الصحافي رهيف الحاج
الأستاذ معتز مطرجي
ابن صاحبة الجلالة، عكاري الأصل، طرابلسي المولد، نشأ وترعرع تحت سماء الفيحاء الصافية، وتفتحت عيناه على بلد الايمان والعروبة، كان رحمه الله يملك املاً وثاباً ويحمل احلام الشباب تحفزه عزيمة وارادة، عصامي فذ، بنى نفسه بنفسه واوجد كيانه الصحافي والاجتماعي بحنكته ورويته، دمث الاخلاق، شخصيته محببة للناس يلمسون في نفسه نزعات انسانية متألقة تكشف عن ارق خلجاتها والوانها، وعلى وجهه تشعر باطمئنان داخلي ينم عن سريرته الشفافة.
كان يقدس روابط الزمالة ويحترمها، ويرى أن من واجب الصحفيين أن يكونوا متحابين غير متنافرين يعملون في خدمة صاحبة الجلالة، وهي خدمة المجتمع والوطن بصدق وأمانه وجرأة باعتبار أن الصحافة سجل لا يُمحى من ذاكرة التاريخ لأنها شاهد على مدى الأوقات والأزمان ومراقب للوقائع والأحداث وهي احدى الوسائل التي سيطرت على عقول الرأي العام.
ولد محمد رهيف ابن الشيخ علي الحاج في طرابلس سنة 1914 في أحد الأسواق القديمة بمنطقة السويقة ورقم سجله 156، وأصوله من قرية الحاج بعكار.
درس بكتاتيب طرابلس وتعلم القراءه والكتابه والقرآن الكريم، ثم دخل المدرسة السلطانية، وترك المدرسة وأرسله أبوه الى أقارب له في فريتاون بافريقيا، وعندما لم يجد نفسه هناك رجع بعد سنة الى طرابلس لينكب على المطالعة وقراءة الكتب الأدبية والأجتماعية والثقافية واجتهد حتى نال نصيباً وافراً من العلم، واخذ يراسل الصحف في بيروت كما مارس الكتابة في جريدة الشباب لصاحبها الأديب سميح القصير، وتعاون مع صديق الصبا والشباب سميح البابا الذي دخل السلك الديبلوماسي وأصبح فيما بعد سفيراً.
تزوج مترجمنا من قريبته لكنه ترمل باكراً بعد أن انجبت له ولدين هما القابلة القانونية منى والعميد المتقاعد فاروق الحاج، ورفض من بعدها الزواج متفرغاً بكليته للعمل الصحفي والشأن العام.
في سنة 1937 بدأ مشواره مع الصحافة عندما حصل على امتياز لرخصة مطبوعة غير سياسية هي صوت الفيحاء، وواجه صعوبات عديدة، وعندما خالف قانون المطبوعات صدر عن رئيس الجمهورية بناء على اقتراح وزير الداخلية مرسوم بتوقيف الجريدة عن الصدور سنة 1944 وبعد معالجة أسباب توقيفها عاودت الصدور، وفي سنه 1949 اصبح مالكاً لامتياز جديد باسم صوت الفيحاء لكن بصيغة تسمح له بتعاطي الأمور السياسية، وكانت المنبر الحر الذي يوجه ويرشد وينصح ويدافع عن حقوق طرابلس ولبنان ويقف بكل جرأة وصلابة الى جانب القضايا العربية، ومن خلال مهنته الصحافية تعرف على معظم رؤساء الجمهورية والحكومة وأقام معهم علاقات وديه ولقاءات عديده، وخصوصاً دولة الرئيس رشيد كرامي الذي ربطته معه صداقة ومودة، وكان منزله على موعد شهري يجتمع فيه رجال السياسه والفكر والمجتمع يتشاورون فيما يخص شؤون وشجون طرابلس، كما اقام علاقات مع ملوك ورؤساء وامراء العرب.
وشغفه وحبه لمهنة الصحافة واندفاعه الى حلبتها جعلاه يتبنى تعليم اثنين من طلاب العلم حتى حصولهما على ليسانس صحافة، واحد تخرج من جامعة القاهرة والثاني من جامعة بيروت العربية واحدهما يمارس حتى اليوم عمله الصحفي.
وبعد معاناة مع المرض فاضت روحه الى بارئها في الخامس من شهر آذار من العام 1984 ،ونعته نقابتا الصحافة والمحررين، ورحل تاركاً وراءه السمعة الطيبه والأخلاق الرفيعة، وقد رثاه صديقه الشاعر عطفت شعبان بقصيده طويله بعنوان" دمع البيان" هذا بعض منها:
بكتِ الفيحاء في دمع البيان
صوتها الرنان في كل مكان
بكتِ الفيحاء تنعي قلماً
ذاد عنها في العوادي منذُ كان
وتفانى في هواها عُمُراً
يبتغي مرضاتها في كل شان
إنه ذاك العصامي الذي
جعل الحرف فخاراً في الكيان
بل رهيفاً مرهفاً في كفه
يتحدى كلَ ظلاّمٍ... وجان
إنه الحاج ولا ريب به
من هدى الناس بخطٍ أو لسان.
الى أن يقول
فانعم اليوم أبا الفاروق في
رحمات الله بالأمن المصان
بهناء الراحة الكبرى على
سُرر الخلدِ بطلِّ المكرمان
وكان الاستاذ رهيف الحاج قد اوصى باهداء مكتبته العامره الى الرابطة الثقافية ونفذت الوصية
ليت بلدية طرابلس تطلق اسمه على أحد شوارع المدينة تقديراً لعطاءاته في الشأن العام.