المجاهدة عائشة البشناتية
الأستاذ معتز مطرجي
هي القائدة الرائدة في المقاومة الطرابلسية، أخت الرجال في العزة والعنفوان، شخصية فريدة كما نطقت بها الروايات الصحيحة مستقاةً من الكتب النزيهة ذات الحيدة الامينة، التي رسمت لها صورة تتراءى لنا مشرقة زاهية.
فهي ليست بمجهولة المكانة لكن يجب ان تبحث عن أخبارها في كتب الأولين، لأن ما كتب عنها قليل نظراً لما قامت به من أدوار وأفعال، ولا يحتار الباحث عن تاريخها ليحكم لها او عليها، لان ما يقرأه يروقه وينجذب اليه.
لقد أحببت ان أخصص هذه الزاوية اليوم وأكتب عن هذه البطلة لحاجتنا الى أمثالها من النساء والرجال على السواء، لان ما آلت اليه أحوالنا مهين ومعيب ولا يشرفنا ان نكون أحياء في هذا العصر، فأين اليوم من الأمس؟
كانت عائشة البشناتية من أنبل القادة وأحشم النساء، مشهودة المواقف في البسالة والجرأة والإقدام، كان فيها اعتداد بنفسها كبير، وذكاء عظيم وحصافة، ومهارة وكياسة عالية، ذات غزو وإبلاء، وصاحبة عزم مُبيّت على الإقتصاص من الغاصبين، تتقدم كتائب الرجال وترسم الخطط دفاعاً وهجوماً، وبذلك صار إسمها المفزع المرعد لدى الاعداء المتربصين.
هي عائشة بنت حرب بن وليد من قبيلة بني ضُمره، المعروفة بالبشناتية نسبة الى بشناتا، القرية التي تقع في أعالي جبال الضنية، وبشناتا في اللغة كما يقول الدكتور أنيس فريحة محل الصخور الشاهقة المعلقة والقمم المسننّة، وضُمرة من القبائل العربية التي تعود بجذورها الى عدنان جد القبائل الشمالية، عاش قسم منها في أريحا بفلسطين ومنهم الاديب القاصّ يوسف ابو ضمرة.
ولدت في طرابلس وعاشت في القرن الثالث عشر أيام حكم المماليك كانت تلبس ملابس الرجال وتتقلد السلاح وتركب الخيل، وتقصد الساحل لقطع الطريق على قوات الفرنجة، ويوماً خرجت للتصدي للأعداء أثناء حصارهم الظاهرية او الزاهرية في طرابلس واشتبكت معهم وقتلت مئتي جندي منهم في الطريق المعروفة اليوم بشارع المئتين. وذكر المؤرخ الدكتور عمر تدمري ان ضريح عائشة البشناتية كان يتخذ مزاراً ومتنزهاً لأهل طرابلس حيث يقع بظاهر المدينة في حارة النصارى، وقد أزيل في النصف الأول من هذا القرن وضمت أرضه الى مدرسة الطليان. اما المؤرخ الشيخ كامل البابا فيقول: "ان عائشة كانت حارسة لباب البلد الذي كان بقرب قبرها الى جانب سبعة من الشهداء، ولها ذكر بالتاريخ عظيم ووقائع مع الافرنج تكاد لا تصدق، يعاونها أخوها حسن، وقلعتها بقرب بشناتا لم تزل قائمة، وقد مثلت مهاجمتها لقلعة طرابلس بالسينما لبضعة سنين خلت".
ويروى ان الشيخ عبد الكريم عويضة جلس قرب ضريح عائشة يبكي نحيباً عندما همّ العمال بهدم مقامها بغية إحداث بناء جديد لمالكيه الجدد. ورد اسم عائشة البشناتية في السيرة الشعبية للملك الظاهر بيبرس الذي اشتهر بحروبه ضد الفرنجة والمغول، والذي أسر لويس التاسع في معركة المنصورة، وزعمت بعض المصادر ان بيبرس قبل رجوعه الى مصر وانتهاء حصاره لطرابلس تزوج من الأميرة عائشة.
وجاء في أخبار التاريخ ان شقيقها حسن البشناتي طارد البرنس بوهيمند السادس امير طرابلس في الممر القائم بين القلعة وزقاق الرمانة وأمسك به وضرب عنقه وجاء برأسه على درعه وقدمه الى الظاهر بيبرس، وكان ذلك في 8 شباط من العام 1274م.
عائشة البشناتية، أحبها العامة، لمكانتها النضالية، لأنها كانت تنازل من رَفَعَ الراية غاصباً وشهر السيف محتلاً، وما كانت تخرج للقتال لتكثر مالاً وتبني جاهاً، وإنما خرجت للدفاع عن المقدسات واسترجاع حق مغتصب، كانت ذات كرّ وفرّ، وهذا أمر محبب الى نفسها حيث تشم غبار المعارك وتعدّها مجال الفوز دنيا وآخره.
فلنتخذ سيرتها منارة تضيء طريقنا.