الشيخ عبد الجليل الُثنيني (السنيني)
والطريقة المولوية
الفقيه الحنفي المعروف بابن سُنين المولوي، ذكره المؤرخ الدمشقي محمد خليل المرادي، وقال عنه:
كان من العلماء المدرّسين الأفاضل، له مهارة في إستخراج المسائل وتصويرها بأوجز عبارة، وكتب حصّة على الدرر والغرر حَسَنة، لكنه اعجبه زيادة فهمه فتعلق بحبال العقل والخيال وترك ميزان النقل في تتبع الاقوال، وقال هم رجال ونحن رجال، وتعرّض بالاعتراض على الإمام محمد بن ادريس.
والسُنيني بضم السين نسبة الى قرية سنين من نواحي طرابلس، وذكر المؤرخ عبد الله نوفل في كتابه تراجم علماء طرابلس وأدبائها، ان آل المولوي العائلة المعروفة في طرابلس هي من سلالة الشيخ عبد الجليل، وأنه اطلع على حجتين شرعيتين تثبتان ذلك، وان جدهم الأعلى هو الامير حاج العالم الشهير من أصحاب التآليف الفقهية النفيسة، وهو جد الشيخ عبد الجليل.
نشأت الطريقة الصوفية المولوية كذكرى لصديق وأستاذ المؤسس الاول جلال الدين الرومي الشاعر الفارسي صاحب "المثنوي" المولود سنة 1207م واشتهر بالرومي لإقامته في مدينة قونية إحدى مدن الأناضول التي كانت تحت حكم الروم، وفي قونية كان أول ظهور للطريقة المولوية.
والمولوية تختلف عن بقية الطرق الصوفية بالفتل الذي يرجعونه الى ما قام به الخليفة الراشد أبو بكر الصديق من فتل أمام الرسول عليه الصلاة والسلام.
وأول مكان عُرف في طرابلس كانت تقام فيه حلقات الذكر، هو المدرسة الشمسية الواقعة شمال المدخل الرئيسي للجامع المنصوري الكبير، والذي يضم الآن أضرحة مشايخ آل المولوي، وتولى إدارة الحلقات الشيخ نظيف المولوي لينتقل بعدها الى التكية المولوية الواقعة في الجنوب الشرقي لقلعة طرابلس والتي عُرفت بتكية الدراويش، وذكرها الاديب الدمشقي المعروف بإبن محاسن صاحب الرحلة الطرابلسية والمتوفى سنة 1053هـ، والذي نزل فيها وقال ان شيخ المولوية آنذاك محمد افندي الرومي، وان مندوب السلطنة العليا قام ببنائها في مكان مشرف على الوادي الذي يجري فيه نهر ابو علي، وجعل لها وقفاً من الخزينة العامرة.
انتشرت الطريقة المولوية في أنحاء العالم الاسلامي، وكان يجري الانتخاب لتولي الزوايا من قبل أعضاء هذه الاسرة الكريمة لمشيخة القدس وحلب ودمشق، وكثيراً ما كان يتولى هذا المنصب أحد أفرادها. وتتميز الطريقة المولوية الى جانب الفتل باستعمال الشبّابة (الناي) الذي يشيع الأنين والأشواق فكانت موسيقى المولوية ذات شهرة عالمية يفد الى سماعها الناس من كل فج.
ذلك ان أهل الطريقة المولوية وغيرها من الطرق الصوفية يرون ان حسن الصوت من صفات الكمال الانساني، وان النغمة الحلوة ترّوح عن القلوب المحترقة بنار محبة الاله كما يعتقدون، ويعتبرون ان للموسيقى تأثيراً سحرياً على النفس، فهي علاج للكثير من الامراض، وهي وسيلة لترقيق الطباع.
ويذكر الدكتور عمر تدمري ان التكية المولوية حازت على إعجاب الرحالة الاوروبيين، وامتدحها الشعراء وتغنى بها الادباء، وأشاد بمزاياها علاّمة عصره الشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته الى طرابلس سنة 1700م. وقال في التحفة النابلسية ان والي طرابلس دعاه الى المولوية ذات الاشجار العطرية، فجئنا اليها، فرأيناها كجنة النعيم وبها من الماء اللطيف البارد الذي هو شفاء لكل قلب سقيم وهي مرتفعة البنيان عظيمة الأركان تجري من تحتها المياه وهي اشبه ما تكون بالربوة في دمشق الشام، وأنشد النابلسي في المولوية قصيدة فيما يلي بعض منها:
المولويةُ جنةٌ في الحرِّ حيثُ الحرُّ نارُ
تزهو طرابلسًُ بها ومن الزهور لها إزارُ
يا حُسن واديها الذي كأسُ النسيم به يدارُ
ومعاطِفُ الاغصان قد مالت وأثقلَها الثمارُ
هي جنةُ الفقراءُ أهـ لِ اللهِ تمَّ لهم قرارُ
أو ما تراها جاريا تٌ تحتها الانهارُ
بعد وفاة الشيخ أنور بن فؤاد بن شاكر المولوي سنة 1963م توقفت المولوية عن إقامة الاذكار، اما الشيخ عبد الجليل فقد ظل آخر ايامه قعيد داره الى ان توفي سنة 1690م