنيت بدأ ينافس الفخّار مؤخراً في هذا الانتاج حيث يقدّم أشكالاً مختلفة.
2- صناعة الموبيليا
تشتهر الميناء بصناعة الموبيليا ويصدّر إنتاجها الى جميع المناطق اللبنانية والى الدول العربية، خاصّةً سوريا ودول الخليج العربي.
3- حلويات الميناء
أصبحت الميناء قِبلة أهالي طرابلس والشمال لشراء حلويّاتها اللذيذة الطعم خاصّةً خلال شهر رمضان المبارك، حيث يبدأ بيع الكربوج الحلبي (وهو من الحلويات المفضّلة في هذا الشّهر الكريم، ولا تصنع إلا في هذا الشّهر) من السّاعة الحادية عشرة ظهراً حتى قبيل آذان المغرب. وفي شهر رمضان بالذّات تقوم بعض المحلات، التي لا تتعاطى بيع الحلويّات، بصناعة الكربوج وبيعه كما يمتنع بائعو الحلويات عن صنع "الكربوج" خارج هذا الشهر.
4- صناعة السّفن
على متن سفينة من لبنان إنطلقت الأبجدية بحراً لتعلن أنّ شعباً يتقن فنّ معرفة الحياة لن يدرك الوهن عزيمته أبداً.
وقد اشتهرت مدينة الميناء بصناعة السّفن منذ القدم، فقد اهتم "أنتيغونس" أحد خلفاء الاسكندر، خلال حكمه لمدينة طرابلس (الميناء)، الذي دام إحدى عشرة سنة (312-301 ق.م)، ببناء السّفن فكانت طرابلس (الميناء) من المدن التي أُنشئت فيها المصانع لبناء هذه السّفن، وجيء بالأخشاب من أعالي جبل لبنان، حيث بُني أسطول كبير لصالح "أنتيغونس".
أمّا في عصر المماليك فقد وجدت صناعة السّفن، وخاصة الحربية منها، بعض الاهتمام من نوّاب السّلطنة، وأحياناً من سلاطين المماليك.
وفي منتصف هذا القرن، وتحديداً في العام 1955 انزلت الى البحر "ندى" أول باخرة حديدية، تصميم وتنفيذ محمد يحي، وحمولتها 500 طن. ثم تتالت بعد ذلك التاريخ صناعة البواخر الحديدية.
4- صناعة القوارب
القارب، أو الفلوكة كما يسمّيها الصيّاد، هو الآداة الرئيسة التي يستخدمها في عمله، لذلك كان الاهتمام به كبيراً. فمن قارب صغير يعتمد على الشّراع او على سواعد البحّار بواسطة (المجذاف)، الى آخر أكبر حجماً وأيسر عملاً، يعتمد على قوة المحركات الآلية.
أمّا المدّة التي يستغرقها صنع الزّورق فتتراوح بين الشّهرين والثّلاثة أشهر حسب حجمه وطوله الذي يتراوح بين أربعة أمتار وخمسة عشر متراً.
المرفأ
وصف الرّحّالة الفارسي "ناصر خسرو علوي" الحركة التجارية النشطة في المرفأ أثناء زيارته للمدينة في سنة 438هـ/1047م. أيام الدولة الفاطمية بقوله: "... وتحصّل المكوس بهذه المدينة، فتدفع السفن الآتية من بلاد الرّوم والفرنج والاندلس والمغرب العِشر للسلطان، فيدفع منه أرزاق الجند. وللسّلطان بها سفن تسافر الى بلاد الروم وصقلية والمغرب للتجارة...".
فعن طريق هذا المرفأ كانت تتمّ عمليات التصدير والاستيراد، حيث كانت مدينة الميناء تمثّل همزة وصل، أو جسراً بين الشرق والغرب، وملتقى للقوافل التجارية، بريّة كانت أم بحريّة. ولذا استفادت بفضل موقعها، من تجارة المرور وازدادت أرباح أهلها.
كان هذا المرفأ يجتذب إليه قسماً كبيراً من تجارة البحر الأبيض المتوسط، كما كانت تشحن منه الى موانئ الغرب في إيطاليا وجنوب فرنسا منتجات الشرق والشام، حيث كانت طرابلس (الميناء) وثيقة الصلة من النّاحية التّجارية مع الامارات الإسلاميّة المجاورة.
