الأستاذ ممدوح النملي
الاستاذ معتز مطرجي
كان معاصرو المربي ممدوح النملي يسمعون ترديده الدعاء التالي: "اللهم اجعلني خيراً مما يظنون".
وكانت العرب تقول للرجال المعطاء: لله دَرّك ما خرج منك من خير، فكان رحمه الله كثير العطاء، جمّ الأفعال، ارتبط اسمُهُ مع نشأة كلية التربية والتعليم الإسلامية، ومع جمعية الخدمات الاجتماعية، وهو ممدوح السيرة بين الناس، مُثنى عليه، فكان لاسمه معه نصيب.
برز ممدوح النملي كمربٍّ قدير من مربّي التربية والتعليم، وكرائدٍ من روّاد العمل الاجتماعي، ومن رجالات السياسة والاقتصاد، ذي ثقافة ومعرفة عالية، دمث الأخلاق، كريم النفس، نذر نفسه وحياته لخدمة طرابلس ولبنان، وبذل الجهود لترسيخ الحياة العلمية والاجتماعية في ضمائر وعقول النشء الجديد، لإيمانه العميق أن هذا النشء هو رجاء الأمة ومعقد آمالها في مدارج التقدم والنجاح.
ولد ممدوح النملي إبن الشيخ محمد علي النملي في طرابلس سنة 1905 ودرس في كتاتيب المدينة حيث كان التعليم في مطلع القرن العشرين مقتصراً على مجموعة من (الخوجايات) للإناث، والكتاتيب لتعليم الذكور، وكانت هذه تعلّم القرآن الكريم والصرف والنحو وبعض الحساب، ثم انتقل الى مدرسة الفرير وأنهى تعليمه الثانوي فيها، وتابع تحصيله العلمي في مدينة حمص لينال من الكلية الرشيدية الإجازة في العلوم والتجارة.
ومترجمنا ينتمي الى أسرة إسلامية معروفة في طرابلس، وللإسم جذور في التاريخ الإسلامي، فهو اسم أسرة عباسية برز منها أبو حسان النملي نديم الخليفة المتوكل جعفر بن المعتصم، والنملي أيضاً اسم موقع للماء وجبال كثيرة قرب المدينة المنورة كما ورد في معجم أسماء الأسر.
في الثلاثينات من القرن الماضي شهدت كلية التربية والتعليم الإسلامية نهضة مذهلة، ولاقت إقبالاً منقطع النظير عندما أُسنِدت الإدارة الى المربي الحاج رفيق الفتال، والنظارة العامة الى المربي الأستاذ ممدوح النملي إمتدت الى الستينات، واختارته الإدارة لتعليم آداب اللغة الفرنسية مع الاستاذ محيي الدين مكوك للطبيعيات والاستاذ نور النعنعي للرياضيات والاستاذ درويش التدمري لآداب اللغة العربية، وكان أحد المعلمين في مدرسة الفرير.
في سنة 1947 عيّن عضواً في المجلس البلدي ثم نائباً لرئيس البلدية أيام المحافظ سميح عكاري، وسنة 1950 تولى رئاسة البلدية المحافظ غبريال أسود، ثم استُبدل بالزعيم نور الدين الرفاعي، وكان مع الاثنين نائباً لرئيس البلدية. وسنة 1951 ترشّح للانتخابات النيابية، وفي سنة 1955 إشترك مع عدد من العاملين بالحقل السياسي في الشمال بتأسيس الكتلة المتحدة، من بينهم الأساتذة قبولي ذوق، سالم كبارة، محمد حمزة، مصطفى المقدم، وسليمان فرنجية. ومن أهداف هذه الكتلة المطالبة بحقوق طرابلس والشمال، وكانت معارِضة لسياسة الرئيس رشيد كرامي.
وفي بداية القرن الماضي، كان سكان طرابلس لا يتجاوز عددهم الثلاثين ألفاً، يقيمون بالأحياء المملوكية القديمة، وعلى ضفتي نهر "أبو علي" فوق الرابيتين المطلتين على المدينة وحولها سهل مليء بالأشحار الظليلة وبساتين الاثمار اليانعة من الليمون والبرتقال، وكان اقتصاد طرابلس في جلّه يعتمد على الحمضيات والزيتون ومشتقاتها، فرأى مترجمُنا بنظره الثاقب وتفكيره الواعي حاجة المدينة الى جمعية ترعى المصالح، فتنادى مع نفر من أهل الاختصاص والمالكين الى تأسيس "جمعية ملاكي الجنائن"، وانتخب رئيساً لها، وانتخب الحاج عبد الرزاق الحسيني نائباً للرئيس، ومن الأعضاء فوزي فتال وعبد الله معصراني وفايز المطرجي ومحمد إحسان شطح وغيرهم.
في سنة 1991 توفي الاستاذ ممدوح النملي، وشيّعته طرابلس بمأتم كبير، وأقيم له حفل تأبيني نشرت تفاصيله صحف طرابلس المحلية، ونشرت جريدة "صوت الفيحاء" لصاحبها الأستاذ رهيف الحاج بتاريخ 31 كانون الاول 1991 عناوين الاحتفال: "الحمد لله على ما أنجز وعلى ما تيسر عمله" "تكريم الانسان" و "محبة الناس لا تقدر بثمن" وتحدثت عن الفقيد فقالت: أستاذ الجيل الذي أرسى من تاريخه في منعطف المدينة الثقافي إحتراماً استقر به مشروع مأوى العجزة، ونما على مر السنين... مع نمو جمعية الخدمات التي امتدت بثقافة وإدراك مؤسسها لتستقطب المبادرات الدولية الإنسانية حتى غدت معلماً من معالم المدينة".
ممدوح النملي في حفل تكريمه الأخير: الحمد لله على ما أنجز وعلى ما تيسر عمله والفضل في ذلك حتماً، كما كان يقول، الى الله الذي يبارك أعمال الخير، وفي الدرجة الثانية الى صفاء النية واستقامة الطريق.
رحم الله أبا علي جزاء عمله الخير، وترديده الدائم: اللهم إجعلني خيراً مما يظنون.