الشيخ محي الدين سلهب
الأستاذ معتز مطرجي
ليس القول المرسل في المتصوف الأديب الشاعر الشيخ محي الدين سلهب من نهاية نقف عندها، فهو عالم زاخر بالعلوم الشرعية والأدبية، التي تظهر قدراته ومواهبه، ومن ينصرف الى دراسة حياته، وتحليل شخصيته، يقف على ما تخللها من نعيم النفس وصفاء السريره، فيهتز للمشاعر الفياضة التي اجتاحته في التقرب الى الله، والعشق الإيماني الذي جعله يدنو من الصوفية بمعناها الشامل، وبشعلة التوحيد التي تظهر بنارها وتهدي بنورها.
وبالاضافة الى ذلك كان من الشعراء البارزين في عصره، والشعر كما دعوه أجمل انواع التعبير عن الأحاسيس وأسماها وأبلغها. كان الشيخ محي الدين طرابلسياً عربياًَ مسلماً، متوارثاً تقاليد آبائه وأجداده من نابلس الى طرابلس، يدافع عن الأرض التي ولد فيها وترعرع، وورث الصفات الحميدة الثلاث: الايمان والصبر والقناعة، فقد كان طاب ثراه بعيداً عن توافه الدنيا وصغائرها كصوفي زاهد. وجاء في كتاب تراجم علماء طرابلس وأدبائها للمؤرخ عبد الله حبيب نوفل ما يلي:
وقرأت في (ديوان الأفلاذ الزبرجدية) لناظمه شاعر سوريا الكبير عبد الحميد الرافعي هذه الجملة، قال: حدثني العالم الشاعر محي الدين أفندي سلهب أنه اعترته شدّة في بعض أسفاره، فالتجأ في سرّه للقطب الكبير السيد الرفاعي، ونام، فرآه في نومه يبشّره بالفرج وينشده هذا البيت:
ومن كان للقطب الرفاعي ينتمي فلا يختشي ضيما وليس يضار
فانتبه وقد زال كربه، فنظم قصيدة رائعة نختار منها هذه الأبيات:
على مدد القطب الرفاعي أحمد شؤون جميع الأولياء تدار
ولا مدد في الكون يوجد في الورى لَعْمرك إلا من سناه يُعار
لقد بتّ يوماً والخطوب تنوشني وفي القلب من عظم الكروب وار
فناديتُ يا شيخ العريجا أغث فتىً له في هواكم ذمّة وجوار
الى أن يقول:
ونمت فوافاني لدى سنة الكرى وقد ادهشتني هيبة ووقار
وأنشدني ذا البيت وهو الذي يلي وفيه لتفريج الكروب يشار
ومن كان للقطب الرفاعي ينتمي فلا يختشي ضيما وليس يضار
وقمت وأقداح المسرّة والصفا عليّ بسرّ ابن البتول تدار
ولد الشيخ محي الدين سلهب في طرابلس سنة 1834م ودرس في كتاتيبها وتتلمذ خصوصاً على العلامة الشيخ عبد الغني الرافعي، ثم إنتقل الى الإستانة لمتابعة تحصيله العلمي، بعد عودته تعيّن رئيساً لكتبة المحكمة الشرعية في عكار ثم تولى القضاء في حصن الأكراد والناصره وحيفا بعدما صار أميناً للفتوى في طرابلس، وأقامه المجلس البلدي وكيلاً عنه لملاحقة الدعوى التي أقامها على إدارة شركة التراموي الوطنية وربح الدعوى.
لمترجمنا آثار أدبية قيمة، منها رواية سماها "فخر العرب" أجاد فيها كل الإجادة ومُثّلت في طرابلس، كما له ديوان شعر كبير يقول فيه مداعباً:
قالت وقد رأت الشراريب التي علقتها الناس أعلى فوسها:
ما هذه الأذناب تخفق في الهوا فوق الرؤوس ولم نجد تأسيسها
فأجبتها: الناس ماتوا وانقضوا وخلَتْ جميع الارض من مأنوسها
واستخلفتها بهائم أذنابها للعكس قد خلفت بأعلا روسها
سار مترجمنا في هدي مبادئ الصوفية الرفاعية الصافية، وكان وراء عمامته علم جم وروح مؤمنة، وخلّف نجله الدكتور أسعد الذي أجبره موقفه من الإنتداب الفرنسي على الرحيل من طرابلس الى مصر، وهناك قام بنشاط في خدمة القضايا العربية وشارك في تأسيس نادي الاتحاد العربي سنة 1942. توفي الشيخ محي الدين سلهب في أوائل القرن الهجري 1300.