ولمدينة الميناء أهمية تجاريّة عظيمة منذ القدم حيث كانت مرفأ الشّمال الأوّل والحيويّ ليس لطرابلس والميناء فقط بل لسوريا أيضاً. فقد كان هذا المرفأ مركزاً للتصدير والاستيراد لأكثر الدول العربية ولبعض الدول الأوروبية، وكان يعجّ بالسّفن، لذلك كانت قناصل فرنسا وانكلترا واميركا والنّمسا وروسيّا وهولندا يسكنون مدينة الميناء. ونتيجة لإزدهار المرفأ أنشئت في الميناء المؤسسات التجارية والوكالات والفنادق والخان والجمرك والسكة الحديد ومركز التلقيح الدولّي (الكرنتينا).
وقد عرف هذا المرفأ منذ القدم بموقعه الطبيعي الذي يشكّل بحدّ ذاته لساناً تلجأ السفن الى أحد جانبيه تبعاً لاتّجاه الريّاح.
وقد أنشأ الفينيقيّون حائط حماية أمام الميناء يعرف بالسنسول.
وفي 4/9/1929، أيّام الانتداب الفرنسي على البلاد، بدأ العمل بإنشاء قاعدة بحريّة للطائرات المائيّة (قرب سقالة الشيخ عفّان) وأنشئ لهذه الغاية حائط حماية (مكسر أمواج) خلف السنسول الفينيقي يبلغ طوله 1005 أمتار باتجاه الشمال. وكان الغرض من هذا الحائط إيجاد مسطّح مائي خالٍ من الأمواج يسمح بنزول الطّائرات على سطح البحر.
وانتهى أمر هذه القاعدة البحرية أو المطار بإنتهاء الحرب العالمية الثانية.
وفي العاشر من شهر حزيران 1955 زار رئيس الجمهورية كميل شمعون طرابلس والميناء ووضع الحجر الأساس للمرفأ الجديد قرب برج السباع.
الوضع السيّاحي في الميناء
أولاً: الجزر
تمتاز مدينة الميناء عن غيرها من المدن السّاحليّة اللبنانيّة بوجود مجموعة من الجزر المتفاوتة المساحة، تتناثر في وسط البحر بأبعاد مختلفة مقابل المدينة. وهي لا تعدو كونها سبع جزر، خالية حالياً من السّكان والعمران، لكنّ بعضها كان عامراً في العصور الوسطى، حيث بنى الصليبيّون فيها دُوراً وكنائس لهم.
وأكبر هذه الجزر وأهمها على الاطلاق جزيرة النّخل أو الأرانب، وقد سميت بالارانب لأن قنصل فرنسا وضع فيها عدداً من الأرانب تناسلت وتكاثرت. ويبلغ طول هذه الجزيرة 560 متراً وعرضها 460 متراً.
وتوجد في هذه الجزيرة بئر ماء عذبة. وقد عمدت لجنة رعاية البيئة مؤخراً الى زراعة قسم من هذه الجزيرة، بالإضافة الى قيامها بتنفيذ بعض المشاريع البيئية بناءً على مخطط وضعته اللجنة ووافقت عليه وزارة البيئة.
وتلي جزيرة "سنني" جزيرة "النخل" في المساحة حيث يبلغ طولها 380 متراً وعرضها 100متر، وأرض هذه الجزيرة صخرية وتقع على بعد نصف كيلومتر شرق جزيرة "النخل".
وتقع جزيرة "الفنار" بالقرب من الجزيرتين السابقتي الذكر، وتبلغ مساحتها ما يقارب 16000 متر مربع. وقد أنشأت وزارة الأشغال العامة في هذه الجزيرة فناراً (منارة) لإرشاد السّفن، وهي تعرف بجزيرة الفنار.
وقد جُهّزت هذه الجزيرة بالمدفعية المضادة للطائرات، أثناء الحرب العالمية الثانية، لصدّ الغارات الألمانية على مدينتي طرابلس والميناء.
وبين هذه الجزر الثّلاث والشّاطئ الميناوي تنشر عدّة جزر أهمّها:
جزيرة "البقر" وهي التي كان يطلق عليها خلال العهد الصليبي اسم جزيرة "سان توماس" حيث هرب اليها الصليبيون خلال الفتح المملوكي، وتعرف بجزيرة (عبد الوهاب). وجزيرة البلان، ثم جزر المقاطيع (أو الطويلة او الرملية) وهي مجموعة جزر صغيرة متجاورة وقريبة من جزيرة البلاّن.
والجدير ذكره، أنه بناءً على دراسة علمية أوليّة وطلب حماية تقدمت به "لجنة رعاية البيئة" أقرّ مجلس النواب القانون رقم 121 تاريخ 9/3/1992 القاضي بإنشاء محميّتين طبيعيّتين، إحداهما محميّة جزر طرابلس الثّلاث: النّخل وسنني ورامكين.
ثانياً: السّقالات
كان التّجار ينقلون البضائع على ظهر الحمّالين من المواعين الى البر وبالعكس، خائضين الماء حتى أعلى صدورهم. وكانت حركة العمل مرتبطة بحالة البحر من هدوء او هيجان، الأمر الذي دفع بالتّجار للجوء إلى البلدية والطلب منها أن تحدث لهم سقالة بسيطة في حينه، على أن تستوفي مقابل عملية التفريغ والشحن مبلغاً من المال اتفق التجار والبلدية عليه، فأنشأت إحدى السّقالات التي يتمّ نقل البضائع من وإلى المواعين بواسطتها. ونظراً للحركة الناشطة التي شهدتها هذه السّقالة طلب التّجار من البلدية إنشاء عدة سقايَّل، وتّم لهم ما أرادوا، فأنشئ ما يزيد على السبع سقالات، أهمها:
1- سقالة الشّيخ عفّان: أنشئت بناءً على طلب تجّار الليمون والليمون الحامض "المراكبي" الذين كانوا يصدّرون بضائعهم بحراً.
ولما كانت هذه السقالة "متخصصة" بتصدير الليمون والليمون الحامض كانت تعرف بسقالة الليمون، وكانت ملاصقة لبرج الشيخ عفان.
2- سقالة الكازخانة: وكانت موجودة بين برجي رأس النهر والسّباع، وكانت هذه السّقالة مختصّة باستيراد الكاز.
3- سقالة علم الدّين: كانت موجودة على طريق المحطة بين برجي الفاخورة والشّيخ عفّان، وكان يقال لها أيضاً سقالة "ذوق وعلم الدين".
4- سقالة عزّ الدين: كانت هذه السّقالة تخصّ مصطفى عزّ الدّين، وكانت توجد أمام أرض صاحبها، ما بين برج الفاخورة وبرج الشيخ عفّان أيضاً، قرب العقار الذي تشغله (قاديشا) حالياً.
5- سقالة البصل: كما هو ظاهر من اسمها، كانت هذه السّقالة متخصّصة باستيراد البصل. وكان موقعها قريباً من سقالة عزّ الدين.
6- سقالات بور الطيران: كانت توجد ثلاث سقالات في المكان الذي استخدم كبور للطيران شمال سقالة الشيخ عفان (بدأت الأعمال بهذا البور في 4 أيلول 1929) وقد أزيلت هذه السّقالات من قبل البلدية عند البدء بأعمال البور.
7- سقالة الجمرك: كانت مخصّصة للاستيراد والتصدير، وهي تبعد عن سقالة غرنبلات حوالي مئة متر وهي من أقدم هذه السقالات.
وفي شتاء 1929 هبّت أنواء شديدة ضربت شاطئ الميناء فصدّعت السّقايل جميعها وهدّمت سقالة الجمرك ممّا دفع بالبلدية الى إعادة إنشائها.
8- سقالة الأمن العام: أنشئت هذه السّقالة عند الجمرك، وهي سقالة صغيرة، تسهيلاً لتدقيق الاأن العام بأوراق المغادرين والقادمين.
9- سقالة بطش: ويظهر من أسمها أنها سقالة خاصة، فقد أنشأها نقولا بطش وإخوانه لاستقبال بضاعتهم، خاصةً الخشب. وكانت هذه السّقالة تقع بين سقالتي غرنبلات والانكليز، مقابل البناء الذي تشغله حالياً عائلة بطش.
10- سقالة كرم: أو سقالة الملح أو الملاّحة، كما كانت تعرف عند العامّة في الميناء لأنها كانت مخصّصة لنقل الملح.
11- سقالة الانكليز: وهي سقالة حديثة ولا علاقة لها بالتّجارة، فقد أنشأتها عام 1950 مجموعة من الانكليز كانوا يعملون في شركة نفط العراق واتخذوا الميناء مسكناً لهم، حيث كانوا يستعملون هذه السقالة أثناء نزولهم الى زوارقهم وأشرعتهم التي كانوا يتسابقون بها في بركة المرفأ حيث كان المواطنون ينتشرون على الكورنيش يتمتّعون بمشاهدة هذا السياق. وبعد ترك الانكليز لشركة نفط العراق (منتصف السّتينات) أهملت هذه السّقالة ثم اندثرت نهائياً.
كما كانت تنتشر بعض السقايل أيضاً لم نفصّلها لعدم أهميّتها ولعدم وجود مصادر يمكن الرجوع اليها. من هذه السّقالات، سقالة قرب جامع الدّاكيز سابقاً (حالياً جامع عمر بن الخطاب)، سقالتان نهايتهما كشك يستعمل كمقهى حيث تدار فيه لعبة كركوز (وهي لعبة تعتمد على أشكال مختلفة من الكرتون يعرضها الراوي، الذي يقصّ القصّة، على شرشف أبيض بعد أن يحرّك هذه الأشكال ما بين شمعة مضيئة والشرشف)، وكانت السّقالة الأولى في منتصف المسافة بين سقالة الشيخ عفّان وبرج السراي، وكانت الثّانية مكان مركز توضيب الحمضيات، عند مدخل الميناء (البوابة).
12- سقالة غرنبلات: في عام 1922 تقدّم الفرنسي (جان غرنبلات) بطلب امتياز إنشاء سقالة حديدية، متعهّداً تجهيزها بالرافعات الميكانيكيّة التي تعمل على الفحم الحجري (ما زالت رافعتان منها موجودتين حتى الآن أمام سينما كليوباترا) وتمديد الخطوط الحديدية على السّقالة وإيصالها الى عنابر الجمرك، مقابل حصر تفريغ البضائع المستوردة والمصدّرة بحراً بهذه السّقالة.
وفي تموز 1924 بدأ العمل بواسطة سقالة غرنبلات التي كان يديرها نيابة عن (جان غرنبلات) كل من الفرنسي (أُكتاف أُبوار) والمهندس اليوناني (جاك تاتاراكي). واتّخذت لها اسماً:
(شركة الالتزامات البحرية والبرية- شركة غرنبلات).
وبقي الحال كذلك حتى 7/2/1937 عندما استلمت البلدية إدارتها واستردت امتيازها، بعد أن دفعت كامل كلفتها وخمسة وعشرين الف ليرة لبنانية لصاحب الامتياز بناءً على حكم المفوض السامي الفرنسي.
وتكرّس استلام البلدية لإدارة السّقالة بموجب المرسوم الجمهوري رقم 789 E.G تاريخ 8/6/1937.
ولا يبقَ من هذه السقالات إلاّ سقالة غرنبلات التي ما زالت صامدة حتى اليوم رغم العواصف والانواء، وما زالت البلدية حتى الآن تحصّل رسومها رغم عدم استعمالها كمرفأ لاستقبال المواعين كما كانت سابقاً. لكن هذه السّقالة تستعمل الآن من قبل محطة إرشاد السّفن حيث ينطلق منها المرشد لاستقبال السّفن او لإخراجها من المرفأ. كما للجمرك نقطة ثابتة على هذه السّقالة.
ثالثاً: سكة الحديد
في العام 1908 أصدر الوالي التركي عزمي بك فرماناً بإنشاء خط السكة الحديد. وفي العام 1912 انتهى العمل بهذا المشروع الضخم وجرى احتفال كبير بمناسبة بدء العمل بالقطارات.
وقد لعبت محطة السكة الحديد دوراً بارزاً، خاصة خلال الحرب العالمية الأولى، حيث استخدمت في أواخر هذه الحرب كمستودع عام للجيش الانكليزي المتواجد في الميناء.
رابعاً: احياء المدينة القديمة
تعتبر احياء المدينة القديمة بشكل عام ذات قيمة تاريخية وأثرية، كما أن هناك عدة أبنية وقناطر وأقواس وعقود فوق بوابات ذات آثار جمالية يمكن ان يحافظ عليها في حال إعادة البناء من جديد ووضعها في متحف خاص بالميناء.
أماكن العبادة في الميناء
الكنائس
1- كنيسة مار جاورجيوس (للروم الارثوذكس): بنيت هذه الكنيسة عام 1732 في عهد المطران كير مكاريوس.
2- كنيسة مار الياس (للروم الارثوذكس): في العام 1861 تم تشييد هذه الكنيسة على نفقة صيادي الاسفنج في عهد المطران صفرانيوس.
3- كنيسة مار يعقوب (للروم الارثوذكس): تقع هذه الكنيسة داخل مقبرة الروم الارثوذكس، وقد بنيت في العام 1873.
4- كنيسة مار يوحنا (للروم الارثوذكس): بنيت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كمزار يؤمه المؤمنون حوّل في العام 1968 الى كنيسة.
5- كنيسة سيدة النجاة (للموارنة): بنيت هذه الكنيسة في العام 1889 في عهد المطران ماري اسطفانوس عواد.
6- كنيسة مار افرام (للسريان الارثوذكس): بنيت هذه الكنيسة عام 1957 في عهد البطريرك يعقوب الثالث.
7- كنيسة سيدة البشارة (للروم الكاثوليك): بنيت مع بداية هذا القرن، وهدّمت لتنفيذ تخطيط من قبل البلدية. بوشر ببناء الكنيسة مجدداً في العام 1982 ودشنت في العام 1996 في عهد المطران جورج الرياشي.
8- كنيسة القديس فرنسيس الأسيزي: وتعرف عند الميناويين بكنيسة مار انطونيوس البادواني. بنيت في نهاية القرن الثامن عشر وتعود ملكيتها الى رهبنة الآباء الفرنسيسكان.
الجوامع
1- جامع الداكيز (عمر بن الخطاب): بنى هذا الجامع أحد افراد عائلة الداكيز في خلال العهد العثماني.
غيّرت البلدية مكانة فهدمتهُ واعادت بناءه عام 1922. وبعد هدمه خلال أحداث 1958، مع برج السراي، أعيد بناؤه عام 1967، واطلق عليه اسم جامع عمر بن الخطاب.
2- الجامع الكبير العالي: بناه محمد أبو بكر، وهو على الأغلب أحد حكام طرابلس، وذلك في العام 1125هـ/1712م.
3- جامع غازي: بناه الحاج عبد الله غازي عام 1290هـ/1872م.
4- الجامع الحميدي: في العام 1902، وعلى أنقاض أول مدرسة رسمية أنشأها الاتراك في الميناء، بني هذا الجامع.
5- جامع الحارة الجديدة: بنى هذا الجامع الحاج أحمد بن أحمد حسن المير الايوبي عام 1350هـ/1920م.
6- جامع عثمان بن عفان: بني هذا الجامع عام 1968 على قطعة أرض تعود ملكيتها لبلدية الميناء ولزكي الزيلع.
7- جامع الامام علي: بني هذا الجامع عام 1981 بواسطة محمد جمعة الزيلع الذي أشرف على بنائه بتمويل من المملكة العربية السعودية.
8- مسجد الروضة: بني عام 1983، وهو تابع لثانوية روضة الفيحاء.
9- مسجد عيسى بن مريم: بوشر بناء هذا الجامع في العام 1984 وبدأت الصلاة فيه خلال العام 1992.
10- مسجد الضناوي: تمّ إنجاز بناء هذا المسجد عام 1993، على أرض للمرحوم رأفت محمد علي الضناوي بناءً على وصيته.